قائد المنطقة الشمالية أمير برعام: "التهديد الحقيقي لإسرائيل ليس تصريحات حزب الله، وإنما المشاكل التي تواجهها"
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في ظل مانشيتات الصحف التي لا تتوقف عن الحديث انتشار الكورونا في إسرائيل، تتطور أزمة حادة على الحدود الشمالية. حتى الآن هي أزمة لبنانية داخلية. الجارة في الشمال تشهد هزة اقتصادية شديدة تطرح تساؤلات بشأن النشاطات اليومية الأكثر بساطة. التوترات اللبنانية تضع حزب الله في وضع غير مريح. في الوقت عينه، أيضاً أحياناً يتكبد الحزب ضرراً عمومياً جرّاء المعركة، السرية في جزء منها، التي تشنها إسرائيل ضد إيران في سورية.
- هذا الأسبوع، قُتل في إحدى الهجمات المنسوبة إلى سلاح الجو الإسرائيلي في سورية مقاتل من حزب الله في منطقة مطار دمشق. في الجيش الإسرائيلي يستعدون لمواجهة احتمال رد مضبوط من جانب التنظيم الشيعي، بالاستناد إلى تصريحات سابقة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي هدد بترسيخ نوع من "معادلة ردع" في مواجهة إسرائيل. في آب/أغسطس الماضي، قال نصر الله إن حزبه سيرد على إسرائيل من الأراضي اللبنانية في حال مقتل أي عنصر من عناصره في سورية.
- في الأمس، نشر الجيش كتيبة غولاني على طول الحدود مع لبنان. التقدير في القدس أن حزب الله ينوي القيام بعملية محدودة تبعث برسالة إلى إسرائيل من دون ان تجرّ الطرفين إلى تصعيد شامل. هذا ما فعله الحزب في نيسان/أبريل الماضي، عندما قطع عناصره السياج الحدودي بين لبنان وإسرائيل في 3 نقاط، رداً على إطلاق صواريخ على سيارة جيب تابعة له على الحدود السورية - اللبنانية.
- تقاطع الأحداث الأخيرة، على خلفية ادعاءات إيرانية بشأن عملية تخريب إسرائيلية غامضة لمنشأة نتانز في مطلع الشهر، تزيد من التوتر الإقليمي. على ما يبدو، آخر ما يريده حزب الله الآن مواجهة عسكرية. وبينما الاقتصاد اللبناني يغرق والشارع يغلي، تحويل النار نحو إسرائيل لن يُعتبر بالضرورة مخرجاً مقبولاً من الأزمة. نصر الله الذي لُسع بشدة في التعادل الاستراتيجي الذي نشأ مع إسرائيل في حرب 2006 ليس متحمساً لتكرار التجربة التي تركت ندوباً في الجانب الجنوبي من الحدود. أحياناً، يُخيّل إلى الذين يراقبونه من هنا، أن الأمين العام يعمل تحديداً كشخص راشد ومسؤول في المحور الشيعي، ويحرص على لجم أفكار طموحة أكثر من اللازم يطرحها رعاته في طهران ودمشق.
- في الأسبوع الماضي ، وقبل الهجوم الأخير في سورية، لكن عميقاً في الأزمة اللبنانية، أجرى قائد المنطقة الشمالية اللواء أمير برعام حديثاُ مطولاً مع "هآرتس". جرى هذا في مكان مطل على منظر فريد من نوعه، قلائل يصلون إليه: موقع مراقبة للجيش الإسرائيلي في رأس الناقورة. من هناك، وعلى علو نحو 100 متر فوق الناقورة، يمكن مشاهدة كل منطقة الحدود بين الدولتين- وأيضاً منطقة الخلاف المحتمل المقبل، منطقة البحر المتوسط وحقول الغاز في أعماقها، والتي لا تزال حقوق السيطرة عليها موضع خلاف بين إسرائيل ولبنان.
- يقول برعام إن السمة الأكثر بروزاً للمرحلة الحالية في المنطقة هي عدم الاستقرار الذي تعاظم بسبب سلسلة حوادث وقعت منذ بداية السنة: الاغتيال الأميركي للجنرال قاسم سليماني، الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان وسورية، وضرر الكورونا في دول الشرق الأوسط.
- "اقتصادياً، لبنان كما يبدو هو في وضع هو الأسوأ من أي وقت مضى"، يدّعي قائد المنطقة الشمالية: "إنه يقترب من فترة الحرب الأهلية التي نشبت هناك في أواسط السبعينيات. البطالة هناك وصلت إلى 40% ونحو نصف المواطنين يعيشون حالياً تحت خط الفقر." ويشدد برعام: "لكن كل هذا لا علاقة له بنا مباشرة. إذا سألت مواطناً لبنانياً، أشك في أن تكون إسرائيل في المرتبة العاشرة على قائمة همومه. هو يشعربالقلق بسبب عدم وجود أفق، ويبدو أن من بين أسباب ذلك سلوك حزب الله. الشكوك تتسرب أيضاً إلى الطائفة الشيعية في لبنان. لبنان موجود في مأزق حقيقي، ويرزح تحت عقوبات خارجية تزداد تفاقماً، وهي ناجمة عن خطوات أميركية ضد إيران وسورية، بالإضافة إلى فقدان المؤسسات الدولية الثقة بالاقتصاد اللبناني. السنة المقبلة ستكون سنة مصيرية بالنسبة إلى هذه الدولة، ويمكن أن تؤدي إلى تفككها لعجزها عن الوفاء بديونها."
- بحسب برعام، حزب الله أيضاً يواجه اليوم أزمة قاسية لم يشهدها من قبل. "عندما قاتل عناصره لمصلحة نظام الأسد في سورية، كان في إمكان الحزب تبرير ذلك بأنه يحمي اللبنانيين من وصول داعش إليهم. هذه الذريعة اختفت، وأغلبية مقاتليه عادت إلى لبنان. الحزب هو اليوم عنصر مهيمن في الحكومة اللبنانية. رئيس الحكومة حسان دياب لا يعدو كونه ألعوبة تتصرف بحسب تعليمات نصر الله.
- "من حيث المبدأ، هذا مريح لنصر الله: هو يمسك بزمام الأمور، ويبقى في الخلف. لكنه يجد صعوبة في ألاّ يكون له علاقة بالأزمة. إذا اهتم فقط برجاله وأنصاره من الشيعة، فإنه بذلك سيقوض الادعاء بأن مبرر وجود الحزب هو كونه درع لبنان. إيران لم تعد قادرة على مساعدة حزب الله مالياً بنفس المقدار كما في الماضي. هذه الأزمة يعيش تحت وطأتها كل المحور الشيعي، وخاصة منذ اغتيال سليماني.
- يقول برعام: "ليس لنا أي علاقة بالأزمة الداخلية في لبنان. يجب أن نبذل كل جهدنا كي لا يكون لنا شأن فيها. أعتقد أن المواطنين اللبنانيين يدركون أن الدولة أسيرة في يد حزب الله. ليس لدى إسرائيل أي نوايا عدوانية في لبنان. حزب الله هو الذي يوظف مالاً في تهريب السلاح، وفي مشروعه للصواريخ الدقيقة، وفي بناء قوة نارية في مواجهة إسرائيل. من حيث المبدأ، من الممكن أن يتطور سيناريو يحاول فيه نصر الله أن يوجه أصبع الاتهام إلى إسرائيل من أجل تسخين الوضع معنا. أنا لا أعتقد أنه سيفعل ذلك الآن، فهو موجود في نقطة حرجة."
- يشير برعام إلى أن الأزمة في لبنان عميقة إلى حد أن نصر الله لا يتحدث عن نتانز. فهو مشغول بمستقبل حركته، وفي دفاعه عن البقاء اليومي. لا أعتقد أن من المُلح بالنسبة إليه معالجة أمور أُخرى. ويرى برعام أن "الانهيار الداخلي في لبنان سيكون خطراً علينا أيضاً. في الأشهر الأخيرة، برزت ظاهرة جديدة هي تسلل مواطنين سودانيين إلى إسرائيل من الحدود مع لبنان، جرى توقيفهم بالقرب من السياج. العامل المصروف من عمله في مطعم في بيروت في الصباح، وليس لديه ما يأكله- عند الظهر سيحاول اجتياز الحدود إلينا."
في العودة إلى الجنوب اللبناني
- من نقطة المراقبة في رأس الناقورة، تظهر بوضوح مواقع اليونيفيل والجيش اللبناني، إلى جانب القرى الشيعية التي تنتشر في أغلبيتها منظومات القتال التابعة لحزب الله. مع خفوت شدة المعارك في سورية، عادت إلى الجنوب أغلبية مقاتلي قوة الرضوان، وحدة النخبة في الحزب التي تحملت جزءاً كبيراً من عبء الحرب الأهلية السورية. على الرغم من الأزمة الاقتصادية، يقول برعام، الحزب لم يتخل عن توظيف موارد في هذه الوحدات، وأيضاً في مشروع الصواريخ الدقيقة.
- يبدي برعام إعجابه بالتجربة العملية التي راكمها مقاتلو حزب الله في المعارك في سورية، لكنه يرفض المشاركة في السردية العسكرية القائلة إنه من حين إلى آخر يجب تخويف الجمهور الإسرائيلي من أهوال الحرب المقبلة. صحيح أن نصر الله يهدد منذ سنوات بـ"احتلال الجليل"، لكن قائد المنطقة الشمالية يقترح وضع أقواله في إطارها المناسب. "في سورية تعلموا الانتقال من وضع دفاع ثابت إلى مناورة هجومية للوحدات. هذا جرى لهم أيضاً بفضل تواصلهم مع الوحدات الروسية التي قاتلت إلى جانبهم. من ناحية أُخرى، نحن لسنا داعش. في سورية كان لديهم تفوق أرضي وجوي وغطاء روسي. ليس هذا هو الوضع في مواجهتنا في لبنان.
- "هم يتحدثون عن هجمات في قلب أراضينا، وعن إخلاء مستوطنات تحت إطلاق النار. هذا يمكن أن يحدث. ونحن نتعامل بجدية كاملة مع خططهم ونستعد لمواجهتها. التدريبات التي تقوم بها وحداتنا أكثر قساوة وتطلباً كي يستطيعوا مواجهتها. لكن يجب ألّا نخيف أنفسنا من دون طائل. لقد تعلمت هذا الدرس في عملية الدرع الواقي [ في آذار/مارس 2002]، كنت حينها قائد كتيبة شاباً، قالوا لنا توقعوا سقوط مئات القتلى في العملية. حينها أضفت إلى رتل الكتيبة التي تحركت في اتجاه بيت لحم شاحنتين لإخلاء القتلى. بالتأكيد أخفت جنودي. في الحرب، سيحاول حزب الله احتلال مواقع والوصول إلى الصفوف الأولى من منازل المستوطنات، لكن لن يحدث هنا أي احتلال للجليل. نصر الله هو بطل عالمي في الحرب النفسية، لكنه يفهم جيداً علاقات القوة الحقيقة. الأذى الذي سيلحق به سيكون أكبر بكثير من الضرر الذي يقدر على أن يلحقه بنا."
- "تفوّق حزب الله في تنظيمه العسكري سيكون أيضاً كارثته. سنقاتل بحسب قوانين الحرب: كل منزل تنطلق منه فصيلة من قوات الرضوان أو تنطلق منه نيران سيُضرب. المواطنون اللبنانيون يعلمون ذلك، ولن يبقوا في منازلهم. لقد سبق أن قال أحد وزراء الدفاع (عمير بيريتس في بداية حرب لبنان الثانية، تموز/يوليو 2006) مَن يذهب إلى النوم مع صواريخ يجب ألّا يُفاجأ بأن يستيقظ مع قصف. إذا حاولوا التحرك، لن نجلس وننتظر وصول عناصر فرقة الرضوان إلى مستوطنة شلومي. لا يوجد هنا قتال عادل fair fight. لا يمكن أن نترك فرصة لحدوث ذلك."
- ويضيف، عناصر التنظيم المعادي" ليسوا انتحاريين شيعة. تقدير استخباراتي مبالغ فيه للعدو ونواياه، هو سيئ مثل غياب التقدير. إنني انظر إلى التهديد بصورة واقعية واستعد. استخباراتنا جيدة، لكننا نخطط لوضع لا يكون فيه لدينا معلومات استخباراتية كافية ونُفاجأ. أنا لا أهدأ قط: حتى لو كان لدينا كل المعلومات، من المحتمل أن نخطىء في تقييمها."