وباء الكورونا والقدس الشرقية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • مع بداية شهر رمضان، لا تزال معطيات تفشي فيروس الكورونا في القدس الشرقية غير واضحة. ظاهرياً، أن نسبة الإصابة بالمرض هي أقل مقارنة بالقدس الغربية، ومقارنة بأرقام الذين أُصيبوا بالمرض في الأحياء الحريدية. (صحيح أنه حتى 23 نيسان/أبريل، سُجل في القدس الشرقية 144 مريضاً مؤكداً، بينهم اثنان توفيا و18 استعادوا عافيتهم). مراكز الإصابة بالمرض الأساسية هي رأس العامود، بيت صفافا، أبو طور، المدينة القديمة، العيسوية، سلوان - مدينة داود. لم يُفرض الإغلاق على أي حي من الأحياء العربية. والظاهر أن التدني النسبي في عدد المصابين بالكورونا في القدس الشرقية له علاقة بقلّة عدد الفحوصات وعدم وجود معلومات موثوق بها. لقد جرى فحص سكان القدس الشرقية في فروع محددة تابعة لصندوق المرضى، وفي مركز "فحص واذهب" بالقرب من جبل المكبر. نقطة فحص إضافية أُقيمت مؤخراً أيضاً في معبر قلنديا.
  • تعيين قائد الجبهة الداخلية العميد في الاحتياط بن تسفي إلياسي من قبل رئيس الأركان ليكون مستشاراً لرئيس بلدية القدس في مسائل الكورونا في القدس الشرقية، يكشف عن تخوف من تفشّ واسع للمرض في القدس الشرقية في فترة رمضان. بالإضافة إلى ذلك، بُدىء العمل في القدس الشرقية بغرفة طوارىء لإدارة محاربة الوباء في شرقي المدينة تشمل وحدة رصد وجمع للمعطيات. مع ذلك، لا تقوم وزارة الصحة بتحقيقات وبائية في القدس الشرقية. وفي حالات كثيرة، المرضى أنفسهم هم الذين ينشرون قائمة الأماكن التي تواجدوا فيها. في سلوان وفي رأس العامود سُمعت دعوات لتشديد الإجراءات إزاء من يجب عليهم العزل وفرض الإغلاق في البيوت من قبل جنود قيادة الجبهة الداخلية.
  • معضلة مسؤولية مواجهة تفشي الوباء، وخصوصاً عندما اتضح وجود بؤرة تفشي في قرية كفر عقب شمالي القدس، الموجودة خارج الجدار، لكنها خاضعة للسيادة الإسرائيلية ضمن النطاق البلدي لبلدية القدس، تثير توتراً بين السلطات الإسرائيلية وأطراف في السلطة الفلسطينية. الـ16 مريضاً الذين تم فحصهم هناك، بعضهم من خلال فحوص أجرتها الخدمات الصحية للسلطة، نُقلت أغلبيتهم إلى العزل والمعالجة في رام الله، بعد أن رفضت وزارة الصحة الإسرائيلية نقلهم إلى العزل في إسرائيل. القوى الأمنية الفلسطينية قامت بدوريات في الحي، على ما يبدو بالتنسيق مع إسرائيل، وحاولت أيضاً فرض إغلاق المحلات والبقاء في المنازل قبيل رمضان، قبل إغلاق المعبر إلى أراضي السلطة الفلسطينية في اتجاه البيرة ورام الله، بينما بقي المعبر إلى القدس مفتوحاً فقط للعمال الأساسيين. سكان الحي وجدوا أنفسهم معزولين في الاتجاهين. الجدل بين القدس وبين أطراف في السلطة الفلسطينية بشأن مَن يقدم الخدمات الصحية إلى السكان انتهى بانسحاب الأجهزة الأمنية الفلسطينية من الحي، ووضع حاجز إلى الشمال منه لمنع الانتقال إلى رام الله. في 23 نيسان/أبريل، دخلت قوات من حرس الحدود ومراقبي البلدية إلى الحي لفرض تعليمات الإغلاق، واقتلعوا اليافطات التي وضعتها السلطة.
  • على خلفية وباء الكورونا، سُمعت من الناطقين بلسان السلطة الفلسطينية وفي وسائل الإعلام ادعاءات بشأن قمع القدس الشرقية من قبل السلطات الإسرائيلية، ومحاولة إسرائيلية "لنقل" الفيروس إلى أحياء معينة، الأمر الذي سيمكن إسرائيل من استغلال الوباء "لتطهير" المدينة القديمة وأحياء معينة حولها من سكانها. وحذّر أبو مازن في خطاب ألقاه في 22 نيسان/أبريل، قبيل شهر رمضان، من محاولات استغلال الانشغال الدولي بوباء الكورونا للمس بالفلسطينيين. وادعى صائب عريقات، أمين اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، أن إسرائيل تمنع تقديم الخدمات الطبية إلى سكان القدس الشرقية، وتواصل إغارتها على مؤسسات فلسطينية في القدس الشرقية وتؤذي مسؤولين فلسطينيين كبار. وزارة "الدفاع عن الأراضي ومقاومة الاستيطان" تطرقت إلى الموضوع أيضاً في سياق محاولات إسرائيل "ضم مستوطنات في الضفة الغربية وفي منطقة القدس، بحسب خطة ترامب". وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية دانت دخول قوات من الجيش الإسرائيلي والشرطة إلى سلوان واقتحامها المستوصف الذي أقامته لجنة الطوارىء الفلسطينية هناك.
  • مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه يوجد بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تنسيق وثيق بشأن محاربة فيروس الكورونا. ويجري، من بين أمور أُخرى، تدريب أطباء فلسطينيين في إسرائيل، وتُقدَّم مساعدة واسعة بالأدوية والأجهزة الطبية، بما في ذلك إلى مستشفيات في القدس الشرقية. وتعمل أيضاً أجهزة الأمن الفلسطينية بالتعاون مع السلطات الإسرائيلية على فرض الإغلاق والقيود على الحركة التي تفرضها السلطة الفلسطينية على السكان في أراضيها. وفعلاً، برز في الأسابيع الأخيرة جهد إسرائيلي مؤسساتي منسق بين وزارة الصحة وصناديق المرضى والبلدية والمدراء العامين وقيادة الجبهة الداخلية، ونجمة داود، إلى جانب الهلال الأحمر والمستشفيات في القدس الشرقية، وأيضاً جهات مقدسية شرقية في المجتمع المدني، للسيطرة على تفشي الوباء، ولمواجهة مختلف نواحي الأزمة.
  • مستوى الأداء المرتفع نسبياً للسلطة الفلسطينية في معالجة فيروس الكورونا يحظى بالثناء في الساحة الداخلية الفلسطينية. ولقد تجلى التعاون مع إسرائيل التي تساعدها في مهمتها، بوضوح، في موضوع العمالة. فقد سمحت إسرائيل للعمال الفلسطينيين بالمبيت في أراضيها كي لا تمس بقطاع البناء في إسرائيل ولا تزيد الضائقة الاقتصادية في أراضي السلطة. لكن حالياً السلطة هي التي تفرض القيود على العمال الفلسطينيين الذين يعملون في مستوطنات الضفة الغربية، وعلى الذهاب للعمل في إسرائيل. فقد دعا رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية العمال الفلسطينيين إلى العودة إلى منازلهم بعد أسبوع من التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل بالسماح لهم بالمبيت في أراضيها. جرى هذا في ضوء العدد الكبير للمصابين في إسرائيل والتخوف من دخول الفيروس إلى أراضي السلطة (بحسب معطيات السلطة، 79% من إصابات الكورونا بين الفلسطينيين مصدرها العمل في إسرائيل).
  • محاربة تفشي فيروس الكورونا في القدس وضواحيها تعكس العلاقات المتبادلة بين قسمي المدينة، الغربي والشرقي، وفي الوقت عينه الارتباط الوثيق للسكان الفلسطينيين بمناطق السلطة الفلسطينية، يبرز هذا الارتباط بصورة خاصة في الأحياء الواقعة خارج الجدار (كفر عقب المرتبطة بمنطقة رام الله، ومنطقة مخيم شعفاط للاجئين المرتبط بمنطقة عناتا)، والعلاقة بين القدس الشرقية ومنطقة بيت لحم. كما تبرز أيضاً على هذه الخلفية التطورات الجارية في القدس الشرقية في السنوات الأخيرة: نمو هيئات ومؤسسات المجتمع المدني على مستوى الأحياء والبلديات، بعضها لديه علاقات متعددة بالمؤسسة الإسرائيلية، وجزء منها له علاقة بأطراف فلسطينية. يُذكر في هذا المجال الخطة الخمسية لتقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية والتنمية الاقتصادية للقدس الشرقية (قرار الحكومة الرقم 3790 الصادر في أيار/مايو 2018)، والذي شكّل البنية التحتية لقيام حركات شبابية ضمن إطار البلديات وزع أفرادها آلاف السلال الغذائية في شرقي المدينة، وكذلك المساعدات التي قدمها الطلاب ضمن "خطة البشير" لملء قسائم التوظيف والضمان الوطني للحصول على تعويضات بطالة بعد توقف آلاف العمال عن العمل. كما سُجل انتظام كثير من النشطاء الاجتماعيين والطبيين في أحياء القدس الشرقية للمساعدة في إدارة المعركة ضد الفيروس.

توصيات

  • شهر رمضان - التحدي المركزي في الأسابيع المقبلة سيكون مواجهة تأثير رمضان والنشاطات العائلية والجماعية الكثيرة المرتبطة به. لذلك يجب فرض القيود التي فرضتها الحكومة على الحركة والتجمعات، من خلال التعاون مع رجال الدين والنشطاء الاجتماعيين في أحياء القدس الشرقية. ويجب أن تجري عمليات الشرطة وحرس الحدود بحذر لمنع المواجهات والتصعيد.
  • استراتيجيا الخروج - التحدي الأكبر الذي سيشغل كل الأطراف التي يوجد لها علاقة بمسائل القدس الشرقية هو الأزمة الاقتصادية القاسية المتوقعة مع انحسار وباء الكورونا والعودة التدريجية إلى الحياة. فصل جماعي للعمال، اعتماد سوق العمل على غربي المدينة والوضع الاقتصادي الصعب في المدينة وفي إسرائيل كلها - كل ذلك بالتأكيد سيؤثر تأثيراً عميقاً في الواقع في القدس الشرقية. بؤر توتر، بينها جبل الهيكل /الحرم القدسي، أو تطورات مثل ضم المستوطنات وأجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل يمكن أن تسرع في نشوب موجات احتجاج وعنف.
  • استغلال النجاح - نجاح الإدارة الإسرائيلية ومنظمات المجتمع المدني في القدس الشرقية في المعالجة المنسقة لوباء الكورونا يمكن أن يساعد في المواجهة مع الأزمة الاقتصادية "في اليوم التالي". هذا النجاح يمكن أن يُستخدم أساساً للثقة بين جمهور القدس الشرقية والسلطات الرسمية الإسرائيلية، بشرط أن يستمر الاستثمار الكثيف في القدس الشرقية أيضاً بعد الوباء.