وباء الكورونا والساحة الفلسطينية - دلالات بالنسبة إلى إسرائيل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

الضفة الغربية وقطاع غزة – فجوة

كبيرة في الاستعداد لمواجهة الوباء

  • الوضع المتدهور للبنى التحتية المدنية في قطاع غزة المتميز بنظام صحي متداعٍ وضآلة في المعدات الطبية - بما في ذلك أجهزة فحص الكورونا وحماية الطواقم الطبية - وعدد أسرّة المستشفيات. أفراد الطواقم الطبية ليس لديهم خبرة كافية. وفي الخلفية، هناك أزمة ثقة لدى السكان بنظامهم الصحي، وبمنظومة حكم "حماس" عموماً. في الجو يحوّم إحساس بأن تهديد وباء الكورونا أكبر من قدرة القطاع وقدرة زعامة "حماس"، تحديداً، على مواجهته. صحيح أن عدد المصابين بالفيروس حتى الآن لا يزال منخفضاً نسبياً، لكن من الممكن أن الرقم المعطى يعكس قلة الفحوصات التي جرت في المنطقة. في الأسابيع الأخيرة، أُغلقت المعابر الحدودية في القطاع، وأُقيمت منشآت حجر بالقرب من معبر رفح، وفي المدارس ومبان عامة أُخرى، وأُعلن عن بناء نحو ألف غرفة للحجر. كما مُنعت التجمعات وأُغلقت المساجد. لكن لا يوجد تتبّع للذين دخلوا قبل إعلان الحجر، ولا متابعة لحاملين محتملين للفيروس. بناء على ذلك، يزداد التخوف من صعود مفاجىء في عدد المرضى، ومن تفشٍّ واسع للوباء.
  • قيادة "حماس"، وإلى جانبها منظمات حقوق الإنسان، يحمّلون إسرائيل المسؤولية عن مصير القطاع. خليل الحية، عضو المكتب السياسي لـ"حماس"، الذي يسكن في القطاع، قال في 24 آذار/مارس، إن من مسؤولية إسرائيل تزويد القطاع بحاجاته لمحاربة فيروس الكورونا، وعليها رفع الحصار، واستئناف نقل المساعدات إلى المحتاجين في القطاع. هذا الكلام يعبّر عن الرغبة في استخدام الضغط على إسرائيل، وعلى جهات في الساحتين العربية والدولية، لتقديم المساعدة، وفي المقابل، إزاحة المسؤولية عن "حماس" التي قد تواجه احتجاجاً شعبياً واسعاً إذا حدث تدهور خطير في الوضع.
  • في إسرائيل نفسها، هناك إدراك للخطر الذي يحوم فوق قطاع غزة في حال تفشٍّ واسع للوباء. لذا وسعت إسرائيل كمية المستلزمات الطبية المُدخلة إلى المنطقة، ومن ضمنها 20 آلة تنفس اصطناعي تنضم إلى 80 آلة موجودة هناك، ونحو 300 جهاز فحص للكورونا، ونحو 50 ألف كمامة، ومعدات كثيرة أُخرى من المفروض أن تصل من الصين في هذه الأيام. قطر أيضاً انضمت إلى المساعدة: أمير قطر وعد بتحويل مساعدة مالية إضافية قدرها 150 مليون دولار، على خمس دفعات شهرياً. تحقيق الوعد القطري (إذا كان المقصود أموالاً نقدية) يتطلب مشاركة إسرائيلية ومصرية أثناء توقف معظم المطارات عن العمل. والتنسيق مطلوب أيضاً حيال نقل مرضى من القطاع إلى المستشفيات في القدس الشرقية، كما هو معمول به من جانب وزارة الصحة في السلطة الفلسطينية، التي ليس لديها سلطة على ما يجري في القطاع.
  • في المقابل، الوضع في مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أفضل إلى حد كبير. السلطة سبقت إسرائيل في الخطوات التي اتخذتها بعد تفشي المرض في بيت لحم، من خلال نشر معلومات عن المخاطر الصحية الناجمة عن الاختلاط بإسرائيل والإسرائيليين، بينهم سكان المستوطنات والقدس الشرقية. جهود وزارة الصحة الفلسطينية تتركز في الضفة الغربية. وعملت الوزارة على الكشف عن مناطق العدوى ووضع خريطة لها وحصرها، وتوسيع الإغلاق تدريجياً، بما يتلاءم مع تفشي الفيروس.
  • علاوة على ذلك، منذ بداية الأزمة، حرصت السلطة على التنسيق مع إسرائيل في كل نشاطاتها المتعلقة بوباء الكورونا، كما شددت علناً على أهمية التنسيق (بروحية المبادئ المنصوص عليها في الاتفاق المرحلي لسنة 1995، فيما يتعلق بالتعاون وتبادل المعلومات في حالات الأمراض أو الأوبئة). الناطق بلسان الحكومة إبراهيم ملحم أشار إلى إنشاء غرفة عمليات مشتركة مع الجانب الإسرائيلي لمحاربة الوباء.
  • في ضوء الأزمة، قررت إسرائيل تحويل 120 مليون شيكل إلى السلطة الفلسطينية من أموال كانت حسمتها منها. وذلك إلى جانب توثيق التعاون الصحي ونقل العتاد الطبي. واستمر عمل العمال الفلسطينيين في إسرائيل، على أساس موافقة مشتركة على أن يبقوا للمبيت بالقرب من مكان عملهم. مع ذلك، دعت السلطة لاحقاً إلى عودتهم إلى الضفة بعد إصابة أحدهم بالعدوى، والتخوف من تفشٍّ واسع للمرض (وأيضاً بسبب الغضب من شروط المبيت التي خُصصت للعمال من قبل أرباب عملهم في إسرائيل).

دلالات بالنسبة إلى إسرائيل

  • مخاطر: على متخذي القرارات في إسرائيل الافتراض أن حجم تفشي مرض الكورونا في قطاع غزة والضفة الغربية أخطر مما يجري الحديث عنه. التحدي الأكثر أهمية في هذا السياق هو الوضع في القطاع، سواء بسبب احتمال تفشٍّ سريع وواسع للوباء، أو بسبب القدرات المحدودة لـ"حماس" على مواجهة أزمة واسعة النطاق في القطاع، بصفتها تعاني ضائقة ومكتظة بالسكان. وبالإضافة، لا توجد أجهزة تنسيق جارية وفعالة بين إسرائيل و"حماس"، مثل تلك الموجودة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
  • تفشي الوباء في القطاع وفقدان "حماس" السيطرة، سيضعان إسرائيل أمام وضع معقد وصعب، جرّاء احتمال انزلاق الوباء من القطاع إلى أراضيها. من المحتمل أيضاً محاولة من جانب حماس لتصعيد الوضع الأمني بهدف تحويل الرأي العام عن عجزها في التصدي للوباء.
  • فيما يتعلق بأراضي الضفة الغربية، أيضاً يتعين على إسرائيل، في مثل هذه الحالة، الاستعداد لاحتمال تفشٍّ واسعة للوباء، وصعوبة كبيرة ستواجهها السلطة لاحتواء الأزمة، بسبب البنى الصحية التحتية المحدودة، والنقص في أجهزة الفحص وأجهزة التنفس. لذا، من المهم دعم المستشفيات الفلسطينية في القدس، والأخذ في الاعتبار أنها تشكل مكوناً حيوياً في المنظومة الطبية الفلسطينية، وجبهة خلفية لمعالجة طبية متطورة لسكان الضفة الغربية، وأيضاً لسكان القطاع. تفشٍّ واسع للوباء، يمكن أن يؤدي إلى انهيار الاقتصاد الفلسطيني وفقدان ثقة الجمهور بقيادة السلطة، وحتى إلى فوضى، نتيجة النقص في الغذاء والمياه والكهرباء والدواء. لذلك، مساعدة السلطة والتعاون معها، وضمن هذا الإطار تعاون أطراف مهنية من الطرفين، مثل الأطباء الذين يوضحون للجمهورين الفلسطيني والإسرائيلي معاً خطورة الأزمة، بالإضافة إلى استمرار التعاون الأمني، سيساعد في احتواء الأزمة. مع ذلك، من الصواب أن تستعد إسرائيل أيضاً لسيناريو انهيار السلطة، نتيجة انهيار اقتصادي أو مصاعب في أدائها.
  • فيما يتعلق بالمنطقتين - الضفة والقطاع، على إسرائيل الاستعداد لكبح محاولات التسلل إلى أراضيها، والرد في حال نجاح جزء منها. توثيق التعاون بقدر المستطاع على الحدود بينها وبين المنطقتين مطلوب في حال تفشٍّ كبير للوباء - مع أن الواقع في الضفة الغربية أكثر تعقيداً بكثير بسبب وجود المستوطنات اليهودية في قلب أراضيها.
  • الفرص: يبدو أن زعامة "حماس" تدرك خطورة التحدي الذي تواجهه ومن ضمن ذلك اعتمادها على إسرائيل. علاوة على ذلك، تفشي الوباء في القطاع يمكن أن يعرّض بقاءها للخطر. لذا، تحديداً هذا الوقت العصيب يمكن أن يشجع "حماس" على إبداء مرونة بشأن شروط التسوية مع إسرائيل. على افتراض أن مصلحة إسرائيل هي في التوصل إلى تسوية واسعة إزاء قطاع غزة، من المحتمل أن أزمة الكورونا تشكل فرصة لإسرائيل للدفع قدماً بهذه التسوية. من المحتمل في ضوء انكشافها على الخطر في الفترة الحالية، أن تبدي قيادة "حماس" استعداداً لإعادة جثماني الجنديين الإسرائيليين والمواطنين الإسرائيليين الذين تحتفظ بهم. الحاجة إلى إخلاء السجون في إسرائيل نتيجة التخوف من تفشي الوباء بين المساجين يمكن أن يشمل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين كمكوّن في صفقة تبادل بين إسرائيل و"حماس".
  • من ناحية أُخرى، إذا كانت المصلحة الإسرائيلية هي إعادة السلطة الفلسطينية إلى السيطرة الفعلية على قطاع غزة، كمرحلة ضرورية في مسار استئناف العملية السياسية، من المحتمل أن تشكل أزمة الكورونا محفزاً وفرصة لاتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، برعاية مصرية وسعودية، وربما أيضاً بتدخّل من قطر، بالإضافة إلى تدخّل موفد الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف. خطورة الأزمة وإدراك "حماس" لضعفها، وفي الوقت عينه، مساعدة طبية من السلطة الفلسطينية إلى سكان غزة، وتخفيف العقوبات التي فرضتها السلطة على "حماس"، كل ذلك يمكنه أن يقرب من إمكان ترتيب العلاقات بين القيادتين، حتى لو لم يكن ذلك مصالحة، وضمن هذا الإطار، استعداد السلطة لتحمّل مزيد من المسؤولية من النواحي المدنية في القطاع، حتى من دون سيطرة مطلقة في المنطقة.

خلاصة

  • في الساحة الفلسطينية، وعلى خلفية أزمة الكورونا، يترسخ وعي عام، وكذلك وعي لدى القيادتين - السلطة و"حماس"- بشأن ضرورة التعاون مع إسرائيل. جسّد الوباء مدى أهمية التعاون أيضاً خارج الإطار الأمني، كأمر يفرضه الواقع، ويمكن أن يكون منقذاً للحياة.
  • التطورات المقبلة، ستكون لها علاقة بحجم إعادة الإعمار المطلوب في المنطقة كلها، ومدى اهتمام إسرائيل والساحة الإقليمية والدولية بإمكان استئناف العملية السلمية. يمكن التقدير أنه إذا جرى إزالة أجزاء من "خطة القرن" التي قدمتها الإدارة الأميركية من مضمونها، فإن ذلك سيزيد من احتمال عودة السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات، وبالتأكيد على حساب احتمال تحسن العلاقات مع "حماس". في موازاة ذلك، إذا طُرحت "صفقة القرن" على النقاش كما قُدمت، ستزداد فرص التقارب بين السلطة و"حماس".
  • في جميع الأحوال، أداء ناجح للسلطة الفلسطينية في مواجهة أزمة الكورونا سيشكل دليلاً، بالنسبة إلى إسرائيل أيضاً، على تحسّن قدرتها على الحكم. على هذه الخلفية، من المحتمل حدوث تغيير في التوجه الإسرائيلي، وفي الشكوك والانتقادات الموجهة إلى مؤسسات السلطة، وإلى أدائها، وربما سيشجع على توسيع هامش المناورة في بلورة العلاقات معها.