حرب الوكلاء في سورية يمكن أن تتحول إلى معركة مباشرة بين قوتين عظميين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • "بنك الأهداف" التركي في سورية يزداد انتفاخاً. بالاستناد إلى تقارير وزارة الدفاع التركية، دمرت تركيا في بداية الأسبوع 82 هدفاً سورياً شمل 9 دبابات، وراجمتين للصواريخ من طراز Obusier، وست منصات لإطلاق الصواريخ، ومركبتين عسكريتين، وقتلت 299 جندياً سورياً. في المحصلة، أُحصي حتى اليوم سقوط أكثر من 2500 قتيل في صفوف القوات السورية بنيران تركية، جزء منهم عناصر تابعة لميليشيات، وجزء آخر جنود نظاميون. لا توجد تقارير عن أعداد المدنيين الذين قُتلوا في هذه الهجمات، كأن كل قتيل هو تلقائياً عدو مسلح. من الجهة الثانية، يتحدث الأتراك عن مقتل نحو 50 مقاتلاً تركياً منذ بدء المواجهات بين الطرفين.
  • الهجمات من الجو، في معظمها، تنفذها تركيا بواسطة طائرات من دون طيار من إنتاج الشركة التركية كالي غروب (Kale Group) وبايكر تكنولوجي (Baykar Technologies)، كجزء من رؤية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإنشاء بنية تحتية عسكرية وتكنولوجية مستقلة غير مرتبطة بمورّدين من الخارج. كالي غروب التي بدأت طريقها في الخمسينيات من القرن الماضي كشركة تصنيع للسيراميك، هي ليست فقط أكبر شركة تصنيع للسيراميك في تركيا، بل إحدى الشركات العملاقة التركية. وهي تستحوذ على نحو 17 شركة تنتج مكونات لطائرات حربية أميركية، وكانت شريكة في مشروع تصنيع طائرة الشبح F-35، قبل أن تُطرَد منه في أعقاب قرار أردوغان شراء منظومات صواريخ روسية مضادة للطائرات من طراز S-400.
  • شركة بايكر تكنولوجي التي يترأس قسم التطوير الهندسي فيها سلوتشوك بايركتور، صهر أردوغان، والمتزوج من صغرى بناته، هي شركة رائدة في تخطيط وإنتاج طائرات من دون طيار حديثة وقادرة على البقاء أكثر من 24 ساعة في الجو، وعلى حمل عبوة ناسفة كبيرة. مؤخراً، أعلنت الحكومة التركية تخصيص نحو 100 مليون دولار لمواصلة تطوير الطائرات من دون طيار، وأقرّ هذه الميزانية صهر آخر لأردوغان، هو وزير الاقتصاد والمال.
  • لكن المصالح الاقتصادية لعائلة أردوغان في الحرب في إدلب يمكن أن تواجه الآن عقبة ملغومة، في ضوء التهديد الذي تطرحه هذه الحرب على العلاقات التركية مع روسيا. في الأمس، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأردوغان، من أجل محاولة التوصل إلى تفاهمات جديدة تتعلق بإدارة ساحة القتال في شمال سورية، بعد سلسلة المواجهات العنيفة بين القوات السورية والقوات التركية التي أدت إلى تبادل الاتهامات بين الدولتين. بدأت روسيا فعلاً بتبني خطاب عدائي مباشر ضد تركيا وتتهمها بخرق اتفاق سوتشي، الموقّع في أيلول/سبتمبر 2018، والذي بموجبه، يتعين على تركيا أن تُخرج من منطقة إدلب كل الميليشيات الراديكالية، مثل هيئة تحرير الشام، ونزع سلاح سائر الميليشيات. من جهتها، تركيا تتهم سورية وروسيا بأنهما تهاجمان قواتها وتسيطران على أطراف إدلب.
  • الضغط السوري - الروسي على محافظة إدلب التي كان من المفروض أن تُستخدم كمنطقة منخفضة العنف، يزداد اشتداداً. المحاور الأساسية التي تربط بين المحافظة وبين تركيا سيطرت عليها سورية، وموجة جديدة من مئات آلاف اللاجئين تتدفق على حدود تركيا.  ترفض روسيا وسورية هذه الادعاءات وتقولان إن تركيا هي التي تقدم دعماً عسكرياً للميليشيات المسلحة التي يقدر عددها بنحو 50 ألف مقاتل، وأن قوات هذه الميليشيات دُمجت في قواعد أقامتها تركيا حول محافظة إدلب. وسائل إعلام روسية تستخدم لغة أقل دبلوماسية، وتتحدث عن التعاون القائم بين تركيا وداعش، وعن العقوبات التي فرضتها روسيا على تركيا سنة 2015، بعد إسقاط طائرة روسية في أجواء تركيا، كتلميح واضح إلى أن روسيا يمكنها العودة إلى أسلوب العقوبات الذي سيؤذي الاقتصاد التركي بصورة كبيرة. ليس هناك أي إعلان روسي رسمي يؤكد نية فرض عقوبات. في الوقت عينه، تعرض وسائل الإعلام التركية تهديداً من ناحيتها عندما تحذر من أنه إذا فرضت روسيا عقوبات على تركيا، فإن في إمكان تركيا  إغلاق مضائق البوسفور في وجه البواخر الروسية. قانونياً، ثمة شك في أن تركيا قادرة على إغلاق المضائق، إلّا إذا استطاعت أن تثبت أن السفن الروسية تشكل خطراً على أراضيها، وفي الأساس على مدينة إستانبول. لكن يكفي هذا الحوار المسموم الذي يدور بين وسائل الإعلام التي يسيطر عليها زعماء الدولتين كي نفهم إلى أين تدهورت العلاقات بينهما.
  • تحاول تركيا الآن أن تبني لنفسها منظومة دفاع سياسية تضعها على أرضية مساوية مع روسيا. يدّعي أردوغان أن تركيا كعضو في حلف شمال الأطلسي يحق لها أن تطلب من زملائها، وخصوصاً الولايات المتحدة، الدفاع عنها في مواجهة هجمات سورية وروسية. شرعية المطالبة هي موضع شك إزاء حقيقة أن تركيا هي التي بادرت إلى الهجوم الأول على أراضي سورية عندما احتلت مناطق كردية شرقي الفرات، وبعد ذلك سيطرت على مدينة عفرين الكردية، وهي الآن تتصادم مع الجيش السوري.

الولايات المتحدة في عهد ترامب لا تحلم بالانضمام إلى حرب في سورية إلى جانب تركيا، لكنها تجد فرصة لإزعاج روسيا، وخصوصاً بعد أن طلبت منها تركيا تزويدها بصواريخ باتريوت المضادة للطائرات. في الماضي اقترحت الولايات المتحدة على تركيا شراء منظومات صواريخ أميركية إذا ألغت اتفاق شراء صواريخ من روسيا، لكن نظراً إلى عدم تخلي تركيا عن الصفقة التي يبلغ ثمنها 3 مليارات دولار، ونيتها شراء طائرات حربية من روسيا، قررت الولايات المتحدة التراجع عن اقتراحها. أيضاً يصطدم الطلب التركي الآن بخلاف حاد داخل الإدارة الأميركية. البنتاغون يرفض بيعها صواريخ باتريوت، لكن الموفد الأميركي الخاص لشؤون تركيا، جيفري جيمس، يعمل كوسيط من دون تعب من أجل الموافقة على الطلب. جيمس ليس دبلوماسياً خبيراً فقط، بل كان أيضاً سفيراً في تركيا. ويتكلم اللغة التركية، وفي عدة مناسبات أعرب عن تقديره وإعجابه بتركيا، وفي الأساس، هو صديق مقرب من أردوغان. هذا الأسبوع اجتمع بالرئيس التركي، حاملاً معه تعهداً أميركياً بمساعدة تركيا بالسلاح والعتاد من أجل المعركة في إدلب. طبعاً رزمة المساعدة لا تشمل صواريخ باتريوت، لكن إذا لم يحقق الاجتماع بين أردوغان وبوتين التوصل إلى تسوية بين الاثنين، وازدادت المواجهة تفاقماً، فإن الولايات المتحدة ستستجيب للطلب التركي.