البناء في غفعات همتوس ليس دعاية انتخابية لنتنياهو بل هو نقطة لا تراجُع عنها
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- خلال الـ15 سنة الأخيرة، وضع المجتمع الدولي خطين أحمرين لإسرائيل في مسألة المستوطنات: غفعات همتوس ومنطقة E1. بالنسبة إلى العالم والفلسطينيين، بناء إسرائيلي في هذين الموقعين يشكل نقطة لا رجوع عنها - هو سيحول الدولة الفلسطينية إلى مسألة نظرية تماماً لا يمكن تحقيقها على الأرض. الخط بين الكيانين الإسرائيلي والفلسطيني الذي رُسم على عدد لا يُحصى من الخرائط منذ سنة 1967، أصبح مستحيلاً.
- طوال العقد الأخير، وقف نتنياهو في وجه الضغوط التي مارسها اليمين، وواصل تجميد البناء في غفعات همتوس وفي منطقة E1. هل حدث ذلك بسبب تخوفه من الضغط الدولي، أو لأنه أيضاً فهم دلالات مثل هذا القرار على مستقبل إسرائيل - لا نعرف. لكن اليوم، قبل 6 أيام من الانتخابات الثالثة، وبينما العالم مشغول بفيروس الكورونا، قرر نتنياهو تخطّي هذين الخطين الأحمرين، وأخذنا كلنا معه. من الواضح أن المقصود هو دعاية انتخابية، وقرار آخر من مجموعة قرارات شعبوية تهدف إلى إرضاء مجموعات اقتراع متعددة، لكن هذا لا يعني أن في الإمكان إعادة العجلة إلى الوراء في الأسبوع المقبل. الأكثر معقولية أن دولة إسرائيل أقدمت اليوم على القيام بخطوة أُخرى نحو الدولة الثنائية القومية.
- غفعات همتوس، هي هضبة صخرية عالية تطل على القدس من الجنوب. في التسعينيات استقدم أريئيل شارون إليها كرافانات للمهاجرين الروس. ولاحقاً، جرى الدفع قدماً بخطة للبناء فيها التي أقرت نهائياً في سنة 2014. لكن حينها وضعت إدارة أوباما، التي تلقّت إهانات عديدة من نتنياهو في كل ما يتعلق بالبناء في القدس الشرقية، فيتو على البناء في الهضبة. لقد فتح الأميركيون الخرائط وفهموا أن البناء في غفعات همتوس معناه فصل القدس الشرقية عن بيت لحم، وعزل حيَّين فلسطينيين - بيت صفافا وشرفات - عن باقي الأحياء الفلسطينية في المدينة. واضطر نتنياهو إلى الخضوع للضغط، وتوقفت الخطط قبل وقت قصير من نشر المناقصات.
- E1 هي منطقة كبيرة تقع بين معاليه أدوميم والقدس. في رؤية اليمين، هذه المنطقة هي "مِفسيرت أدوميم": توسيع دراماتيكي لمستوطنة في الشمال. قبل عدة سنوات، قامت الحكومة بتأهيل الأرض، شقت طرقات، وأنشأت ساحات، وغرزت أعمدة كهرباء، وحتى أقامت مركزاً لشرطة يهودا والسامرة في رأس الهضبة، بتمويل من جمعية مستوطنين حصلت في المقابل على مبنى قديم للشرطة في القدس الشرقية.
- وهكذا نشأت إحدى الحالات الشاذة للاحتلال الإسرائيلي: مستوطنة خالية من الناس، فيها شوارع وساحات وحتى مركز كبير للشرطة، لكن ليس فيها بيت أو ساكن واحد. طوال سنوات، جرى تجميد البناء في المكان. واعتبرالمجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، البناء في المنطقة E1 حدثاً يغير تغييراً مطلقاً الوضع الجيوسياسي في الضفة الغربية. ليس فقط لأن هذه المنطقة هي مجال التوسع الوحيد الذي بقي للقدس الفلسطينية، بل لأن البناء يقطع الضفة الغربية إلى قسمين، ولا يسمح بقيام تواصل جغرافي فلسطيني في الضفة الغربية.
- صحيح، من حيث المبدأ يمكن التغلب على هذه العقبة في اتفاق سلام - إقامة جسر أو نفق، وفتح مزيد من معابر الحدود أو تحويل القدس كلها إلى "مدينة مفتوحة" - لكن إلى جانب ذلك، هناك كتلة حرجة من مشكلات يمكن أن تثقل على أي اتفاق سلام مستقبلي. في كل اتفاق هناك نقطة ضعف، وهذه هي النقطة التي سيتحول فيها انتشار المستوطنات إلى تقسيم [للضفة الغربية] غير عملي من دون تخطيط سياسي وهندسي واقتصادي.
- مبدأ التقسيم إلى دولتين تحت حكم نتنياهو تلقى ضربات عديدة، بدءاً من التغيير الزاحف للستاتيكو في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]، مروراً بمقاربة "لا يوجد شريك" وإهانة السلطة الفلسطينية، ووصولاً إلى فوران المواقع غير الشرعية والمستوطنات في الضفة. إن إطلاق البناء في غفعات همتوس وفي الـE1 أيضاً، لو جرى اليوم انطلاقاً من اعتبارات انتخابية قصيرة الأجل سينقلنا إلى واقع سيكون من المستحيل فيه تخيّل الدولة الفلسطينية العتيدة. اليوم تُركت الخطوط الحمراء خلفنا، في الطريق إلى دولة واحدة يعيش فيها شعبان، إذا كان فيها مساواة، فإنها لن تكون صهيونية. وإذا كانت صهيونية، فإنها ستكون دولة أبرتهايد. هذا هوالواقع فعلياً. ففي النهاية هذا هو إرث نتنياهو الحقيقي.