العرب في إسرائيل مجبرون على البقاء خارج المنظومة
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- من دون العرب في إسرائيل، ليس للدولة اليهودية هوية قومية مشتركة. خذوا مثلاً حزب أزرق أبيض، الحزب الدائم التخبط، في كل أسبوع يغيّر موقفه بشأن الشراكة مع القائمة [العربية] المشتركة. على ما يبدو، هذا الحزب يرسم الحدود المسموح بها بين صهيونية عقلانية وبين مسيانية متعصبة، بين سياسة نظيفة وأكوام الوحل والفساد، بين فرص السلام وبين احتلال أبدي. لكنه حزب لا يعرف نفسه عندما تتصل الأمور بـ"عملية سلام" مع العرب في إسرائيل. هل يطلب تأييد القائمة المشتركة ويتجول بين الناس مع وصمة خيانة، أو يبعد العرب في إسرائيل كأنهم مصابون بفيروس كورونا.
- في استطلاع للرأي نشرته أول أمس القناة 13 طُرح سؤال كان يجب أن يثير الغثيان في ظروف عادية: حكومة مدعومة من العرب هل تُعتبر شرعية. "الفرح العظيم" أن نحو 44% قالوا إنها ستكون شرعية، في مقابل 33% قالوا إنها غير شرعية. يا له من جمهور ليبرالي. بقية الذين شاركوا في الاستطلاع كانوا كالعادة لا رأي لهم. لنفترض أن نصفهم سيقتنع بأن حكومة "مع العرب" ليست شرعية، وبذلك ستزول الفجوة بين "الليبراليين" و"الوطنيين".
- يمكننا أن نتصور الضجة التي كانت ستنشأ لو طُرح مثل هذا السؤال في الولايات المتحدة بشأن السود، وفي فرنسا بشأن الذين أصولهم مغربية، أو في بريطانيا بشأن اليهود. لكن السؤال شرعي في إسرائيل، لأنه يُعتبر قضية سياسية، وليست أخلاقية، نشأت في إطار حملات التحريض الأهوج والكريه ضد العرب التي قادها نتنياهو وعصابته في صراعهم ضد حزب أزرق أبيض الذي يُسمى حالياً "غانتس"، لكن الإصرار على طرد العرب من النسيج السياسي في إسرائيل نابع من وجهة نظر، ويشكل استمراراً مباشراً لقانون عنصري لا يقوم فقط ببلورة صورة دولة إسرائيل كدولة يهودية، بل أيضاً يعكس مواقف وآراء تجذرت طوال عقود في داخل الجمهور.
- عشرات السنوات التي كانت إسرائيل خلالها أسيرة حكم اليمين - الذي ازداد تطرفاً، ووصل إلى حدود المسيانية المعتوهة – أوجدت القالب الذي صبت في داخله الحكومة الهوية القومية اليهودية. لكن هذه الهوية لم تساعد حتى الآن في مساعي تحديد القاسم المشترك الضروري لأي مجتمع وطني. اليهودية التي كان يمكن أن تستخدم رزمة توحيدية فقدت أهميتها. اليهود في إسرائيل ينقسمون بين الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، وبين الذين يتهربون من الخدمة. بين حريديم وحريديم قوميين، بين صهيونيين متدينين وبين صهيونيين علمانيين، بين مستوطنين وبين مواطني الدولة، وبين "روس" و"أثيوبيين"، وبين يهود تل أبيب وباقي الدولة.
- أيضاً العدو الخارجي - أداة معروفة لبناء هوية قومية - لم ينجح في إلغاء الانقسامات الداخلية. القانون اليهودي في غلاف غزة ليس مثل القانون اليهودي في حيفا أو موديعين. حتى إيران التي تُعتبر تهديداً وجودياً للدولة لم تنجح في أن تؤدي إلى قيام حكومة وحدة وطنية.
- لكن في إسرائيل هناك معجزة. فهي تحتفظ برصيد قومي لا مثيل له من أجل إنشاء هوية قومية. أقلية عربية يبلغ حجمها نحو 20%، تمحو كل التصدعات، وتقفل كل زوايا الخلاف، وتولد أخوة غير مدركة بين خصوم سياسيين، وتحدد لكل مواطن يهودي درجة وطنيته. وكلما دخلت السياسة الإسرائيلية إلى منازل الحزبين الكبيرين، ونظراً إلى أنه لا يوجد فارق بين حزب أزرق أبيض وبين الليكود في مسائل أساسية، فإن الحزبين يربطان شرعيتهما بمدى ابتعادهما عن العدو الداخلي.
- هذا القاسم المشترك سيظل الأساس الذي تعتمد عليه أي حكومة مستقبلية، سواء كانت برئاسة الليكود أو أزرق أبيض. لا ضرورة بعد اليوم لتبرير لماذا لا يستطيع العرب أن يكونوا شركاء. هم مجبرون على البقاء خارج المنظومة، وأن يبقوا لوحاً مستهدفاً، "فبركة عدو"، لأنهم وحدهم قادرون على توحيد يهود إسرائيل.