معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
استضاف معهد أبحاث الأمن القومي، في مؤتمره الدولي السنوي الـ 13 (نهاية كانون الثاني/يناير 2020)، نخبة من الخبراء وصناع القرار في المستويين السياسي والعسكري من إسرائيل وخارجها وجرت مناقشات في أربعة أطر متعددة المواضيع: المنظومة الدولية، البيئة الإقليمية، تحديات إسرائيل الخارجية والأمنية ونظرة إلى داخل إسرائيل. وفيما يلي التبصرات المركزية الأولية مما جرى في مداولات المؤتمر.
صورة عامة
- تزداد الأخطار المحدقة بإسرائيل حيال محيط شرق أوسطي ضعيف وهش، تكثر فيه جبهات القتال وبؤر عدم الاستقرار، والتي ثمة روابط بينها: من الصعب تقييم العواقب غير المقصودة للعمل العسكري والسياسي؛ سيرورات التعلم والتحسين الدائمة لدى خصوم إسرائيل الذين يستخدمون تقنيات متطورة، متاحة ورخيصة التكلفة؛ صعوبة متزايدة في تقصي الواقع على حقيقته في عالم الروايات المتناقضة، وهو ما يمس بجودة صنع القرارات.
- عوامل مقررة قد تُحدث تحولات عميقة. رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ["أمان"]، الجنرال تامير هايمان، عرض ثلاثة سيناريوهات: (1) امتلاك إيران قدرات نووية؛ (2) تصدعات في المحور الشيعي في إثر اغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، بافتراض أن "ثمة بديلاً له، لكن ثمة شك فيما إذا كان له بديل". فلقد حول سليماني المحور الشيعي من منظومة تنظيمات إلى منظومة جيوش تحتاج إلى جهاز قيادي، وسيطرة وبنى تحتية إدارية. وسيجد خلفه صعوبة في صيانة وتطوير هذا المشروع المعقد؛ (3) "صفقة القرن" التي عرضها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، لحل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، تنطوي على احتمال خلخلة التوازنات الحالية في منظومة العلاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، وفي علاقات إسرائيل مع الدولتين اللتين عقدت معهما معاهدات سلام ـ الأردن ومصرـ وخصوصاً إذا ما رأت إسرائيل في مقترح ترامب شرعية لتقوم، من جانب واحد، بتطبيق القانون الإسرائيلي (الضم) على مناطق المستوطنات في الضفة الغربية، وعلى غور الأردن.
موازين القوى بين الدول العظمى
- تنافس على الهيمنة الدولية: رأى مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، الجنرال هـربرت مكماستر، أن الصين ستواصل الدمج ما بين العدوانية الاقتصادية والتجسس الدولي، وخصوصاً التكنولوجي، سعياً للسيطرة على الاقتصاد العالمي. وفي هذا الإطار، ستحاول الاستيلاء على ثروات استراتيجية، مثل الموانئ في إسرائيل، وفي ظل غياب منافسة مضادة من طرف الولايات المتحدة وأوروبا، ستصبح الصين أكثر عدائية. وفيما يتعلق بطرق العمل التي على الغرب انتهاجها حيال هذا التهديد، قال مكماستر: "يجب تحويل ما تعتبره الصين ضعفنا الأكبر - الديمقراطية، سلطة القانون، الصحافة الحرة وحرية التعبير - إلى قوة. وإذا لم تصطدم الولايات المتحدة بالصين في جملة من القضايا، فلن يردعها [الصين] شيء عن توسيع نشاطها وتأثيرها الدوليين."
- لا تزال الولايات المتحدة، حتى الآن، القوة الاقتصادية والعسكرية الأكبر، غير أن توجه الرئيس ترامب - "أميركا أولاً" - يقصيها عن تحالفات وأطر تعاون دولية. وبحسب ما يقول المحافظ السابق للبنك المركزي في إسرائيل ["بنك إسرائيل"] ستانلي فيشر، فإن هذا التوجه يُضعف، أيضاً، منظومة التجارة العالمية ويهدد بخطر ركود اقتصادي عالمي خلال العقد القريب. وعلاوة على ذلك، فإن تخلي الولايات المتحدة عن مكانة القوة المهيمنة عالمياً قد يؤدي إلى ضياع وفقدان منظومات الضبط والرقابة على انتشار السلاح النووي.
- مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط متغيرة: يرى الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأميركية، أن الولايات المتحدة أصبحت الآن أقل تعلقاً بموارد المنطقة، مقارنة بالسابق. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة مطالَبة بالتدخل في الشرق الأوسط على خلفية المنافسة مع روسيا والصين على التأثير الإقليمي، وحيال التحدي السلفي - الجهادي الذي يبحث عن فرص محلية لإعادة بناء نفسه من جديد. وفي أعقاب اغتيال قاسم سليماني، ازدادت دافعية الولايات المتحدة للاستمرار في ممارسة الضغط الاقتصادي والعسكري على النظام الإيراني.
- ثمة صعوبة في بناء تحالف شرق أوسطي ضد المحور الشيعي. ترى واشنطن أن عدد الشركاء الذين يمكنها الاعتماد عليهم قليل. بقيت إسرائيل الحليف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه، وهو ما يعني إلقاء مسؤولية جسيمة عليها في حال قررت الإدارة سحب القوات الأميركية من سورية والعراق، إذ ربما تضطر إسرائيل عندئذ إلى خوض القتال من أجل المصالح الأميركية.
"صفقة القرن"
- في أعقاب نشر خطة ترامب للتسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية (بالتزامن مع افتتاح مؤتمر "معهد الأمن القومي")، جرى تحليل ثلاثة سيناريوهات مركزية:
- التفحص والإرجاء - في ضوء رفض الفلسطينيين الخطة، ستوافق عليها إسرائيل بالمستوى المبدئي، لكنها ستقرر عدم اتخاذ أي خطوات دراماتيكية حتى انتهاء الانتخابات العامة للكنيست (في آذار/مارس 2020)، كما ستعلن أنها ستدعو السلطة الفلسطينية إلى مناقشة تطبيق الخطوات المشمولة فيها عقب الانتخابات.
- البدء بتطبيق تدريجي وترك الباب مفتوحاً أمام المفاوضات ـ ستوافق إسرائيل على الخطة على أساس اعتبارها فرصة لتصميم استراتيجي مُحسَّن. ومع ذلك، ستبدي اهتماماً بالتعاون من طرف السلطة الفلسطينية وتحاول تجنيدها إلى عملية تقود إلى التسوية. وإذا ما رفضت السلطة، فلن تنتظر إسرائيل بل ستبدأ بتنفيذ خطوات لتطبيق الخطة، وـمرة أُخرى - مع إبقاء الباب مفتوحاً لانضمام السلطة الفلسطينية في وقت لاحق. الخطوات الأولى قد تشمل تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، لكن من دون تغيير الواقع اليومي في المنطقة.
- ضم من جانب واحد ـ ستوافق إسرائيل على الخطة مع استغلال رفضها من جانب الفلسطينيين، باعتبارها فرصة لتصميم المنطقة بحسب شروطها. في هذا الإطار، سيتم فرض القانون الإسرائيلي دفعة واحدة على منطقة غور الأردن وعلى المستوطنات (بحسب الترسيم الوارد في الخطة)، مع الاستعداد لتحمّل ما لهذا الإجراء من انعكاسات سلبية على الساحة الفلسطينية وعلاقة إسرائيل بالفلسطينيين، كما على علاقاتها في الحلبة الإقليمية - وخصوصاً في الجبهة الشمالية - وفي الحلبة الدولية.
- خلال المؤتمر، جرى تحليل إسقاطات "صفقة القرن" واستُخلصت التبصرات التالية:
- فيما يتعلق بالسيناريوهات الثلاثة، لن تقوم دولة فلسطينية خلال فترة خمس سنوات من الآن، كما يرى الخبراء الذين شاركوا في المؤتمر. أي لن ينشأ واقع دولتين لشعبين. وإضافة إلى ذلك، في ظل غياب الوحدة الفلسطينية وعلامات تفكك المجتمع الفلسطيني من الداخل، من المحتمل أن تصل السلطة الفلسطينية إلى حالة من الانهيار في نهاية حقبة رئيسها الحالي، محمود عباس (أبو مازن). ولم يجد المتحدثون ما يدل على إمكان تحقق مصالحة فلسطينية ووحدة داخلية فلسطينية، ولا حتى كردة فعل على تطبيق إسرائيلي تدريجي لخطة ترامب.
- هذه الخطة لا تتيح إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة وهي، من ناحية فعلية، تقسم الكيان الفلسطيني الذي سيكون محبوساً في داخل إسرائيل، إلى ستة كانتونات منفصلة، بحيث تبقى إسرائيل مسيطرة على المداخل والمخارج، وعلى محاور الحركة والمواصلات ومعابر السلطة الفلسطينية. وعليه، فقد جرى التشديد على الخشية من أن إجراءات الضم الإسرائيلية الأحادية الجانب على نحو واسع (غور الأردن وكل المستوطنات) من شأنها تسريع تفكك السلطة الفلسطينية و"إعادة المفاتيح" إلى يدي إسرائيل.
- معنى هذا أنه سيكون على إسرائيل بسط سيطرتها على المنطقة وأن تتحمل، ضمن ذلك، المسؤولية عن رفاهية وجميع حاجات نحو مليونين ونصف المليون فلسطيني، من دون أي مساعدة اقتصادية خارجية. وهذا قد يقود إلى تحقق واقع الدولة الواحدة التي تنسجم إلى حد كبير مع رغبة قطاع واسع جداً من شريحة الشباب الفلسطيني التي تعتقد أن زمن الكفاح المسلح من أجل استقلال فلسطيني بجانب دولة إسرائيل قد ولى، ولذا يجب السعي نحو وضع دولة واحدة تسود فيها مساواة في الحقوق لجميع مواطنيها.
- عدم القدرة على تطبيق الخطة من خلال اتفاق والخطوات الإسرائيلية الأحادية الجانب التي ستغلق الباب أمام حل الدولتين بصورة نهائية، سيؤديان إلى إبعاد الإدارة الأميركية - جمهورية كانت أم ديمقراطية، سواء بسواء - وكذلك المجتمع الدولي برمته عن محاولة الدفع نحو حل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وستترك إسرائيل وحدها تواجه المسألة الفلسطينية. استمراراً لهذا السيناريو، طُرح تقدير بأن الإدارة الديمقراطية (في الولايات المتحدة) بالذات قد تلجأ إلى إجبار إسرائيل على منح جميع السكان بين نهر الأردن والبحر المتوسط مساواة كاملة في الحقوق. وسيكون معنى هذا انتهاء الحلم الصهيوني بدولة يهودية.
- مؤيدو إجراءات الضم يفضلون الضم بحكم الواقع (دي فَكتو) على أن يكون بحكم القانون (دي يوري). مع ذلك، ينقل نشر الخطة مركز الثقل من الضم الزاحف والهادئ إلى الضم التصريحي والفعلي. ولكن قبل اتخاذ القرار بضم المنطقة المختلَف عليها، يجب الأخذ في الاعتبار أن عملية الضم تشمل، أيضاً وبالتوازي والتزامن، ضم مشاعر الكراهية، الغضب والنقمة. ومن هنا، فإن الضم بغير اتفاق من شأنه أن يقود إلى دوامة من العنف وعدم الاستقرار المتواصلين.
- صحيح أن الأردن يفضل الوجود العسكري الإسرائيلي في غور الأردن، كجزء من الترتيبات الأمنية في إطار أي تسوية إسرائيلية ـ فلسطينية، لكنه يرفض الضم السياسي للأغوار من جانب إسرائيل، والذي يعني في منظوره تكريس الفكرة التي تعتبر المملكة وطناً فلسطينياً بديلاً وزعزعة لأسسها، أي: انتفاء خيار الدولة الفلسطينية المستقلة، فعلياً ونهائياً.
- من الضروري الحفاظ على خيار الدولتين، بأي وسيلة، وإبقاؤه، كأفق أمام الفلسطينيين في حال اقتناعهم مستقبلاً بتبني مبادئ خطة ترامب كأساس للتسوية مع إسرائيل؛ كداعم لشرعية دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية في مقابل الحلبتين الدولية والإقليمية؛ كدعامة تسند علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة كذلك في حال جلوس رئيس ديمقراطي في البيت الأبيض؛ كواقٍ من محاولات إرغام إسرائيل على قبول حل الدولة الواحدة إذا ما نشأ في الميدان واقع الدولة الواحدة. ويجب التأكيد أن خيار الدولتين هو الأفضل في نظر الجمهور اليهودي في إسرائيل - 55%؛ ونحو 70% يؤيدون الانفصال عن الفلسطينيين.
الحلبة الشمالية
- جرى خلال المؤتمر تنظيم لعبة حرب على الجبهة الشمالية، اتضح خلالها أن جميع اللاعبين معنيون بتجنب الحرب. تطور السيناريو من ردة فعل على عملية إسرائيلية في إطار المعركة الدائرة بين حربين ضد التمركز العسكري الإيراني في سورية وضد مشروع تحسين الصواريخ ورفع درجة دقتها، بالتزامن مع نشاط ميليشيات عراقية محلية موالية لإيران ضد القوات الأميركية في العراق. وتبين أيضاً أنه بفضل قوى كابحة - إضافة إلى خشية جميع اللاعبين من الحرب، الحضور الروسي والأميركي المؤثرين في المنطقة - بقيت الفرصة مهيأة للمعركة بين حربين بغية لجم بناء ماكينة الحرب الإيرانية وصدّها.
- تطمح إيران إلى إبعاد خطر الحرب عن حدودها وتفضل وقوع الضربات على الوكلاء الشيعة غير الإيرانيين، لا على قواتها. ساحة التصعيد المفضلة في مقابل إسرائيل، من ناحيتها، هي الحيز السوري الذي ليس فيه اليوم رأي عام ثائر ضدها، والخسائر المتوقعة لها جرّاء التصعيد، تضرر الأسلحة والوكلاء، يمكن تحمّلها واستيعابها. وستبذل إيران كل ما في وسعها كي تتجنب التورط في حرب مع الولايات المتحدة، كما ستواصل تفعيل وكلائها في العراق لضرب القوات الأميركية بغية تسريع تحقيق نية الرئيس ترامب سحب الجيش الأميركي من العراق وسورية.
- إسرائيل تعتبر سورية الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للتضرر في المحور الشيعي. لكن التهديد المركزي الذي يواجه إسرائيل يأتي من لبنان، من القدرات العسكرية التي يمتلكها حزب الله (آلاف عديدة من الصواريخ، بعضها دقيق، قذائف، طائرات مسيّرة هجومية وقوات كوماندوز تستطيع اختراق الحدود). ولهذا، يشكل لبنان، بالنسبة إلى إسرائيل، جبهة التهديد المركزية ومن المقدّر أن إسرائيل ستستغل حالة التصعيد لتوجيه ضربة قاسية إلى حزب الله - قدراته العسكرية وبناه التحتية الداعمة للقتال. أفضلية العملية على الجبهة اللبنانية تنبع، أيضاً، من كون حزب الله الوكيل الإيراني الأساسي ولبنان الدولة الأكثر تعرضاً للتأثير الإيراني. أمّا ضرب سورية نفسها فقد يشكل آلية لإنهاء معركة في الجبهة الشمالية، لأن التقديرات تشير إلى أن سورية ستلقي بكل ثقلها من أجل إنهاء القتال بصورة سريعة بغية المحافظة على نظام الأسد وتقليل الأضرار عليها إلى الحد الأدنى.
- حزب الله غير معني بالحرب في هذه الفترة. إيران أيضاً، ولي أمر هذا التنظيم، معنية بالاستمرار في صيانة وحفظ قدرات التنظيم ليوم الحسم - الصراع على قدراتها النووية. لهذا، من المتوقع أن تقود إيران سيناريو التصعيد المضبوط الذي سينتهي بتعزيز صورة حزب الله الردعية واعتبار حسن نصر الله وريثاً لقاسم سليماني. وسيختار حزب الله خطوة/خطوات تستطيع إسرائيل تحملها واحتواءها ـ مهاجمة أهداف عسكرية فقط في عمق المناطق الإسرائيلية يسعى من خلالها لقول الكلمة الأخيرة: رسالة فحواها أن أي عمل عسكري إسرائيلي سيقابَل بردة فعل بالضرورة.
- الولايات المتحدة لا تريد الحرب، لكنها لا تهرب منها أيضاً. لذلك، من المتوقع أن يكون ردها قاسياً على أي عمل تقوم به الميليشيات العراقية ضد جنودها وأن تقدم دعماً مطلقاً لإسرائيل، على الرغم من أنها قد تمنع الجيش الإسرائيلي من العمل في داخل الأراضي العراقية. كذلك، من المتوقع أن تبذل الولايات المتحدة قصارى جهدها من أجل إبقاء إيران خارج دائرة الحرب، لأنها غير معنية بمواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، تخوفاً من إسقاطات مثل هذه المواجهة وانعكاساتها على الدول الصديقة لها في الخليج الفارسي.
- سوف تجني روسيا القدر الأكبر من الأرباح المتأتية من التصعيد المحسوب، بفضل مكانتها كوسيط بين الأطراف المتنازعة. ومع ذلك، من المفترض أن تخسر روسيا كثيراً جرّاء حرب تدور رحاها على الحلبة السورية، وخصوصاً حيال الخطر الجدي الذي قد ينشأ على نظام الأسد بسبب ذلك.
- الوضع في سورية: خلافاً للفكرة السائدة، لم تنته الحرب بعد. يستمر التراجع في قوة أجهزة الدولة السورية وتماسكها، وليس ثمة قوة مركزية قادرة على فرض القانون والنظام والأمن الداخلي والاستقرار؛ يبدو، ظاهرياً، أن نظام الأسد قد استعاد سيطرته على نحو 70% من المناطق السورية، لكن الخدمات الأساسية معدومة في مختلف أنحاء الدولة، وخصوصاً الكهرباء والغاز؛ تعرّض اقتصاد الدولة للانهيار وليس ثمة من يستطيع ترميمه وإصلاحه؛ اتفاقيات الاستسلام التي تم التوصل إليها مع الثوار والتسويات التي بلورتها روسيا - تلاشت؛ العناصر الجهادية ترمم نفسها وتعود إلى تنفيذ أعمال إرهابية؛ روسيا تطمح إلى إرساء نموذج تحكم مركزي، بينما تبني إيران وتفعّل ميليشيات مناطقية ومحلية أقوى من الجيش السوري، يتمتع المقاتلون في صفوفها بشروط محسنة أفضل بكثير من تلك التي يمنحها الجيش لمقاتليه.
- ستواصل إيران اعتماد سياسة عدوانية للحفاظ على تأثيرها الإقليمي الذي حققته خلال السنوات الخمس الأخيرة، كأساس، وكذلك للرد على الضغط المكثف الذي تمارسه عليها الولايات المتحدة، والذي تعتبر طهران أنه يستهدف إسقاط النظام. بالنسبة إلى إيران، ترك اغتيال قاسم سليماني حساباً مفتوحاً بينها وبين الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يكون ردها مركّزاً في محاولة لتنغيص حياة القوات الأميركية الموجودة في العراق والدفع نحو إجلائها ـ وهو السلوك الذي يدفع بالرئيس ترامب، حتى الآن، إلى تأجيل خروج هذه القوات، بالذات.
- آلية العقوبات كأداة استراتيجية مجدية. لدى فحص مفهوم الضغط الأقصى على إيران، وبصورة خاصة فاعلية العقوبات الأميركية على طهران لإبعادها عن تحقيق قدرات نووية وامتلاك سلاح نووي، يبدو أن ما يحدث هو العكس. فالعقوبات تسبب أزمة اقتصادية حادة وتخلق حالة من اليأس العام في إيران، لكنها ليست كافية لإرغامها على التصرف كـ"دولة طبيعية". مساعد وزير الخارجية الأميركي للتهديدات المالية والعقوبات، ديفيد فايمان، أوضح: "نحن الآن في درجة الضغط القصوى على إيران وفي سنة 2020 سننتقل إلى الضغط ما فوق الحد الأقصى. الهدف من العقوبات هو منع المداخيل عن النظام، والتي يمكنه بواسطتها تنفيذ أعمال تآمرية في المنطقة. والضغط يهدف إلى وضع القادة الإيرانيين أمام أحد خيارين: إمّا وقف كل الأعمال العدوانية وإمّا انهيار الاقتصاد". وأضاف فايمان أن العقوبات فعالة جداً: إيران معزولة واقتصادها قد تقلص بأكثر من 9%. وفي إثر هذا كله، تم تقليص ميزانية الميليشيات الشيعية في العراق، وطرأ انخفاض حاد في تدفق الأموال إلى تنظيمات إرهابية في أنحاء العالم وأصبحت منظمات مثل حزب الله تبحث عن مصادر دخل أُخرى بديلة. وفي نظرة إلى المستقبل، قال فايمان إن الولايات المتحدة لن تتخلى عن العقوبات حتى تتصرف إيران مثل دولة عادية في المنظومة الدولية.
- السجال في العالم العربي: في إطار المؤتمر، عُرض حوار يجريه معهد أبحاث الأمن القومي مع المحيط العربي بواسطة نشر نتاجات بحثية متعددة على الشبكات الاجتماعية. وتحظى هذه المنشورات باطلاع نحو مليون إنسان عليها وبردود وتعقيبات آلاف منهم. هذه المعطيات تشير إلى أن الجمهور العربي يعيش في فضاء مفتوح على المعلومات والتبصرات، راغب في الاستماع إلى رأي من إسرائيل والانكشاف على وجهة نظر مغايرة. الشباب، بوجه خاص، في العالم العربي متشوقون إلى معلومات مختلفة عن تلك التي تزودهم بها وسائل الإعلام والأنظمة في دولهم. وقد تبين من نتائج استطلاع للرأي العام في العالم العربي أجراه المعهد بواسطة الشبكات الاجتماعية أن الجمهور العربي يرى أن العامل الأكثر سلبية في الشرق الأوسط هو إيران، أكثر بضعفين من الذين يعتبرون إسرائيل العامل الأكثر سلبية. أغلبية الذين شملهم الاستطلاع رأت أن احتمال نشوب حرب بين إسرائيل وإيران ضئيل، لكن إذا ما نشبت حرب كهذه فإن الثلث ـ كما قالوا ـ سيؤيدون إسرائيل، بينما قال أقل من الثلث إنهم سيدعمون إيران. القضايا التي تؤرق الجمهور في العالم العربي هي: الفساد، أولاً، ثم البطالة وغياب الحوكمة.
- والخلاصة هي أن وضع إسرائيل الاستراتيجي أفضل مقارنة بحالة الضعف والهشاشة التي تميز محيطها الإقليمي. خصوم إيران وأعداؤها، وخصوصاً إيران ومن يدور في فلكها، غير معنيين بمواجهة تقودهم إلى حرب مع إسرائيل ويخشون تدخل الولايات المتحدة في القتال إلى جانب إسرائيل. مجال العمل المتاح أمام إسرائيل، في المعركة بين حربين، ما زال مفتوحاً. لهذا، من الصواب أن تواصل إسرائيل جهودها الرامية إلى تأجيل وتشويش بناء ماكينة الحرب الإيرانية المطورة في الجبهة الشمالية. ومع ذلك، عليها الأخذ في الحسبان ضعف خصومها، والامتناع من استغلال الفرض العملانية من دون النظر المعمق في انعكاساتها وإسقاطاتها الاستراتيجية. وفي البُعد السياسي، من شأن استغلال ما يبدو أنه فرصة لجني أرباح فورية، وخصوصاً ضم أراض في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، أن يصعّب إمكان الانفصال المستقبلي، سياسياً وجغرافياً وديموغرافياً، عن الفلسطينيين، بما يفتح الباب أمام تسرب أسباب الضعف الفلسطيني والإقليمي إلى داخل إسرائيل، الأمر الذي سيسبب تآكلاً في قوتها.