حان وقت العمل يا أوروبا وعدم الاكتفاء ببيانات الشجب الجوفاء
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- تورطت أوروبا. وزير الخارجية الجديد في الاتحاد الأوروبي أصبح منتهياً. كل ما تجرأ عليه جوزيف بوريل هو تحذير إسرائيل من مغبة ضم مناطق [محتلة]، فانفتحت عليه أبواب جهنم صوت صهيون في الشتات. المتحدث بلسان وزارة الخارجية الإسرائيلية قال إن الوزير تحدث "بعد ساعات قليلة من لقاءات في إيران"، كأنه قصد الإيحاء بأن الوزير هو مجرد عميل إيراني، ثم هدد أوروبا بأكبر التهديدات: "إن اختيار هذا السلوك هو الطريق الأفضل لضمان خفض دور الاتحاد الأوروبي في أي عملية سياسية إلى الحد الأدنى".
- إسرائيل ستصنع السلام من دونها غداً صباحاً. [صحيفة] "يسرائيل هيوم" سارعت أيضاً إلى التجند، طبعاً، في خدمة الدعاية، فذكّرت الوزير الإسباني بأنه كان متطوعاً في كيبوتس "غالئون" قبل 50 سنة - "من المثير كيف كان تأثير ذلك فيه" - واقترحت الإعلان أنه شخصية غير مرغوب فيها. انتهت مسيرة بوريل الدبلوماسية. هذا ما يحدث لشخص يجرؤ على معارضة الدوس الإسرائيلي الوقح على القانون الدولي.
- لكن الهجوم التهديدي على بوريل - نهج مميز للدبلوماسية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة يتجسد في شن هجوم أرعن على كل من يجرؤ على الهمس بنقدٍ ما لها - هو هجوم على نمر من ورق. فإسرائيل، البطلة على الضعفاء، تدرك جيداً كم أن الاتحاد الأوروبي هو مجرد فأر صغير يزأر واعتادت تجاهله. "لدينا مشكلة في مكان واحد في العالم فقط"، قال بنيامين نتنياهو ذات مرة، خلال لقاء مغلق، بينما خريطة العالم خلفه، وهو يشير إلى الجزء الغربي من أوروبا، ويعبر عن استهزاء عميق. إنه يقدر [على فعل ما يريده] من دونها. وكل العالم، سواها، في جيبه.
- كان نتنياهو على حق. الاتحاد الأوروبي هو نمر من ورق، حقاً، في مقابل إسرائيل، بسبب بنيته التي تشله، بسبب الموجة اليمينية المتطرفة التي تجتاح الدول الأعضاء فيه، وبسبب إذعانه لعمليات الابتزاز العاطفي التي تمارسها إسرائيل واللوبي اليهودي عليه. هذه هي الحال بعد سنوات من محاولة كسب ود إسرائيل بالتملق، بالمعونات، بالتفهم، بمشاعر الذنب وبالخوف منها، بضمها إلى مسابقة "اليوروفيجن"، وإلى بطولة كأس الأمم الأوروبية. هذه هي الحال بعد الاكتفاء ببيانات الشجب الجوفاء وعدم التفكير حتى في اتخاذ أي إجراءات جدية.
- بوريل حطم القواعد والأحكام وأرسل تهديداً مائعاً بالقول إن الضم لن يمر بصمت. لكن الضم سيمر بصمت. صمت أوروبي مدوٍّ. اتكِلوا على الدول الصديقة للاحتلال في الاتحاد، منارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، هنغاريا، رومانيا، سلوفاكيا، تشيكيا. اتكِلوا على الشعور بالذنب لدى ألمانيا، على الكراهية تجاه المسلمين، على الضغط الذي ستمارسه الولايات المتحدة.
- لقد نجح اللوبي الإسرائيلي - اليهودي في شلّ أوروبا بواسطة تجريم أي معارضة للاحتلال وإقامة المساواة التامة بينها وبين معاداة السامية. وقد أذعنت أوروبا لهذه المناورة الخداعية. وستخضع الآن أيضاً أمام برنامج الضم الذي عرضه دونالد ترامب. شجب آخر أو اثنان، وسيعود كل شيء إلى طبيعته وروتينه؛ الروتين الذي فيه إسرائيل هي الولد المدلل المسموح له بكل شيء؛ تدمير تجهيزات وبنايات موّل الاتحاد الأوروبي بناءها بملايين اليوروهات، تجاهُل قرارات الاتحاد. والعقوبات على روسيا الضعيفة فقط التي تغزو جزيرة القرم، وليس على الدولة العظمى التي غزت الضفة الغربية واحتلتها إلى الأبد، ولم تنل أي عقوبات على ذلك، إطلاقاً.
- إذا كانت أوروبا ترغب في التأثير حقاً، فعليها التحرر من التفكير في أن ثمة جدوى من التحدث مع إسرائيل بلطف، وبمحاولات إقناع. لقد جربت أوروبا هذا على مدى عشرات السنوات، من دون أي فائدة. حان وقت العمل، يا أوروبا. إمّا العقوبات وإمّا تأييد الضم. ولكن، ليس استمرار هذه البيانات الاسترضائية والعديمة القيمة. حان الوقت لأن تمعن أوروبا النظر وتحدق في الواقع: حل الدولتين انتهى. عليها أن تسأل سفراءها في رام الله، كيف تبدو الضفة الغربية وما هي إمكانيات إجلاء مئات آلاف المستوطنين الذين استولوا عليها، منها. إذا كانت أوروبا ترغب في التأثير، عليها تبنّي خطاب جديد وثوري، خطاب حقوق متساوية للجميع. أمّا مواصلة ترديد عبارة "دولتين لشعبين" والذعر من تهديدات إسرائيل، فسيضمنان شيئاً واحداً فقط: انتصار الأبارتهايد. وستكون أوروبا شريكة كاملة فيه.