حروب النفط والغاز الجديدة في الشرق الأوسط
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
المؤلف
  • في العقد الحالي الذي سينتهي بعد بضعة أيام، كان يبدو أن نفط الشرق الأوسط لم يعد حيوياً جداً بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي. فقد أصبحت الولايات المتحدة مستقلة من ناحية الطاقة (في أعقاب ازدياد استغلال حقول النفط الكبيرة في آلاسكا، واكتشاف أساليب جديدة لاستخراج النفط)، روسيا انضمت إلى قائمة الدول العظمى المنتجة للنفط، وازداد استخدامها للطاقة المتجددة. كل ذلك أدى إلى انخفاض حاد في أسعار النفط والغاز في السوق العالمية وأيضاً، إلى تراجع أهمية النفط المستخرَج في الخليج الفارسي بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي.
  • هذا هو سبب عدم تضرُّر الدول الآسيوية الكبيرة المستهلكة للنفط التي اشترت النفط من إيران بصورة كبيرة، عندما فرض ترامب عقوبات شديدة على تصدير النفط الإيراني، بعد انسحابه من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018. تصدير النفط الإيراني الذي بلغ 2,4 مليون برميل يومياً قبل أيار/مايو 2018، انخفض الآن إلى 500 ألف برميل في اليوم. وعلى الرغم من أن إيران تنتج نحو 5% من إنتاج النفط العالمي، فإن الانخفاض في أسعار النفط في السوق العالمية مستمر، ويتراوح بين 40 و60 دولاراً في المتوسط للبرميل.
  • بالإضافة إلى ذلك، أيضاً عندما بدأت إيران بمهاجمة الناقلات التي تشحن النفط من دول الخليج العربية، وعندما أوقفت نصف قدرة إنتاج النفط في السعودية بهجوم بصواريخ بحرية وطائرات من دون طيار، لم تتأثر سوق النفط العالمية فعلياً، ولا يزال النفط المعروض في هذه السوق أكبر من الطلب. لذلك لم تتأثر إدارة ترامب كثيراً بالاستفزازات الإيرانية والتهديدات للإمدادات بالنفط من الخليج الفارسي. أيضاً يدرك الاتحاد الأوروبي أن عليه ألّا يشعر بالهلع من التهديدات الإيرانية، لأنه سيكون لديه ما يكفي من النفط والغاز من روسيا وليبيا للتدفئة في الشتاء البارد. الوحيدون الذين تضرروا جرّاء العقوبات الأميركية على تصدير النفط الإيراني، هم مواطنو إيران الذين تزداد ضائقتهم الاقتصادية، وهم مضطرون إلى دفع مزيد من المال لشراء الوقود الذي اعتادوا شراءه بالمجان تقريباً.
  • على هذه الخلفية، مفاجِئةٌ الظاهرة التي نشهدها في هذه الأيام: حرب نفط وغاز تدور، تقريباً، بين كل اللاعبين الإقليميين في ثلاث ساحات. الساحة الجديدة والأكثر سخونة، هي الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. اكتشاف حقول ضخمة للغاز مقابل سواحل إسرائيل، ولبنان، وقبرص، ومصر، أدى إلى نشوء معسكرين متخاصمين: من جهة، المعسكر الذي يضم إسرائيل وقبرص اليونانية ومصر واليونان، والتي عقدت اتفاقات فيما بينها على تقاسم "المياه الاقتصادية" التي تحتوي على حقول الغاز الطبيعي. إسرائيل وقبرص ومصر لم توقع فيما بينها اتفاقاً على تقاسم المياه الاقتصادية فقط، بل أيضاً بدأت بتنفيذ مبادرة مشتركة لمدّ أنبوب غاز يربط حقولها الغازية بأوروبا، بواسطة أنبوب تحت الماء يصل إلى اليونان، ومن هناك إلى مختلف أنحاء أوروبا. في المعسكر المواجه هناك تركيا، وقبرص التركية التي تعمل برعاية تركيا وليبيا - وللدقة، برعاية نصف الدولة الليبية التي تسيطر عليها طرابلس (الحكومة الثانية موجودة في بنغازي، وتسيطر على معظم الأراضي الليبية، وهي مدعومة من أوروبا وروسيا ومصر واتحاد الإمارات).
  • تدّعي تركيا أنه ليس لديها حقوق في المياه الاقتصادية القبرصية فحسب، بل لديها أيضاً سيطرة على المياه الاقتصادية بين شواطىء تركيا وليبيا. وهي تصر على أنها لن توافق على مرور الأنبوب تحت الماء في هذه المنطقة، الذي يمده الائتلاف الإسرائيلي – القبرصي – اليوناني -المصري، وسينقل الغاز من الحقول الموجودة تحت الماء في هذه الدول إلى شواطىء اليونان، ومن هناك إلى أوروبا. بكلام آخر، تهدد تركيا وحكومة طرابلس بمنع وصول الغاز من حقول ليفثان وكاريش، وأيضاً الغاز القبرصي والمصري، إلى أوروبا. وبطريقة غير رسمية، لمّحت تركيا إلى أنه إذا مد الائتلاف الإسرائيلي – القبرصي - المصري أنبوب الغاز إلى أوروبا، عبر الأراضي التركية، فإنها ستدرس الموضوع بجدية. الهدف التركي واضح- هو أن تركيا تريد أن تربح هي من الأنبوب وليس اليونان، التي هي أيضاً عضو في حلف شمال الأطلسي. تركيا معنية بأن تكون هي المسيطرة على حنفية الغاز إلى أوروبا، ومن المحتمل أن تغلقها إذا شاءت ذلك.
  • لكن هذا ليس كل شيء. تركيا التي احتلت شمال قبرص وأقامت فيها دولة لم يعترف بها أحد في العالم، باستثناء تركيا نفسها، تدّعي أن الغاز الموجود في مياه البحر ويحيط بقبرص هو ملك لها بصورة لا تقل عن ملكية قبرص اليونانية له. تركيا تسمي قبرص اليونانية "قبرص الجنوبية"، كما تسمي الدولة التي أقامتها في قبرص بعد احتلالها لها "قبرص الشمالية". يقول أردوغان إن لقبرص الشمالية وتركيا حقوقاً في حقول النفط القبرصي لا تقل عن حقوق قبرص الجنوبية.
  • بالإضافة إلى ذلك، يدّعي أردوغان أن تركيا تملك حقول الغاز الموجودة في مجال الجرف القاري المتاخم للسواحل التركية. ومن أجل احتفاء طابع رسمي على مطالبها، أعلنت تركيا أيضاً أنها تنوي إرسال جيشها لمساعدة الحكومة الليبية الموجودة في طرابلس. الحكومة الثانية الموجودة في بنغازي برئاسة الجنرال خليفة حفتر مدعومة من روسيا ومن دول أُخرى أرسلت إليها مساعدة عسكرية. روسيا أيضاً أرسلت مرتزقة من عندها للقتال إلى جانب الجنرال حفتر والقبائل المؤيدة له، الذين يحاصرون طرابلس الآن من الجنوب. في هذه الحرب الدائرة في ليبيا، يتدخل العديد من المهتمين الذين يريدون السيطرة على النفط الليبي، وهم يرسلون إلى المعركة أفضل العتاد العسكري الحديث، بما فيه طائرات من دون طيار متطورة، حوامات، وصواريخ بحرية ووحدات كوماندوس.

نصر الله يهدد

  • إذا عدنا إلى الشرق الأوسط، نلاحظ وجود نزاع على حقول الغاز، يدور بين لبنان وإسرائيل. هذا النزاع هو بشأن حدود المياه الاقتصادية لكل من لبنان وإسرائيل. هذه الحدود يحددها القانون الدولي، عبر خط يدخل في عمق البحر بصورة عمودية مع خط الساحل. خط الحدود في شمال إسرائيل والجنوب اللبناني هو خط متعرج، ويدّعي اللبنانيون أن جزءاً لا بأس به من المياه الاقتصادية التي يوجد فيها حقل لفيثان الإسرائيلي، وحقل أفروديت القبرصي هو ملك لهم.
  • الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله هدد بأنه لن يتردد في اتخاذ التدابير إذا سرقت إسرائيل الغاز الموجود تحت المياه اللبنانية. تأخذ إسرائيل هذه التهديدات بمنتهى الجدية، مع معرفتها الواضحة أن الحزب يملك صواريخ بر - بحر إيرانية، وربما أيضاً صواريخ من إنتاج روسيا، قادرة على ضرب منصات الغاز والحفر في لفيثان، وكاريش، وربما تمار. لذلك استدعت إسرائيل أربع سفن كبيرة، هدفها الأساسي هو الدفاع عن حوض منصات الغاز الإسرائيلية في مواجهة هجمات من البحر والجو.
  • تحاول الولايات المتحدة التوسط بين إسرائيل ولبنان بشأن المياه الاقتصادية، لكن من دون تحقيق نتائج حتى الآن. في شرق البحر المتوسط، نشأت نقاط ساخنة يمكن أن تشتعل في زمن غير بعيد: الأولى، المياه الاقتصادية حول قبرص، والتي تدّعي تركيا أنها تملك جزءاً منها على الأقل؛ الثانية، القطاع الموجود بين تركيا وشواطىء ليبيا الذي يمكن أن يمر فيه أنبوب الغاز تحت المياه، من إسرائيل وقبرص اليونانية ومصر إلى أوروبا؛ والثالثة، هي النزاع بين إسرائيل ولبنان على حدود المياه الاقتصادية.
  • هذا ليس كل شيء: سورية التي تحاول أن تنقذ نفسها من الحرب الأهلية التي لا تزال مستمرة، تعاني جرّاء نقص خطير في النفط، على الرغم من أن سورية نفسها منتجة للنفط، وكانت تصدّره قبل سنة 2011، عندما نشبت الحرب الأهلية. كانت سورية تنتج في ذلك الحين 350 ألف برميل نفط من نوعية جيدة. خلال الحرب الأهلية، انخفض الإنتاج إلى بضع عشرات الآلاف من البراميل في اليوم. وهذا هو سبب انقطاع الكهرباء ساعات كثيرة يومياً.
  • ما يعقّد الموضوع أن معظم حقول النفط الكبيرة في سورية موجود في شمال شرق سورية، على امتداد وادي الفرات، وفي الصحراء التي تحيط به. هذه المنطقة وقعت، سنوات طويلة، تحت سيطرة تنظيم داعش الذي استخرج النفط من الآبار السورية وباعه لتركيا، وأيضاً في الأساس، باعه للنظام السوري الذي سرق منه آبار النفط. كان بشار الأسد بحاجة للنفط، وبسبب العقوبات التي فرضتها عليه الولايات المتحدة والأمم المتحدة لم يكن يستطيع شراء النفط من السوق العالمية، باستثناء نفط كان يحصل عليه بواسطة ناقلات نفط من إيران. لذلك اضطر إلى شراء النفط من داعش.

في نهاية سنة 2017 وفي سنة 2018، وبعد طرد داعش من المنطقة، لم تُحَل المشكلة بالنسبة إلى النظام في دمشق. المقاتلون الأكراد الذين عملوا بالتعاون مع الجنود الأميركيين هم الذين طردوا داعش من دير الزور والحسكة والرقة، وسيطروا على حقول الغاز في تلك المناطق. لذلك، اليوم أيضاً لا تسيطر الحكومة السورية على حقولها النفطية، وتضطر إلى شراء النفط الذي تحتاج إليه من الأكراد السوريين الذين حققوا أرباحاً طائلة من طردهم داعش من شمال سورية وشرقها. الآن، هم يستطيعون بيع النظام في دمشق النفط بأسعار باهظة. حالياً، يسيطر الأكراد على نحو 75% من النفط السوري، وأيضاً حقول النفط التي بقيت في عهدة بشار الأسد هي عرضة للخطر.