قيادة جديدة للاتحاد الأوروبي- بشرى لتحسين العلاقات مع إسرائيل أم لتردّيها؟
تاريخ المقال
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي
–
مباط عال
معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- مع موافقة البرلمان الأوروبي على تعيين الألمانية أورسولا فون ديرلاين رئيسة للمفوضية الأوروبية وطاقم المندوبين، دخلت المؤسسات العليا للاتحاد الأوروبي كلها في نشاط كامل. المفوضية الجديدةـ وسائر مؤسسات الاتحاد ستضطر إلى الاستمرار في مواجهة تحديات واجهها الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة. وهي تتضمن الانعكاسات السياسية والأمنية والاقتصادية للقرار البريطاني الخروج من الاتحاد الأوروبي، وسلوك روسيا في مواجهة دول كانت في الماضي جزءاً من كتلة الاتحاد السوفياتي، وخصوصاً استمرار احتلال أجزاء من أوكرانيا، ومشكلة المهاجرين في شتى أنحاء القارة، وتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، وتسلُّل الصين الاقتصادي إلى أوروبا. كل ذلك على خلفية تغيّرات سياسية في دول الاتحاد، وفي طليعتها استقالة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من القيادة الألمانية ومن قيادة الاتحاد، وازدياد قوة الأحزاب اليمينية واليسارية المتطرفة في البرلمان الأوروبي على حساب الأحزاب التقليدية الكبرى- المحافظة والاشتراكية.
- يواجه الاتحاد الأوروبي أزمة هوية عميقة منذ عدة سنوات. من مجموعة صغيرة مكوّنة من ست دول في أوروبا الغربية استندت إلى ألمانيا وفرنسا، تطور إلى منظمة تشمل 28 دولة من كل الأنحاء الجغرافية والسياسية لأوروبا. بعد انسحاب بريطانيا، ستبقى ألمانيا وفرنسا العضوين الكبيرين، لكن تأثيرهما سيتناقص. في السنوات الأخيرة ضعُف التفاهم الألماني-الفرنسي: الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يؤيد القيام بإصلاحات في المؤسسات الأوروبية وتعزيز مكانتها، بينما تتحفظ ميركل على ذلك. في المقابل، انضمت إلى الاتحاد دول جديدة لا تنطبق عليها كلها المعايير الاقتصادية التي وضعها الاتحاد، لكنها امتازت بأنها انتقلت من نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي. كان قبول هذه الدول بمثابة قيد سياسي. فقد شرذم استيعابهم عملية اتخاذ القرارات السياسية، وشكلت هذه الدول عبئاً اقتصادياً كبيراً على الدول المتطورة التي اضطرت إلى تمويل إعادة بنائها اقتصادياً.
- الأهداف المركزية التي وضعها كل من المفوضة العامة للاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس شارل ميشيل كانت الاقتصاد الأخضر، والابتكار، وتعزيز الديمقراطية. وهذه موضوعات داخلية واضحة تعكس فرضية انطلاق عمل رؤساء الاتحاد الأوروبي الجدد منها، لأن الموضوعات الخارجية هي أقل أهمية بالنسبة إلى المواطن الأوروبي. بقيت موضوعات السياسة الخارجية على هامش النقاشات، ولم يُذكر الشرق الأوسط أيضاً عندما ذُكرت الحاجة المزدوجة – استيعاب المهاجرين السياسيين من جهة، والمحافظة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي من جهة أُخرى.
- على خلفية الجمود السياسي في الساحة الإسرائيلية- الفلسطينية، والقطيعة بين القيادة المنتهية ولايتها للمؤسسات المركزية في الاتحاد الأوروبي وبين الزعامة الإسرائيلية، المستمرة منذ قرابة العقد، والانتقادات الموجهة إلى إسرائيل في هذا الشأن، ازدادت حدة. الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأميركية- الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، وقول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية هي قانونية، وكذلك وقف المشاركة الأميركية في تمويل الأونروا- هذه الخطوات كانت لها انعكاسات سلبية على علاقة الاتحاد الأوروبي بإسرائيل. فون ديرلاين، من خلال منصبها كوزيرة للدفاع الألماني، لم تتدخل في العلاقات الألمانية-الإسرائيلية، ولم تشارك في الاتصالات بين الحكومتين. جوزيف بوريل، المسؤول الجديد في المفوضية عن الموضوعات الخارجية والتخطيط، وعن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، كان عضواً في البرلمان الأوروبي ووزيراً لخارجية إسبانيا، وهو ذو معرفة وتجربة في موضوع الشرق الأوسط والنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وتعكس مواقفه مواقف الحزب الاشتراكي الإسباني والأحزاب الاشتراكية الأوروبية عامة، وهي مواقف انتقادية، إن لم تكن معادية لإسرائيل.
- في جميع الأحوال، ترميم العلاقات بين إسرائيل وبين مؤسسات الاتحاد الأوروبي ورؤسائها، والمتوقع أن يستغرق وقتاً طويلاً، لا يمكن أن يبدأ قبل تأليف حكومة جديدة في إسرائيل. إذا كانت الخطوط الأساسية للحكومة الجديدة تشير إلى نية إسرائيل ضم أجزاء من يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، فإن القطيعة القائمة اليوم ستستمر. لكن حكومة جديدة توضح أن اتجاهها هو نحو تغيير الوضع الحالي في اتجاه حل يستند إلى فكرة دولتين لشعبين، تستطيع أن تفتح صفحة جديدة في شبكة العلاقات. في الوقت عينه، يحتاج الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى تحديث مواقفه الأساسية إزاء موضوع النزاع، وأن يتبني توجهاً يسمح بالتقدم نحو حل شامل أيضاً على مراحل، وعلى قاعدة حلول جزئية.
- بعد تأليف حكومة جديدة في إسرائيل، من الأفضل أن تضع وزارة الخارجية الإسرائيلية والمفوضية في بروكسيل جدول أعمال من أجل لقاء أول على مستوى عال. ومن الأفضل أن يتضمن في الأساس إعلان نوايا، للفصل بقدر الممكن بين اشتراط تطوير وترميم العلاقات الثنائية وبين التقدم نحو حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. يجب التشديد على أن هذا الموضوع ليس اللغم الوحيد في حقل العلاقات: مع تقدم الحوار السياسي المستجد سيكون هناك حاجة أيضاً إلى مناقشة الاختلاف في الآراء بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي في المسألة النووية الإيرانية.
- في ضوء الاضطرابات التي سُجلت في العقد الأخير في الشرق الأوسط، أصبح من المهم استئناف الحوار بين إسرائيل وأوروبا على أعلى المستويات. أيضاً ضعف المركز السياسي للاتحاد الأوروبي لا يبرر التجاهل الإسرائيلي له وتفضيله تطوير العلاقات مع مجموعة دول تنتسب إليه على حساب العلاقات مع المؤسسات المركزية.