معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة ستكون خطأ استراتيجياً
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • يحاول تشاك فرايليخ منذ 3 سنوات تحذير قراء "هآرتس" من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو في أحسن الأحوال أحمق، وفي الأسوأ، هو يشكل خطراً على كل ما له علاقة بالمصالح الأمنية لإسرائيل والولايات المتحدة. ضمن هذا السياق، هو يرى أن الصداقة التي تجمع بين ترامب وبيبي ستكلف إسرائيل غالياً في نهاية الأمر.
  • لكن من المفارقات أن فرايليخ في مقاله الأخير ("هآرتس" 8/12) يقترح استغلال ما قد تكون السنة الأخيرة للرئيس في البيت الأبيض بقدر الإمكان، الذي يتهمه بأن لديه توجهاً مدمراً لقلب أنظمة العالم، وذلك كفرصة ربما أخيرة، للدفع قدماً بمشروع نتنياهو، رئيس الحكومة نفسه الذي حذّر فرايليخ، قبل الانتخابات الأخيرة، من أن استمرار حكمه يعرّض وجود إسرائيل للخطر. إنه يقترح محاولة توقيع معاهدة دفاع بين إسرائيل والولايات المتحدة، تحديداً الآن.
  • اعتقد حكماؤنا أن عمل الصالحين يقوم به آخرون، وهؤلاء بالتأكيد يمكن أن يشملوا حمقى يجلسون في البيت الأبيض. المشكلة المركزية في نظرية فرايليخ افتراضه أن متخذي القرارات في واشنطن، أعضاء الكونغرس وسائر الأميركيين، هم أيضاً حمقى سيقعون في الفخ الذي ينصبه لهم نتنياهو.
  • أيضاً إذا افترضنا أن واشنطن والقدس سيستقران سياسياً قريباً، وأن ترامب سيخرج سالماً من أزمة تنحيته، وأن نتنياهو سيترأس حكومة وحدة، فإن فكرة أن سياسيين كباراً في الولايات المتحدة، بينهم أولئك الذين يخوضون انتخابات رئاسية، سيحاولون إقناع الناخبين الأميركيين بأن على أبنائهم وبناتهم التعهد بالقتال إلى جانب إسرائيل في حرب ضد إيران، على سبيل المثال، هي فكرة واهية، من دون أن نتحدث عن مواجهات مع حزب الله و"حماس"، تُموَّل من أموال دافعي الضرائب الأميركيين.
  • كل من له صلة بالنقاشات السياسية في واشنطن يعرف أن زعماء الحزبين الكبيرين متأثرون بالرأي العام الأميركي في أعقاب النتائج المدمرة للحرب في العراق وفي أفغانستان. لذلك هم معنيون بتقليص التدخل العسكري الأميركي في العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط. وهم قطعاً لا يريدون توقيع تعهدات جديدة بإرسال جنود أميركيين إلى مناطق توتر إضافية.
  • فرضية أنه يجب إعادة فحص التعهدات العسكرية الأميركية في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، التي وُقّعت خلال الحرب الباردة كجزء من استراتيجيا كبح الاتحاد السوفياتي، ليست هاجساً لدى ترامب بقدر ما هي جزء من نقاش جدي يجري حالياً في واشنطن. إن أحد الأسباب التي أدت إلى انتخاب أوباما وترامب، كمرشحين للرئاسة في حزبيهما وفوزهما على خصومهما في الانتخابات العامة، كان تعهدهما بالخروج من الشرق الأوسط. لقد أثبت أوباما أنه لم يكن أحمقاً عندما عرقل محاولة نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك، جذب الأميركيين إلى حرب شاملة ضد إيران، وبدلاً من ذلك وقّع اتفاقاً نووياً مع طهران. صحيح أن ترامب ألغى الاتفاق، لكن بخلاف توقعات نتنياهو والسياسة التقليدية الأميركية، امتنع من الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران، حتى بعد مهاجمة الإيرانيين منشآت النفط السعودية، بل وحتى أعرب عن استعداده للدخول في مفاوضات مع آيات الله.
  • على الرغم من انتقادات الديمقراطيين سياسة ترامب الخارجية، من المفيد أن نأخذ في الحسبان أن أغلبية المرشحين للرئاسة من قبل الحزب الديمقراطي يطالبون بتقليص التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، وبخلاف ترامب - يعبّرون عن مواقف انتقادية إزاء إسرائيل. وحتى لو انتُخب نائب الرئيس السابق جو بايدن، المعروف بأنه صديق لإسرائيل، كمرشح ديمقراطي للرئاسة، فإن ضغط حزبه سيمنعه من تأييد اتفاق دفاعي مع إسرائيل. حتى الأحمق ترامب يدرك أن المصالح الأمنية لإسرائيل والولايات المتحدة ليست دائماً متطابقة، وأن إيران النووية لن تشكل خطراً وجودياً مباشراً على الولايات المتحدة كما كان الاتحاد السوفياتي في حينه. وإذا كانت ستهدد فعلاً إسرائيل وأيضاً السعودية وفرنسا، ربما حان الوقت كي تبدأ هذه الدول الاعتناء بنفسها من دون الولايات المتحدة.
  • إسرائيل متورطة اليوم بما يمكن وصفه نزاعات قبلية، نزاع مع الفلسطينيين على السيطرة في أرض إسرائيل، ومع الشيعة في لبنان، ومع العلويين في سورية. ليس واضحاً لماذا سيكون الأميركيون مهتمين بالتدخل في تلك النزاعات، وخصوصاً في ظل عدم وجود اتفاق أساسي بين الإسرائيليين والأميركيين على طريقة حلها. يعلن نتنياهو خطة لضم غور الأردن - خطوة تتعارض مع السياسة الأميركية- وفي الوقت عينه يقترح توقيع حلف دفاعي مع الولايات المتحدة. فهل يتوقع الحصول على مساعدة أميركية في حال اتخذ الأردن خطوات مضادة؟
  • وإذا نسينا للحظة إشكالية حلف كهذا بالنسبة إلى الأميركيين، ماذا ستربح منه إسرائيل؟ الولايات المتحدة ستظل قوة عظمى مقررة في السنوات القريبة، كما يقول فرايليخ، لكن المنظومة الدولية تمر حالياً بعملية تغييرات دراماتيكية على خلفية تعاظُم قوة الصين الاقتصادية والعسكرية، ومن المحتمل أن تصبح هذه الأخيرة شريكة مع الولايات المتحدة في تقرير موازين القوى الدولية.
  • حالياً، يدور في واشنطن نقاش جدي بشأن مستقبل العلاقات بين القوتين العظميين الدوليتين، ومجموعة كبيرة من أصحاب النفوذ في الولايات المتحدة تضغط من أجل تبني استراتيجيا على شاكلة صيغة الحرب الباردة، في إطارها يكبح الأميركيون قوة الصين ونفوذها، ويجندون حلفاء في هذه المعركة. في مثل هذه الحالة، ليس واضحاً لماذا إسرائيل التي تشكل قوة مركزية في غرب آسيا وقوة تكنولوجية عظمى، لها مصلحة في أن تتحول إلى تابعة لأميركا في حربها الباردة الجديدة، بدلاً من مواصلة الاستفادة من المرونة التي تسمح بها شبكة العلاقات الحالية مع الولايات المتحدة. كل هذا من دون أن نتحدث عن التأثير السلبي لحلف دفاعي كهذا في علاقات الصداقة مع روسيا.

لا يمكن لأحد أن يكذّب أن العلاقات الدبلوماسية والعسكرية مع الولايات المتحدة تحافظ على أمن إسرائيل، لذلك فإن رصيد تنميتها هو مصلحة إسرائيلية واضحة. لكن محاولة تحويل هذه العلاقات إلى موضوعات رسمية غير عملية، وفي المدى الطويل يمكن أن يُظهر تناقض المصالح الذي نميل حالياً إلى إخفائه تحت البساط.