التصعيد في غزة- 10 تبصرات
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

– نظرة سياسية-أمنية

 

  • في أعقاب اغتيال قائد الذراع العسكرية في الجهاد الإسلامي في شمال القطاع، بهاء أبو العطا، ردت الحركة بقصف صاروخي واسع شمل وسط البلد، وفيما يلي 10 تبصرات بشأن التصعيد في غزة:

-1-

  • الجهاد الإسلامي- تحدٍّ مزدوج- يمرّ التنظيم بعملية اشتداد وتعاظُم للقوة العسكرية منذ سنوات، تعكس وجهة تفاقم التهديد من غزة عموماً. وبخلاف حركة "حماس" التي تخضع لضغوط وكوابح بحكم كونها السيد والحاكم في غزة، فإن الجهاد الإسلامي أكثر حرية في تحقيق أهدافه كتنظيم إرهابي، وهو ينحو، وخصوصاً في السنة الأخيرة، نحو سياسة مستقلة وعدائية تشكل تحدياً مزدوجاً لـ"حماس" وإسرائيل على حد سواء.

-2-

  • معضلة "حماس"- لدى "حماس" أجهزة قوية وقوة كافية لكبح الجهاد الإسلامي حتى بالقوة. مع ذلك، استخدام القوة يتعارض تعارضاً عميقاً مع هوية "حماس" وصورتها كتنظيم جهادي ("حركة مقاومة إسلامية")، وكما تعلّمنا في الأشهر الأخيرة، فإن ذلك يمكن أن يثير اضطرابات داخلية بين ناشطيها، وباستثناء عدد من المواجهات بالقوة، وتعمل "حماس" منذ سنوات على "احتضان" الجهاد وخلق سيطرة عليه، بواسطة التنسيق العملاني واستخدام غرفة عمليات مشتركة بين فصائل غزة.
  • في الأشهر الأخيرة، اختارت "حماس"، لاعتبارات متعددة، عدم فرض ضبط النفس على الجهاد، وبصورة ملموسة على المارق أبو عطا. عملية الاغتيال الإسرائيلية وضعتها أمام معضلة كتنظيم مختلط، بين التزامها بـ"المقاومة" ورغبتها كسلطة في تحقيق هدوء إنتاجي لاستنفاد الإنجازات التي حصلت عليها من إسرائيل. حالياً، على "حماس" أن تقرر ما إذا كانت ستترك إسرائيل "تسحق" الجهاد أم ستنضم إليه في القتال.
  • في هذه الأثناء، تكتفي "حماس" بضريبة كلامية" من دون الدخول في القتال بفعالية. ذلك على الرغم من أن إقفال هذه "الجولة" من دون أثمان مؤلمة بالنسبة إلى إسرائيل، يمكن في نظر "حماس"، أن يؤدي ذلك إلى تآكل الردع من غزة في كل ما له علاقة بالاغتيالات الموضعية (أيضاً لناشطي "حماس"). وسيكون لنوع الأهداف وهويتها التي ستختار إسرائيل مهاجمتها في أثناء عملية القتال تأثير كبير في قرار الحركة بالانضمام إلى القتال.

-3-

  • خيار إسرائيل- أيضاً مع عدم وجود خيار تجاه نية أبو العطا القيام بهجوم، ففي عملية الاغتيال، وفي الأساس تركيز الهجمات بعد ذلك على أهداف تابعة للجهاد، تخرق إسرائيل المبدأ الذي تُعتبر فيه "حماس" هي الحاكم في غزة، وهي المسؤولة عن عدم شن هجمات وإطلاق نار منها. يتعين على إسرائيل أن تقرر، هل ستستخدم هذا المنطق في تصعيد مستقبلي، بما في ذلك في مواجهة تنظيمات أصغر، أو أن ما جرى هو خروج مرة واحدة عن سياستها.

-4-

  • فائدة الاغتيالات الموضعية- بالإضافة إلى منع هجمات أو عرقلتها، لاغتيال القائد العسكري تأثير عملاني في قدرات التنظيم. وكلما كان المستهدف قائداً قوياً وكاريزماتياً، كلما أمكن أن يستمر تأثير الاغتيال مدة أطول. من النماذج البارزة في هذا السياق، مقتل عماد مغنية الذي يتهم حزب الله إسرائيل باغتياله.
  • من جهة أُخرى، في أغلب الحالات، لا تخلق الاغتيالات الموضعية تغييراً استراتيجياً، لا على صعيد التهديد الذي تشكله التنظيمات الإرهابية ولا في سياساتهم. هكذا، على سبيل المثال، اغتيال زعيمي "حماس" ومؤسسيها الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي في سنة 2004، لم يؤدِّ إلى تفكك الحركة، ولم يقلص من خطرها على إسرائيل، بل هو فقط أخذ في الازدياد بصورة كبيرة بعد سيطرتها على القطاع، ومن المتوقع أيضاً أن يتعافى الجهاد الإسلامي من الهجوم، وأن يعين بديلاً مناسباً من أبو العطا.

-5-

  • تعزيز الردع الإسرائيلي- تؤكد عملية الاغتيال، وخصوصاً إذا كانت إسرائيل أيضاً وراء اغتيال مسؤول كبير للتنظيم في دمشق، أكرم عجوري، عمق الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي، و"ذراعها الطويلة" وإصرارها على ضرب كل من يستخدم الإرهاب ضدها. ومن المتوقع أن تصل الرسالة، ليس فقط إلى غزة، بل إلى جميع أنحاء المنطقة.

-6-

  • علاقات الداخل الخارج في الجهاد الإسلامي- بافتراض أن محاولتي الاغتيال في غزة وفي دمشق مرتبطتان، من المعقول أن إسرائيل ترى أن قيادة التنظيم الموجودة في سورية مسؤولة عن الهجمات في القطاع أو عن جزء منها، على الأقل على مستوى الموافقة عليها. مع ذلك، يبدو، كما هي الحال في "حماس"، حيث تنتقل التعليمات من "الخارج" (اليوم الخليج) إلى الداخل (غزة)، أنه أيضاً في الجهاد الإسلامي، ينتقل مركز الثقل إلى داخل القطاع، ولكبار مسؤوليها تأثير متزايد في سياسة التنظيم وعلى صعيد الهجمات.

-7-

  • تنظيمات "مارقة" وعدم استقرار في غزة- في غزة سلسلة طويلة من التنظيمات والأطراف المسلحة التي تعمل على أساس التعدد في المنطق والهويات والمصالح. ضمن هذا النسيج، تبرز ظاهرة التنظيمات "المارقة" على عدة مستويات: تنظيمات سلفية صغيرة معارضة للسلطة وسياستها الكابحة، الجهاد الإسلامي الذي يتنافس مع "حماس"، وناشطون مارقون ضمن صفوف التنظيمات نفسها، بما في ذلك الجهاد الإسلامي و"حماس". هذه التوترات الموجودة في واقع من ضغط ديموغرافي واقتصادي ومدني يخلق عدم استقرار من تلقاء ذاته، وحدها سلطة قوية في غزة تستطيع مواجهته ومنع الفوضى. حالياً، لا يوجد بديل من "حماس" في هذا الإطار، باستثناء البديل الإسرائيلي.

-8-

  • دور إيران- غالباً ما يصوَّر الجهاد الإسلامي كأنه "ألعوبة" إيرانية في القطاع. يحصل الجهاد على مساعدة من إيران في التمويل والمعلومات والتدريب العسكري، بحجم أكبر من المساعدة التي تحظى بها "حماس" من طهران مقارنة بميزانيته. مع ذلك، أثبتت أحداث السنة الأخيرة مرة أُخرى أن دوافع الجهاد الإسلامي لها علاقة باعتبارات تتعلق بغزة ومكانة التنظيم وتأثيره في القطاع (في مواجهة "حماس"، ومصر وإسرائيل، حصته من فوائد التهدئة، مبادرات محلية لناشطيها، إلخ). حوادث الاحتكاكات المباشرة بين إسرائيل وإيران، وخصوصاً إحباط هجوم بالمسيّرات في سورية في آب/أغسطس، لم "يتحرك" الجهاد الإسلامي خلالها، تؤكد فقط  أنه لا يوجد في طهران زر يمكن أن تضغط عليه لتشغيل التنظيم ضد إسرائيل.

-9-

  • دور مصر- من بين كل جهات الوساطة (بما فيها القطرية والتابعة للأمم المتحدة) تبدو مصر، مجدداً، اللاعب المهيمن والأكثر مبادرة، القادر على التوصل إلى تفاهمات"تغلق" جولات التصعيد.

-10-

  • دفاع فعال يخلق حرية عمل- التصعيد الحالي الذي من خلاله اعترضت "القبة الحديدية" عشرات الصواريخ الموجهة إلى مناطق مبنية، أثبت مرة أُخرى أن قدرة إسرائيل الدفاعية تسمح لها بتنفيذ عمليات، مثل الاغتيالات المركزة، مع تقليص خطر نشوب حرب واسعة.