الانعطافة الاستراتيجية للولايات المتحدة تفرض على إسرائيل إعادة التفكير في استعداداتها في الشرق الأوسط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • الزيارة الخاطفة المنتظرة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى إسرائيل، في إطار حملة تهدئة في الشرق الأوسط، واتهام إيراني جديد بشأن هجوم إسرائيلي [على إحدى ناقلاتها للنفط في البحر الأحمر]؛ واللقاء الاستثنائي نسبياً بين رئيس الأركان ورئيس أزرق أبيض- تراكم الأحداث في الأيام الأخيرة أثار انطباعاً معيناً بالذعر في المنطقة. وبينما يربط جزء من وسائل الإعلام كل هذه الأمور معاً (ويقولون إن اللقاء بين كوخافي وبني غانتس يجري على خلفية "هجوم إيراني محتمل")، من السهل التفكير في أن الإيرانيين عادوا مجدداً ليشكلوا خطراً وشيكاً.
  • لكن يبدو أن ما يربط بين هذه الأمور معاً ليس بالضرورة تهديداً مباشراً، بل عملية طويلة الأمد. صحيح أن إسرائيل تتخوف من خطط انتقام إيرانية، لكن هذه تتبلور منذ أشهر. التغيير الأساسي هو استراتيجي أكثر مما هو عملاني أو تكتيكي: الولايات المتحدة تسرّع انسحابها من الشرق الأوسط، وفي الخلفية يتصاعد نفوذ إيران الإقليمي؛ ومعه تزداد ثقتها بنفسها. هذه هي العلاقة التي تربط زيارة بومبيو بهذا كله. على ما يبدو، وأيضاً هذا هو السبب المركزي للاجتماع بين كوخافي وغانتس، والذي جرى في ذروة مفاوضات ائتلافية متعثرة، وعلى خلفية المطالبة بميزانيات استثنائية للجيش.
  • في الشهر الأخير وقعت حادثتان دراماتيكيتان في الشرق الأوسط: الهجوم الإيراني على منشآت النفط السعودية في 14 أيلول/سبتمبر، والمحادثة الهاتفية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 6 تشرين الأول/أكتوبر. الولايات المتحدة امتنعت من الرد على القصف المتعمّد الذي تسبب بضرر كبير لحليفتها السعودية. حتى الآن، جرى الحديث فقط عن هجوم عقابي سيبراني ضد الإيرانيين، حجمه غير واضح. بالإضافة إلى ذلك، موافقة الرئيس الأميركي على إخراج القوة العسكرية الأميركية الصغيرة من شمال شرق سورية مهدت الطريق أمام هجوم تركي كثيف على الأكراد.
  • الخيط الذي يربط بين الحدثين هو انخفاض حاد في الاستعداد الأميركي لتوظيف جنود وموارد في المنطقة. كل هذا مغلف بكلام لا ينتهي يأتي مرات عديدة في اليوم من أعماق تيار وعي ترامب. ومع هذا، فإن الخلاصة واضحة جداً - يعتقد الرئيس الأميركي أنه حان الوقت لوضع حد لما يسميه "الحروب التي لا تنتهي" للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
  • السعودية ودولة اتحاد الإمارات، الجارتان القريبتان من إيران، منزعجتان من العجز الأميركي بصورة خاصة. لكن إسرائيل أيضاً لديها سبب للقلق. الانسحاب الأميركي يطرح أسئلة بشأن مدى التزام ترامب بإسرائيل في وقت الشدة، بينما أثبت الهجوم في السعودية جرأة إيرانية كبيرة، ومهارة عملانية كبيرة، وقدرة على التنفيذ مدهشة. وهذه القدرة تفرض القيام بتغييرات في أنظمة الدفاع والاعتراض الإسرائيلية التي ركزت طوال سنوات على الرد على نار صاروخية منحنية المسار (صواريخ وقذائف)، وليس على تهديد خاطف قريب من الأرض، تشكله الصواريخ البحرية وهجمات الطائرات المسيّرة (طائرات من دون طيار). في مرحلة أولى ستكون هناك حاجة إلى أكثر من 300 مليون شيكل للقيام بتحسين سريع لانتشار البطاريات الاعتراضية. وفي المستقبل من المنتظر أن تزداد المبالغ أكثر.
  • في محاولات حل المأزق السياسي والتوصل إلى تأليف حكومة، هناك إشبين شرف مركزي واحد – رئيس الدولة رؤوفين ريفلين. الجيش لا يبذل جهداً في ذلك مباشرة، لكن يمكن اعتباره إشبين شرف ثانوي. بالتأكيد سمع غانتس بالأمس من رئيس الأركان وصفاً قاتماً للتغييرات الإقليمية، وفي اللقاء معه شدد على الحاجة إلى إقرار سريع لميزانية الأمن والخطة المتعددة السنوات للجيش.
  • في جلسة الطاقم الوزاري المصغر التي عُقدت في الأسبوع الماضي، جرى الحديث عن الحاجة إلى زيادة 4 مليارات شيكل سنوياً على ميزانية الأمن لمدة عشر سنوات. ويلامس هذا إلى حد ما رؤية "الجيش الإسرائيلي في سنة 2023" التي بلورها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في خطوطها العامة، في مطلع هذه السنة، وقبل التطورات الأخيرة. حتى الآن لم تُتخذ أية قرارات. غانتس مستعد اكثر من سائر قادة الحزب للبحث في تسويات خلاقة مع نتنياهو على طريق حكومة وحدة. الظروف الأمنية والاقتصادية يمكن أن تزوده بالحجج، وبالتأكيد إذا حدث تصعيد إضافي في الخليج.

في الخلفية، يتعين علينا الإصغاء إلى الكلام الذي سُمع أمس في طهران. في الأسبوع الماضي، وبينما كانت الأنظار كلها موجهة إلى ما يجري في شمال سورية، وقعت حادثة غامضة في البحر الأحمر، ناقلة نفط إيرانية تعرضت لهجوم في أثناء إبحارها بالقرب من شواطىء السعودية. لقد استغرق الإيرانيون وقتاً كي يصلوا إلى استنتاج بشأن ما حدث هناك، لكن بالأمس ادّعى عضو مجلس الأمن القومي في طهران أن إسرائيل والسعودية متورطتان في الهجوم الذي وقع بعد سلسلة هجمات إيرانية مشابهة ضد ناقلات كانت في طريقها إلى السعودية واتحاد الإمارات. بكلام آخر، الحساب الإيراني مع إسرائيل لا يزال مفتوحاً- وعاجلاً أم آجلاً ستجري محاولة أُخرى لتصفيته.