الخناق يضيق: إيران تلعب لعبة خطِرة
تاريخ المقال
المصدر
الإيرانيون واثقون بأنهم في اللحظة التي سيبدون فيها مرونة ما، سيسارع الغرب إلى منحهم اتفاقاً جديداً ويجدون صعوبة في إدراك مغزى تبديل الأشخاص في قيادة الدول العظمى
- تشكل سلسلة الأحداث الأخيرة المتعاقبة، بما فيها الهجمات الغامضة في سورية والعراق، وما كشف عنه السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة، داني دانون، بشأن عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية، بالإضافة إلى التسخين العسكري حول مضيق هرمز، جزءاً من المعركة الشاملة ضد إيران. الخناق يضيق أكثر فأكثر باستمرار حول الملالي، ويبدو أننا موجودون في مسار تصعيدي متتابع.
- انتخاب بوريس جونسون لمنصب رئيس الحكومة البريطانية هو بمثابة رسالة واضحة - بريطانيا تتجه نحو الانفصال، مهما يكن الثمن. جونسون يذكّر كثيراً بترامب، وليس بتسريحة الشعر فقط. هذان الزعيمان هما رد فعل مضاد، بمثابة ردة فعل جماهيرية على القادة السابقين في الولايات المتحدة الذين امتازوا بـ"الشحوب الزائد" في القضايا الداخلية، وأكثر منه أيضاً في القضايا الخارجية.
- الآن، وبينما يزداد الوضع في الخليج الفارسي التهاباً، تبدو الصورة الاستخباراتية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى - الأذرع الإيرانية تواصل العمل ضد أرصدة غربية بشكل مكثف، إلى جانب الاستمرار في تعزيز قوة "حزب الله" في لبنان، والميليشيات الشيعية في سورية، والحوثيين في اليمن وغيرها.
- تجد إسرائيل نفسها في قلب سيرورة التصعيد هذه بصورة طبيعية كمتأثرة، لكن ليس أقل، كمؤثرة. ما كشف عنه السفير في الأمم المتحدة والهجمات المنسوبة إلى إسرائيل، مع تصريحات رئيس الحكومة نتنياهو ـ أمور كلها تشير إلى أن إسرائيل أكثر بكثير من مجرد شريك آخر في الحرب ضد إيران والقوى المرتبطة بها.
- في ظل العقوبات الصارمة حالياً والتصعيد القادم بالتأكيد، تكون الطابة قد وُضعت في ملعب الإيرانيين، وهم أيضاً يصعِّدون - سواء بالتصريحات أو بالأعمال الميدانية. إيران تلعب لعبة في مقابل الغرب، تقوم على الافتراض بأن ما كان في الماضي هو ما سيكون الآن أيضاً - الغرب هو الذي سيستسلم أولاً. يدرك خامنئي أن الغرب سيبذل كل ما في وسعه لتجنب القتال في حرب جديدة، لكن مع ذلك، يبقى لغز ترامب ـ ماذا سيفعل؟ ترامب معروف بأنه شخص غير متوقع، حتى في نظر الإيرانيين الذين، كما يبدو، يختبرون الأمور ميدانياً لفحص مدى ضبط النفس.
- يعلم الإيرانيون أنهم يستطيعون إبداء علامات مرونة ما في أية نقطة زمنية، وأن الغرب سيقفز على ذلك على الفور بحماسة شديدة كأنما عثر على صيد ثمين، دافعاً نحو اتفاق جديد يعود فيه كل شيء إلى البداية ليبدأ من جديد. لذلك، يمكن الافتراض أن الوضع في الخليج وتداعياته وانعكاساته على محيطنا سائر نحو التصعيد المتواصل، حتى النقطة التي يفهم فيها الإيرانيون أن ثمن استمرار التصعيد سيكون خسارة. طالما لم يضع الغرب النظام الإيراني في مرماه بصورة فعلية، سيفهم الإيرانيون أنهم هناك، في الغرب، كعادتهم، ليسوا جديين. في الغرب لا يريدون الحرب، ولهذا سوف نرى مزيداً من سقوط طائرات أميركية من دون طيار، ومزيداً من "المضايقات" هنا وهناك ضد قطع بحرية، وكذلك عمليات استفزازية تحرشية مشابهة.
- ما هو الخط الأحمر الإيراني؟ من الأمور المعروفة أن الأمر الأهم بالنسبة إلى نظام الملالي هو بقاء الثورة الإسلامية. ولهذا، في اللحظة التي يوقن فيها الإيرانيون أن هذا البقاء معرض للخطر، سينسحبون إلى الوراء. وأكثر من هذا: الإيرانيون محنّكون ومراوغون - يعرفون أن ترامب سيكون رئيساً للولايات المتحدة بضع سنوات أُخرى، ومن جهتهم ليس لديهم أية مشكلة في الانكفاء التكتيكي خطوة واحدة إلى الوراء، ولو من أجل اجتياز فترة ترامب.
- هذا التكتيك المتمثل في التراجع نصف خطوة إلى الخلف مع رؤية واضحة لما هو آت مستقبلاً هو تكتيك منطقي جداً من وجهة نظر إيران. إنهم صبورون وفي اللحظة التي يعثرون فيها على نقطة "الخروج" ويسعون لاتفاق يضمن لهم كرامتهم واحترامهم، فمن المنطقي أن يكون هذا ما سيحاولون تحقيقه. أمّا إذا لم تتوفر نقطة خروج كهذه، فسيكون طموحهم عدم تجاوز خط التصرف غير المحتمل. ولهذا، سيكون الإيرانيون حذرين جداً في تصرفاتهم التي ستكون محسوبة بدقة فائقة.
- وفوق هذا كله، يجدر أن نتذكر أيضاً أن ليس كل شيء قابلاً للسيطرة والتحكم. حتى لو كنت تخطط وتقصد تحقيق شيء ما وتمتلك استراتيجيا محكمة وتكتيكات مناسبة لتنفيذه، قد تفلت الأمور من بين يديك. اللعبة التي يلعبها الإيرانيون هي لعبة خطِرة - منذ اللحظة التي تدخل فيها قوات عسكرية إلى الصورة ويبدأ احتكاك جوي، بحري أو برّي، قد يكون التدهور سريعاً، وبالتأكيد حين يكون من يقف قبالتك جونسون، وترامب وكذلك نتنياهو.