المسؤول عن إعادة كتابة التاريخ في وزارة الدفاع
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • من أعطى الأمر وهل العملية قانونية؟ بقي هذان السؤالان من دون إجابة في التقرير الممتاز الذي أعدته هاجر شيزاف في ملحق "هآرتس" بعنوان: "المؤسسة الأمنية تخفي وثائق عن النكبة في الخزائن، هذا ما يقولونه".
  • ترسم شيزاف كيف يقوم مكتب المسؤول عن الأمن في المؤسسة الأمنية (مديرية الأمن في وزارة الدفاع)، منذ منتصف العقد الأول أو بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، بصورة منهجية بغربلة وثائق من الأرشيفات في إسرائيل تصوّر سلوك الدولة حيال العرب في إسرائيل، وبصورة خاصة في حرب 1948، بألوان كالحة - ويخفي في الخزائن وثائق تصور عمليات الطرد والمذابح التي ارتكبها عناصر الإيتسل وليحي والهاغانا وجنود الجيش الإسرائيلي في تلك الحرب وفي السنوات التي تلتها.
  • المسؤول عن الأمن في المؤسسة الأمنية، الذي يُفترض به الدفاع عن منظومة الأمن ضد اختراق عناصر معادية - جواسيس، خونة، وعناصر سيبرانية - وضد تسريب وثائق تتعلق بمسائل حساسة، مثل الاستخبارات والنووي، يعمل على تلميع صورة الدولة قبل 70 عاماً؛ هو يقوم فعلياً بمحاولة لإعادة كتابة تاريخ الدولة اليهودية وتجميله. لا يوجد قانون يحدد مهمات مدير الأمن، لكن العلاقات العامة لدولة إسرائيل وتجميل ماضيها ليسا بالتأكيد ضمن نطاق نشاطاته المشروعة.
  • قبل نحو عقد من الزمن بدأت تتناهى إلى مسمعي إشاعات عن وضع وثائق في قيد الحفظ سبق أن اطّلعت عليها، وكانت قبل ذلك مفتوحة للاطلاع أمام الجمهور. إحداها وثيقة عنوانها " حركة هجرة العرب في أرض إسرائيل في الفترة 1/12/1947– 1/6/1948"، تاريخها 30 حزيران/يونيو 1948، كتبها موشيه شاشون من القسم العربي في وحدة الاستخبارات التابعة للهاغانا (شاي)، وكانت هناك نسخة منها مسموح الاطلاع عليها في الأرشيف التابع لهاشومير هاتسعير في غفعات حفيفيا. لم أتفحص الموضوع وافترضت أن المقصود حادثة عابرة ومنفردة. لكن كان يجب علي أن اتحقق من الأمر.
  • قبل عامين، وخلال تجميعي لمقالات لكتابي الأخير ("من دير ياسين إلى كامب ديفيد") طلبت من أرشيف وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي السماح لي بالاطلاع من جديد على الوثائق المتعلقة بالمذبحة التي ارتكبها عناصر الإيتسل وليحي ضد سكان القرية العربية دير ياسين، الواقعة على المداخل الغربية للقدس في 9 نيسان/أبريل 1984. وقُتل فيها ما بين 100 و120 شخصاً من سكان القرية، أغلبيتهم من النساء والأولاد والشيوخ.
  • كانت هذه الوثائق مفتوحة أمام الباحثين والجمهور الواسع في مطلع القرن الـ21 ولقد اقتبست منها بإسهاب في مقالي باللغة الإنكليزية "The Historiography of Deir Yassin" الذي نشرته في سنة 2005 مجلة "Journal of Israeli History" التي تصدرها جامعة تل أبيب. طلبت الآن النظر في هذه الوثائق مرة ثانية، لكن مدراء الأرشيف رفضوا طلبي. لم يكن لديهم تفسير باستثناء القول "الآن هذه الوثائق مغلقة".
  • الوثائق التي أردت الاطلاع عليها وأُخفيت نوعان: المراسلات في سنة 1971 بين كبار المسؤولين في الهاغانا/الجيش الإسرائيلي مع أفراد وموظفي وزارة الخارجية بشأن ما حدث في دير ياسين في سنة 1948؛ ووثائق تعود، في معظمها، إلى وحدة الاستخبارات (شاي) في الهاغانا ومكتوبة في نيسان/أبريل 1948، بشأن المذبحة التي ارتُكبت في ذلك الوقت.
  • أثارت هذه المراسلات [السرية] الجدل في أعقاب نشر وزارة الخارجية كتيباً (من أجل التوضيح اللائق، كتبه والدي يعقوب موريس، الذي كان مدير قسم الدعاية في الوزارة)، وُزّع بالإنكليزية على ممثلياتنا في شتى أنحاء العالم في سنة 1969، كما وزعته في تلك الفترة حركة حيروت في البلد (أي الليكود اليوم)؛ يدّعي الكتيّب أنه لم تحدث مذبحة في دير ياسين، وأن قصة المذبحة اختراع عربي، "جزء من مجموعة قصص خيالية". كان وزير الخارجية في تلك الفترة آبا إيبان. أعضاء في حزب مباي من قدامى حركة العمل، ومن الذين كانوا مسؤولين كباراً في المؤسسة الأمنية والدفاعية في الجيش الإسرائيلي احتجوا على مضمون الكتيب. في 31 كانون الثاني/يناير 1971 احتج على الموضوع شاوول أفيغور الذي كان رئيساً للموساد في موجة الهجرة الثانية، أمام جدعون رفائيل، مدير عام وزارة الخارجية. وضم أفيغور إلى رسالته رأي يهودا سلوتسكي المحرر الأساسي لكتاب تاريخ الهاغانا الذي أقر بحدوث مجزرة في دير ياسين. في الوقت عينه، يتسحاق ("لفيتسا") ليفي (رئيس الاستخبارات في الهاغانا في القدس في سنة 1948 ولاحقاً رئيس لواء القدس في الجيش الإسرائيلي، ونائب مدير عام مكتب رئيس الحكومة وغيرها) كتب في 12 نيسان/ أبريل 1971 إلى مناحم بيغن (قائد الإيتسل في سنة 1948 وزعيم حيروت في سنة 1971) الذي كذّب "قصة" المجزرة؛ قال له إنه حقق  يومها في القصة ووجد أن دير ياسين كانت قرية هادئة، لم تشارك في معارك حرب 1948، وأنه فعلاً جرت فيها مذبحة قام بها عناصر الإيتسل وليحي. أيضاً يسرائيل غاليلي من قادة الهاغانا في سنة 1948، وفيما بعد كان وزيراً كبيراً في حكومة إسرائيل اشتكى مباشرة أمام إيبان. في النهاية رد إيبان بأن الكتيّب المشار إليه وُضع في قيد الحفظ. المراسلات المهمة العائدة إلى سنة 1971، والتي كانت مفتوحة أمام الجمهور في الفترة 2003 - 2004 أُغلقت أمام الباحثين والجمهور الإسرائيلي بأمر من المسؤول عن الأمن في المؤسسة الأمنية، ولذلك مُنعت في سنة 2018 من الاطلاع عليها.
  • أيضاً أغلبية المادة "الجرمية" العائدة إلى نيسان/أبريل 1948، التي كتبها ضباط في وحدة الاستخبارات في الهاغانا، وكانت مفتوحة في 2003 - 2004، أغلقتها مديرية الأمن في المؤسسة الأمنية (لكن قبل ذلك بكثير، ومنذ بدأت الاهتمام بموضوعات 1948، منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين، رفض أرشيفا وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي دائماً السماح لي بالاطلاع على صور المذبوحين في دير ياسين التي التقطتها على ما يبدو عناصر وحدة شاي، قبل دفنهم. (بعد مرور ثلاثة أيام على المذبحة، في 12 نيسان/أبريل 1948، كتب يستحاق ليفي (يفنا) رئيس الاستخبارات في الهاغانا في القدس إلى القسم العربي في الوحدة: "احتلال القرية جرى بوحشية كبيرة. وقُتلت عائلات بأسرها، بينها نساء وشيوخ وأطفال.... جزء من الأسرى نُقل إلى أماكن الاعتقال، وكان بينهم نساء وأطفال قتلهم حراسهم بوحشية". وفي تقرير مكمل كتبه ليفي في اليوم التالي بالاستناد إلى كلام عناصر ليحي: "[مقاتلو الإيتسل اغتصبوا عدداً من الفتيات وقتلوهن بعد ذلك، (بالنسبة إلينا أي بالنسبة إلى وحدة الاستخبارت ليس معروفاً إذا كان هذا صحيحاً)". في هذه التقارير تظهر تفصيلات كثيرة أُخرى بشأن ما قام به عناصر الإيتسل وليحي في دير ياسين في 9 نيسان/أبريل (أعمال نهب وغيرها) - لكن عناصر مكتب الأمن في المؤسسة الأمنية فرضوا عليها حظراً في السنوات الأخيرة (طبعاً تقارير أُخرى كتبها أجانب عمّا حدث في القرية يمكن الاطلاع عليها، في الأرشيف الوطني البريطاني على سبيل المثال. الحاكم البريطاني الأعلى الجنرال آلن كيننغهام كتب تقريراً أرسله إلى لندن في 17 نيسان/أبريل 1948، جاء فيه أن احتلال القرية "ترافق مع كل الاساليب الممكنة للهمجية"، كأنه قرأ تقارير "يفنا".
  • إن حماقة العاملين في مديرية الأمن في المؤسسة الأمنية المتمثلة في إخفاء المادة الجرمية المتعلقة بأعمال الطرد والذبح التي قام بها عناصر الهاغانا وليحي والجيش الإسرائيلي في سنة 1948 صارخة. القصة كلها موجودة ومنشورة منذ سنة 1988 في كتب كثيرة بالعبرية والإنكليزية، بقلمي وبأقلام آخرين، بينها كتب وُضعت بالاستناد إلى هذه الوثائق التي كانت مفتوحة أمام الباحثين والجمهور الواسع. محاولة مكتب الأمن في المؤسسة الأمنية إخفاء المواد هي بمثابة إغلاق الأبواب بعد فرار الخيول. ليس هناك عاقل في العالم يعتقد اليوم أنه لم تحدث أعمال طرد وذبح من الجانب اليهودي في حرب 1948 - التي بدأها العرب في البلد والدول العربية، وكانت في رأيي حرباً دفاعية وعادلة لليشوف اليهودي، قام خلالها العرب أيضاً بمجازر (في حيفا وفي قرية عتسيون) وبأعمال طرد (في الحي اليهودي وفي المدينة القديمة في القدس، على سبيل المثال)، ولو بنسبة أقل.
  • لكن كما يظهر مما كتبته شيزاف، يأمل رؤساء مكتب الأمن، أو أملوا بأنهم بعملهم وعدم القدرة على الوصول إلى المواد الإسرائيلية التي أخفوها، سيثيرون الشكوك حيال عمل، واستنتاجات، وصدقية الباحثين- بينهم كاتب هذه السطور- لدى من يقرأ كتبهم ومقالاتهم.
  • عملوا في مديرية الأمن بصورة كبيرة على وثائق 1948 والسنوات التي تلتها (طرد البدو من النقب في خمسينيات القرن الماضي على سبيل المثال)، وهذا نوع من الأعمال الغبية والإجرامية التي تميز الأنظمة التوتاليتارية.
  • بقي السؤال - من أعطى مسؤول الأمن في المؤسسة الأمنية الصلاحيات، ومن سمح له بحفظ مواد من سنة 1948 لتجميل صورة دولة إسرائيل؟ أريئيل شارون، إيهود أولمرت، أو من المعقول أكثر بنيامين نتنياهو؟ أو أحد مساعديه؟ وهنا يُطرح السؤال متى بالتحديد بدأ مسؤول الأمن في وزارة الدفاع بغربلة مواد لها علاقة بالعرب في البلد، بدلاً من المحاولة (المشروعة) لحفظ مواد تتعلق بالمشروع النووي أو موضوعات استخباراتية؟ سؤال آخر، هل هذه العملية المستمرة هي عملية قانونية؟
  • يحدد قانون الأرشيف في إسرائيل أن الوثائق السياسية يجب أن تصبح مفتوحة للاطلاع بعد مرور 30 عاماً على حفظها، والوثائق العسكرية بعد مرور 50 عاماً - إلّا إذا كان عرضها على الملأ يلحق ضرراً بأمن الدولة أو بعلاقاتها الخارجية. وإذا استمر الحفظ يجب أن يجري ذلك ليس من جانب جهة خفيّة مثل مكتب الأمن، بل من جانب لجنة وزارية خاصة يرأسها وزير العدل، بالتشاور مع أمين أرشيف الدولة. ويجب اتخاذ القرار بشأن وثيقة معينة وليس بصورة جارفة. من المعقول الافتراض أن هذا لم يحدث، ويجب على محامي اتحاد حقوق المواطن (أو أي جميعة أُخرى) أن يرفعوا إلى محكمة العدل العليا ما يفعله مكتب الأمن ومسألة هل لديه الصلاحية ليقوم بما يقوم به.
  • إن الضرر الذي لحق بصورة إسرائيل جرّاء أعمال مكتب الأمن في المؤسسة الأمنية أكبر بكثير من الضرر الذي يمكن أن يلحق بإسرائيل جرّاء الكشف عمّا حدث في سنة 1948 (التي كُشف معظمها قبل عملية "تطهير" الوثائق من جانب مديرية الأمن). ما جرى في سنة 1948 جرى قبل 70 عاماً في حرب صعبة فُرضت على اليهود، بينما أعمال مكتب الأمن تدل على الطابع الظلامي المتزايد لدولة إسرائيل في الوقت الراهن.