مؤتمر البحرين غلاف جديد لصيغة فاشلة سُمّيت مرة "السلام الاقتصادي" وقبلها "شرق أوسط جديد"
تاريخ المقال
المصدر
- المؤتمر الاقتصادي الذي تعتزم الإدارة الأميركية عقده في البحرين الأسبوع المقبل، كخطوة أولى نحو "صفقة القرن"، يحمل عنواناً يبدو، على الورق، أنه يبعث على الأمل ويثير التفاؤل. لكن عند تقشير الغلاف البرّاق، نكتشف أن هذه الصفقة تنطوي على خطر كبير ودامٍ لكل من إسرائيل والفلسطينيين على حد سواء. وشارة التحذير الأوضح في هذا السياق كان يجب أن تظهر أمام كل إسرائيلي وفلسطيني مطّلع على تاريخ الصراع خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، حين أعلن الرئيس الأميركي أن الجزء الأول من خطة السلام سيُدعى "ازدهار للسلام" وسيبدأ بمؤتمر اقتصادي. ليس هذا سوى غلاف جديد للصيغة الفاشلة ذاتها التي سُمّيت مرة "السلام الاقتصادي" وقبلها "شرق أوسط جديد".
- إن محاولة البدء بهذه العملية المعقدة من الزاوية الاقتصادية تحديداً ليست بمثابة خطأ تكتيكي آخر بين أخطاء كثيرة كهذه تميّز جميع محاولات إقامة حوار بين الطرفين منذ اتفاقات أوسلو، بل هي خطأ استراتيجي كارثي. فلو تعمق ترامب وطاقم معاونيه قليلاً في تاريخ المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، لأدركوا أن محاولة قلب ترتيب الأمور والبدء بالحديث عن الاقتصاد قبل ملامسة القضايا الجوهرية في النزاع تشكل صفعة على وجه الفلسطينيين وعدم فهم مطلق لتطلعاتهم الوطنية؛ ذلك أنه لو كان في الإمكان "شراء" الفلسطينيين بعطايا وامتيازات اقتصادية في مقابل التخلي عن طموحاتهم الوطنية، لكان هذا قد حدث منذ زمن بعيد بالتأكيد. وعليه، فالحديث هنا يتعلق بنمط تفكير ليس غير أخلاقي فقط، بل مستحيل التحقق أيضاً.
- كان من الممكن ملاحظة نتائج هذا التفكير الخاطئ منذ أيام أوسلو. فالفجوة بين الاتفاقيتين اللتين جاءتا لتوسيع اتفاقات أوسلو - اتفاقية باريس التي عالجت النواحي الاقتصادية، واتفاقية القاهرة التي عالجت النواحي الأمنية لكنها لم تتطرق إلى القضايا الجوهرية مطلقاً، قد أدت، في نهاية المطاف، إلى فشل أوسلو ثم، لاحقاً في المدى البعيد، إلى اندلاع الانتفاضة الثانية. وهذه الأخيرة لم تنفجر على خلفية أسباب اقتصادية، وإنما لأن الهدف السياسي لم يكن معرَّفاً وواضحاً.
- هذا هو الخطر الأكبر الماثل أمامنا الآن أيضاً. فحقيقة أن ترامب يضع الاقتصاد في الواجهة ويحاول تحريك العملية برمتها من خلاله هو مجرد تكرار للخطأ الجسيم الذي حدث في اتفاقيات أوسلو. لا فائدة من الانطلاق إن لم يكن الهدف النهائي الذي يُراد بلوغه محدداً وواضحاً مسبقاً. هذا الهدف، سواء بالنسبة إلى الفلسطينيين أو إلى إسرائيل، يجب أن يكون واضحاً - إنهاء الاحتلال، إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل في حدود 1967، مع تبادل إلزامي لبعض المناطق. من دون أن يعلن الطرفان، وكذلك الطرف الوسيط، هذا الأمر بكامل الوضوح منذ بداية الطريق، لا فائدة من الانطلاق فيها أصلاً.
- إن الطريق إلى جهنم مرصوفة بالنوايا الطيبة، لكن في حالة خطة ترامب هذه، ليس من الواضح بعد ما إذا كانت هذه النوايا طيبة حقاً أم أنها مجرد وسيلة سياسية - حزبية يضعها الرئيس الأميركي في خدمة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لتمكينه من تحقيق النصر في لعبة الاتهامات اللانهائية وتصوير الفلسطينيين، مرة أُخرى، أنهم رافضون للسلام. لكن هذه الهدية قد تجرّ جميع الأطراف، والمنطقة بأسرها، إلى حالة من التصعيد تكون محصلتها إبعاد أي إمكان لحوار قد يوصل إلى تسوية سياسية سنوات عديدة أُخرى.
لذا يجب على أي إنسان، وعلى أي قائد إسرائيلي طبعاً، يصبو إلى إنهاء النزاع وحماية الأمن الإسرائيلي وتجنّب جولة دموية أُخرى أن يتمنى على ترامب، وربما أن يطلب منه، التراجع والتنازل عن الفكرة الخطرة المتمثلة في: الاقتصاد أولاً. ولذا أيضاً من غير الممكن أن تبقى إدارة المعركة الانتخابية المقبلة على ما هي عليه، كما كانت الحال في سابقتها الأخيرة، كأنها تجري في واقع وهمي متخيَّل ليس فيه فلسطينيون، وأن القائد الإسرائيلي الذي يتهرب من هذه القضية ليس جديراً بالقيادة، بكل بساطة.