المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران - سيناريوهات ودلالات
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • تدور المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، عملياً، على مستويين متقابلين:
  • إظهار قوة ومحاولة للردع- تتمسك الإدارة الأميركية بسياسة استخدام "الحد الأقصى من الضغوط" على إيران؛ وتواصل فرض مزيد من العقوبات (تضمنت مؤخراً الصناعة البتروكيميائية)، وتمارس ضغوطاً على دول متعددة لتطبيق العقوبات التي فُرضت. في المقابل، أرسلت الإدارة رسالة تحذير إلى إيران شملت زيادة قواتها البحرية والجوية في منطقة الخليج. من جهتها، ردت إيران معلنة أنها ستبدأ في قضم التزاماتها في إطار الاتفاق النووي - في مرحلة أولى مراكمة يورانيوم مخصّب بدرجة منخفضة ومياه ثقيلة، وابتداءً من مطلع تموز/يوليو، إمكان تخصيب اليورانيوم على درجة أعلى (20%) وتقليص التعاون في تحويل مفاعل المياه الثقيلة في أراك. وفي موازاة ذلك، ومن دون أن تتحمل مسؤولية علنية، نشطت إيران مباشرة أو بواسطة حلفائها من أجل تجسيد قدرتها على الإيذاء من خلال تخريب ناقلات نفط في ميناء الفجيرة، والمسّ بالبنى التحتية لاستخراج النفط التابعة لشركة "أرامكو" في الأراضي السعودية. صحيح أن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أكد أن الإدارة الأميركية ستقدّم في مجلس الأمن أدلة تؤكد مسؤولية إيران عن التخريب، لكن الإمارات العربية المتحدة والسعودية والنرويج، الذين تضررت سفنهم، اكتفوا بالإشارة ضمنياً إلى إيران (من دون ذكرها)، كمسؤولة عن الهجوم، ومن دون تقديم أدلة.
  • جهود للعثور على قنوات للحوار - الهدف المعلن للرئيس ترامب منذ بداية الخطوات ضد إيران كان وما يزال إجبار طهران على الموافقة على مفاوضات لتحسين الاتفاق. احتمالات وجود قنوات اتصال سرية مع إيران و/أو تبادل رسائل بين الدولتين طُرحت مؤخراً بقوة في وسائل الإعلام الدولية. بين الأطراف التي ذُكرت كوسطاء محتملين هناك سويسرا وألمانيا (مؤخراً زار وزير الخارجية الألماني طهران)، وعُمان (وزير الخارجية العُماني زار واشنطن وطهران) والعراق. ضمن هذا الإطار يُذكر أن رئيس الحكومة اليابانية سيزور طهران (وهذه أول زيارة منذ عدة عقود)، وقيل إنه سيلتقي الزعيم الإيراني علي خامنئي، بعد اجتماعه في طوكيو بالرئيس ترامب الذي طلب منه نقل رسائل إلى إيران.

بالإضافة إلى الجهود التي تبذلها أطراف متعددة لإيجاد قنوات اتصال بين إيران والولايات المتحدة، يواصل الرئيس ترامب قيادة خط معلن يسعى لتهدئة التوتر والتخفيف منه، من خلال التوضيح أن الولايات المتحدة "لا تريد تغيير النظام في طهران".

صحيح أن الزعيم الإيراني عاد وكرر إصرار إيران على عدم التفاوض مع الولايات المتحدة، لكن في الوقت عينه قال في رسالة أكثر تصالحية إن إيران ستوافق على التحاورمع أي جهة أُخرى " بمن فيهم الأوروبيون". من جهته، أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى أن إيران ستوافق على الحوار إذا احترمت الولايات المتحدة الاتفاق النووي ورفعت العقوبات.

سيناريوهات محتملة

  • في هذه النقطة الزمنية، وبالاستناد إلى التقدير أن إيران ليست معنية بـ"تحطيم كل الأواني"، يمكن أن يتطور واحد من السيناريوهات الأساسية التالية. وكل واحد منها يمكن أن يؤدي إلى تصعيد التوتر في منطقة الخليج:
  • استمرار تآكل تدريجي وحذر(ولزمن ما) في الالتزامات الإيرانية المنصوص عليها في الاتفاق، مع التشديد على العودة إلى تخصيب اليورانيوم (بما فيه على درجة 20%)؛ تشديد الإدارة الأميركية في تطبيق العقوبات ومن المعقول زيادتها، على أمل بأن تدفع إيران في النهاية إلى طاولة المفاوضات. من المعقول أيضاً أن يقوم الشركاء الأوروبيون بإرسال رسائل إلى إيران بأنهم أيضاً مضطرون إلى الانضمام إلى مسعى الضغوط.
  • انسحاب سريع لإيران من تعهداتها بما في ذلك الانسحاب من تطبيق البروتوكول الإضافي المتعلق بالوكالة الدولية للطاقة النووية وتقليص كبير في التعاون مع الوكالة – في مثل هذا السيناريو من المتوقع رد غير موحد من جانب المجتمع الدولي. من المعقول الافتراض أن دولاً أوروبية سترى في الوضع الجديد خطراً، وسيكون الخيار الوحيد المتاح أمامها، على ما يبدو، الانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض العقوبات على إيران. لكن في المقابل، سيكون هناك من سيظهر "تفهماً" لدوافع إيران، وعلى رأس هذه الدول روسيا والصين، وما دامت إيران باقية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية وفي إطار NPT، فإنها ستفضل الاستمرار في علاقاتها معها.
  • عودة إلى مفاوضات جديدة مع إدارة ترامب. هذا السيناريو يمكن أن يتطور مع أحد السيناريوهين المذكورين أعلاه. وهذا هو المسار المفضل بالنسبة إلى الولايات المتحدة ويمكن الافتراض أنه في الرسائل (السرية) التي تنقلها الولايات المتحدة إلى إيران، هي لا تتحدث بالتفصيل عن أهدافها النهائية في المفاوضات. إعلان وزير الخارجية مايك بومبيو أن الإدارة لا تضع شروطاً مسبقة على استئناف المفاوضات، لا يلغي المطالب الـ12 التي وضعها هو نفسه كشرط لرفع العقوبات، لكن بالتأكيد لا يتعهد بأن الإدارة ستتمسك بها للتوصل إلى اتفاق جديد. من جهته، يشدد الرئيس ترامب في كلامه العلني في الأساس على الحاجة إلى ضمان عدم قدرة إيران على الحصول على سلاح نووي.

انعكاسات

  • على الرغم من التوترات بينهما، يبدو أن الولايات المتحدة وإيران غير معنيتين بالتدهور، والخوف من وقوع خطأ في الحسابات دفعهما إلى إظهار الحذر وبذل الجهود لضمان عدم انزلاق الخطوات التي قاما بها إلى صدام واسع بينهما. الإدارة الأميركية، وخصوصاً الرئيس ترامب، يُظهران منذ الآن قدراً معيناً من الإحباط بسبب عدم نجاحهما في تحويل العقوبات إلى مسار دبلوماسي يثمر عن نتائج. قرار إيران العودة إلى نشاطاتها النووية سيضع الإدارة الأميركية أمام معضلة بشأن ردودها. في أي حال، المنطق الذي عملت على أساسه الإدارة حتى الآن لم يتضمن الحاجة إلى ردود عسكرية. وعلى الرغم من أنه من وقت إلى آخر يرِد ذكر هذا الأمر في التصريحات، يبدو على الأقل أنه بالنسبة إلى الرئيس ترامب المقصود هو من قبيل رفع العتب عنه، وهو ليس معنياً فعلاً بذلك. قبيل نهاية سنة 2019، ستدخل المنظومة السياسية الأميركية في سنة انتخابات رئاسية، وهي من دون شك لن تسمح للإدارة أن تختار خياراً متطرفاً هو موضع خلاف.
  • من هنا الانطباع أنه إلى جانب الضغوط التي تمارسها إيران والولايات المتحدة على بعضهما، تجري في المقابل عملية تبادل رسائل بشأن شروط المفاوضات. ويمكن ملاحظة مؤشرات بسيطة تدل على إمكان أن توافق إيران على مفاوضات أولية - إذا سمحت لها الولايات المتحدة ببيع النفط. مجرد وجود المفاوضات يمكن أن يؤدي إلى تقليص الضغط على إيران؛ وجميع الأطراف الدولية المعارضة للعقوبات الأميركية ستفرح  بالعودة إلى وضع كأن "الأمور كالمعتاد" مع إيران؛ وفي الإدارة الأميركية ستزداد المصلحة في تحقيق اتفاق أفضل من ذلك الذي حققه أوباما، وتأكيد أن الاتهامات الموجهة إلى أوباما بأنه كان متساهلاً جداً وأدى إلى "أسوأ اتفاق في العالم" كانت صحيحة.

يتعين على إسرائيل أن تأخذ في حسابها وجود فجوات محتملة بين مصلحتها والمصلحة الأميركية، وحقيقة أن هامش المناورة للإدارة الأميركية أوسع من هامشها، وأن الأهداف التي سيضعها الرئيس ترامب لكل واحد من السيناريوهات، وخصوصاً إذا بدأت مفاوضات بين واشنطن وطهران، يمكن أن تكون مختلفة عن تلك التي ترغب فيها إسرائيل. على هذه الخلفية من المهم إجراء حوار استراتيجي شامل مع الولايات المتحدة على كل المستويات، وسيكون التحدي المركزي لإسرائيل هو أن تتحدث الإدارة الأميركية بصوت واحد، وأن تستجيب السياسة التي تتبلور ويجري المضي بها قدماً حيال إيران لمصالح الدولتين.