ثرثرة اقتصادية اسمها "صفقة القرن"
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
  •  

    • منذ أكثر من سنة يحلّق في أجواء الشرق الأوسط البالون المسمّى "صفقة القرن" بين إسرائيل والفلسطينيين. هذه الخطة هي خليط من خداع وتخبط، ومؤخراً تغلب الخداع وتحت صيحات انتصار جرى عرض "المرحلة الأولى" من الصفقة – "سلام اقتصادي" برعاية مؤتمر اقتصادي في البحرين. سلام اقتصادي، ثرثرة اقتصادية؟
    • السلام السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين هو شرط أساسي لـ"سلام اقتصادي": والأخير لا يمكن أن يحدث ولن يحدث من دون الأول. لقد جرى تجريب ذلك مرات عديدة، وفشل. الاتفاق الاقتصادي الموقت على توحيد المكوس والضرائب بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وُقِّع بعد مضي عام فقط على توقيع اتفاقات أوسلو، ولم يتحول منذ ذلك الحين إلى وثيقة سلام اقتصادي فعلي، لأن التسوية السياسية الموقتة لهذه الاتفاقات لم تتحول إلى سلام حقيقي. البنك الدولي ومجموعة المانحين والمستثمرين قدموا خططاً تفصيلية لتطوير زراعة فلسطينية متطورة في مناطق المستوطنات التي أُخليت في غزة، لكن في المستنبتات الزجاجية المهجورة، تمركزت فوراً كتائب "حماس".
    • ما هو التبرير الاقتصادي لضم المناطق، المطروح على جدول الأعمال في الائتلاف الجديد (إذا تشكل) إذا كان يكلف الاقتصاد عشرات مليارات الشيكلات؟
    • من التاريخ الصعب للعلاقات بين اليهود والعرب يُستنتج أن مصطلح "سلام اقتصادي" هو اختراع من دون مضمون، وهو ذريعة للتهرب من قرارات سياسية وقومية. لقد فهم بيل كلينتون ذلك جيداً، عندما كتب في نهاية ولايته صيغة السلام المعروفة بالوثيقة المخصصة لترتيب العلاقات بين إسرائيل وفلسطين. البعد الاقتصادي في "صيغة كلينتون " كان ثانوياً، وباهتاً  ومقلصاً مقارنة بالبعد القومي - الديني.
    • لكن ترامب ثابت في كرهه كل ما يمت بصلة إلى عائلة كلينتون. ولديه رأي صارم عن الفلسطينيين، عبّر عنه أمام أسماع المقربين منه: هو لا يرى فيهم أمة تستحق دولة مستقلة. هو يرى أنهم مجموعة إثنية عربية ربما تستحق حكماً ذاتياً مطوراً. بناء على ذلك، فإن الهدف من سلامه الاقتصادي هو تسهيل بلعهم الحبة المُرة التي ستقضي على تطلعاتهم الوطنية نحو الاستقلال. في الجهود التي يبذلها لعقد مؤتمر مستثمرين محتملين في السلطة الفلسطينية، لا يريد ترامب شراء الفلسطينيين، بل شراء سكوتهم. ويريد أن يدفع (من أموال دول الخليج) في مقابل قبولهم. وهو يقول إنه يتصرف هنا كرجل أعمال لديه خبرة، وكاقتصادي موثوق به.
    • لكن هذا ليس صحيحاً. الاقتصاديون لا يعتقدون بأسبقية الاعتبار الاقتصادي وتقدّمه في سلوك الشعوب والحكومات والدول. الاقتصاد خاضع للسياسة، وللإيديولوجيا والسلطة والمشاعر الوطنية. والأدلة على ذلك نجدها بوفرة كيفما التفتنا. لو كان الاعتبار الاقتصادي يتقدم على غيره من الاعتبارات لما كانت نشبت حروب، ولما كانت انتشرت وجهات نظر عالمية متطرفة، ولما كان هناك جوع على وجه الأرض.
    • دليل راهن: الأغلبية النسبية من الجمهور البريطاني صوتت في الاستفتاء العام مع الخروج من الاتحاد الأوروبي على الرغم من الضرر الاقتصادي الذي لن يمسّ كل طبقة من طبقات المجتمع البريطاني. التدخل الروسي في الحرب الأهلية في سورية لم يكن بالتأكيد بدافع اقتصادي: لقد كلف الاقتصاد الروسي ركوداً وعقوبات وانخفاضاً حاداً في مستوى المعيشة. إسقاط صدام حسين لا يمكن أن نعزوه إلى أسباب اقتصادية: لقد كلّف دافع الضرائب الأميركية عدة ترليونات من الدولارات. فنزويلا بلد غني بالنفط - لكن الطغيان السياسي جلب لها كارثة.
    • إذا جرى تغليف قرار سياسي مركزي بذريعة اقتصادية، ففي أكثر الأحيان يكون هذا خطأ. ج.م. كينز، والد الاقتصاد المعاصر، سبق أن نبّه أن الحكام يتأثرون بسهولة  من همس المشعوذين الاقتصاديين المتنكرين  بصورة خبراء. في حالة الرئيس ترامب، الهمس لا ضرورة له. فهو مشعوذ اقتصادي كبير بحد ذاته. يجب علينا أن نحذر من أن نصبح ضحية أخطائه.