الفقراء لم يصوتوا لليكود
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

– الموقع الإلكتروني
  • ثمة نظرية تتكرر في الآونة الأخيرة يبذل أصحابها جهوداً ملحوظة في محاولات تفسير أسباب "تصويت الفقراء لليكود" في الانتخابات الأخيرة. هذه نظرية إشكالية، لأنها تحاول تفسير ظاهرة غير موجودة. فالفقراء في إسرائيل لم يصوتوا لليكود. والطبقة الوسطى الميسورة الحال التي تحسنت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بصورة مذهلة خلال العقد المنصرم، هي التي صوتت لليكود. الفقراء صوتوا لحزبيْ اليهود الحريديم يهدوت هتوراه وشاس، ولأحزاب عربية (في حال كلفوا أنفسهم عناء الوصول إلى صناديق الاقتراع والتصويت). لماذا يصوت الحريديم الفقراء لمصلحة حزبين يبذل رئيساهما كل ما في وسعهما كي يبقى المصوتون لهم في دائرة الفقر؟ إنه سؤال سوسيولوجي مثير، لن أحاول الإجابة عنه. أمّا السؤال السابق، لماذا صوّت الفقراء لمصلحة الليكود، فلا حاجة للإجابة عنه، كونه سؤالاً باطلاً في أصل صياغته.
  • يستخدم المتمسكون بنظرية العلاقة بين الفقر والتصويت لحزب الليكود بلدات مثل سديروت [جنوب إسرائيل] وكريات شمونه [شمال إسرائيل] وبلدات نائية أُخرى للنمذجة على نظريتهم. يبدو أن أقدامهم لم تطأ تلك البلدات منذ زمن طويل. فسديروت على الرغم من المواجهات مع حركة "حماس"، هي مدينة تشهد ازدهاراً كبيراً. وفي كريات شمونه دشن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مؤخراً مركزاً طبياً تعتبره أغلبية السكان إنجازاً وتطوراً، حتى أنهم أبدوا تعاطفاً مع الملاحظة التي وجهها إلى إحدى نساء المدينة حين قاطعته خلال الاحتفال قائلاً لها "إنك مملة".
  • وتبدو مستهجنة بصورة خاصة النظريات التي تربط ما بين الفقر و"المشرقية" والليكود، ذلك بأن الليكود انتخب هذه السنة قائمة مرشحين يتصدرها أشخاص غير "شرقيين" وغير فقراء بالتأكيد. وهؤلاء، في نظر المصوتين لليكود والأحزاب التي تدور في فلكه، هم القادرون على الاهتمام برفاهيتهم وتقدمهم كما فعلوا في رأي المصوتين خلال العقد الفائت. لذلك حظي هؤلاء المرشحون بثقتهم، لأنهم يريدون استمرار السياسة القائمة. كان هذا اختياراً عقلانياً ومنطقياً يجسد مصالح المصوتين الطبقية.
  • إن الذين صوتوا في هذه الانتخابات بدوافع عاطفية هم مؤيدو تحالف "أزرق أبيض" بالذات. هؤلاء لم يطالبوا رؤساء ومرشحي قائمتهم الانتخابية بتقديم برنامج سياسي ـ قومي مفصل كي يستطيعوا قراءته والتمعن فيه واتخاذ قرارهم: هل يدعمونه أم لا؟ بل إنهم لم يطلبوا منهم حتى تقديم برنامج اقتصادي متكامل، ولم يطلبوا منهم أيضاً برنامجاً يقوم على معطيات الواقع الراهن لتطوير البنى التحتية. لقد اكتفى هؤلاء بالإصغاء لشعار ونداء المعركة "إلاّ بيبي [نتنياهو]"، كي يُسقطوا في صناديق الاقتراع الورقة الملائمة. وتصويتهم هذا كان بدوافع عاطفية.
  • يمكن الادعاء أن التصويت لتحالف "أزرق أبيض" كان أيضاً تعبيراً عن شعور بالقلق لدى المصوتين حيال وضع الديمقراطية الإسرائيلية، وخصوصاً حيال الحاجة الماسة إلى تعزيز جهاز القضاء والعدالة في مواجهة الهجمات التي يشنها عليه نتنياهو والمقربون منه. أي أن التصويت لتحالف "أزرق أبيض" لم يكن عاطفياً ولا عقلانياً وإنما من قلب متألم. إنه توصيف دقيق تماماً، لكنه يضيع الجوهر والأساس.
  • يمكن اعتبار نتائج انتخابات 2019 نوعاً من التبرئة لنتنياهو من جانب أغلبية هيئة المحلفين الأكبر، أي الجمهور الواسع. هذه الأغلبية غير قابلة للشطب ولا يمكن تجاهلها بادعاء أنها تتألف من "الفقراء المأسورين" بسحر نتنياهو.
  • قد تشهد الثقة بأجهزة وهيئات تطبيق القانون تغيراً سريعاً، طبقاً لموضوع التطبيق المعني. مثلاً: ينتفض اليسار السياسي ضد قرارات المحاكم التي تجيز الاستيلاء على أراضٍ في الضفة الغربية، بينما يثور اليمين ضد قرارات تفرض قيوداً على الاستيلاء على أراض في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. وأثار إغلاق ملفات التحقيق ضد [رئيس الحكومة السابق] أريئيل شارون غضب اليمين، بينما أثار إغلاق ملفات التحقيق ضد أفيغدور ليبرمان غضب اليسار.

إن التعامل السياسي مع القرارات القضائية هو أمر شائع ظاهرياً. ولذا كان يتعين على من أراد إقامة سور شاهق للفصل بين الرأي العام الذي ينتخب وبين رأي القضاة المهنيين أن يمتنع من نشر لائحة الشبهات [ضد نتنياهو] قبل الانتخابات. فقد تسبّب نشر تلك الشبهات بوضعها للحكم أمام ملايين الناخبين الذين لم يجد معظمهم من المناسب الحكم بأن الشبهات خطرة ومثبتة بما يكفي لعزل نتنياهو ومنعه من ولاية أُخرى في رئاسة الحكومة. ولم يكن قرار هؤلاء الناخبين عاطفياً وإنما كان قراراً واعياً، عقلانياً، شرعياً ومستنداً إلى تفسير جدي للائحة الشبهات، بل يمكن القول إنه ليس أقل جدية وتماسكاً وتعليلاً من التفسير المضاد الذي قدمه المعسكر السياسي المقابل.