معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- في الأشهر الأخيرة وقعت ثلاث حوادث إطلاق صواريخ بعيدة المدى من قطاع غزة على المراكز السكنية في عمق إسرائيل: في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2018، أُطلق صاروخ نحو بئر السبع أصاب مباشرة منزلاً سكنياً؛ وفي 14 آذار/مارس 2019، أُطلق صاروخان نحو غوش دان لم يوقعا أضراراً؛ وفي 25 آذار/مارس، أصاب صاروخ منزلاً في موشاف مشميرت، ما أدى إلى جرح ستة أشخاص. هدف هذا المقال هو التركيز على الدلالات الأساسية لهذه الحوادث التي تتعلق بالجبهة المدنية، كأساس لاستخلاص الدروس المنهجية التي تسمح بالدفع قدماً بردود على إطلاق الصواريخ المنحنية المسار على المناطق المدنية.
- التحدي: إطلاق صواريخ مفردة بعيداً عن الغلاف القريب من قطاع غزة يمكن أن يُفسَّر كرسالة من "حماس" بأنها مستعدة لتوجيه ضربة قاسية إلى عمق أراضي إسرائيل أيضاً خارج إطار مواجهة واسعة النطاق للضغط على حكومة إسرائيل كي تستجيب لمطالبها. يجب أن نأخذ في الاعتبار أن مثل هذا الأمر قد يتكرر في المستقبل، وقد تكون نتائجه أكثر خطراً وتفرض رداً إسرائيلياً قاسياً إذا وقع هجوم مباشر نتج عنه قتلى، على الرغم من أن قدرة دقة السلاح الصاروخي المنحني المسار الذي تملكه "حماس" ليست عالية.
- أهمية الدفاع السلبي: في هذه الظروف تتأكد مجدداً أهمية الدفاع المادي، في الأساس الملاجىء الموجودة، التي تُعتبر حرفياً منقذة للحياة. نذكر أن قيادة الجبهة الداخلية طورت ونفّذت في الفترة الأخيرة نظام إنذار حديث يقسم الدولة إلى 250 منطقة إنذار (سيصل هذا العدد في المستقبل إلى 1800)، الأمر الذي يسمح بنشر إنذار موثوق به على مستوى التجمع السكاني المنعزل بأساليب متعددة. يسمح النظام الجديد بالاستمرار في الحياة الطبيعية في المناطق غير المعرّضة للتهديد ويرفع من مستوى الانصياع المدني لتوجيهات قيادة الجبهة الداخلية. لقد وظفت دولة إسرائيل (ومواطنوها) مبالغ كبيرة في الدفاع المادي وفي وسائل تقديم المساعدة، مع توجّه معظم الاهتمام نحو "غلاف غزة". الدرس من إطلاق النار على عمق الدولة هو ضرورة القيام بتنفيذ الخطط الموجودة لتحسين الدفاع العام والفردي أيضاً في مناطق إضافية في إسرائيل، لأن إلحاق ضرر خطِر بالمستوى المدني سيخلق ضغطاً كبيراً على حكومة إسرائيل كلها وسيقلص من هامش وأهمية المناورة السياسية في مواجهة الذين يقومون بإطلاق النار في "حماس" وفي حزب الله.
ج- حدود الدفاع الفعال: أثبتت "القبة الحديدية" أنها أداة فعالة لإنقاذ الأرواح، وأنها تحسن أيضاً هامش المناورة لدى متخذي القرارات في إسرائيل. مع ذلك، من الواضح أن عدد البطاريات المتوفرة (جزء منها تشغله طواقم من الاحتياطيين) لا يقدم رداً كافياً على التهديد، حتى لو كان المقصود الرد على إطلاق متقطع على عمق إسرائيل. في ظروف مواجهة شاملة تفرض أيضاً تغطية منظومة البطاريات منشآت عسكرية وبنى تحتية وطنية حيوية، فإن الدفاع عن السكان المدنيين لن يكون كافياً. الدرس واضح: يجب زيادة عدد القوات كي تقدم رداً على التهديد، جنباً إلى جنب مع الردود المكملة.
د- صلاحيات ومسؤوليات إزاء الجمهور المدني: تأكد مجدداً عدم وجود تنظيم مدعوم قانونياً يتعلق بمسؤولية وصلاحية طريقة عمل أجهزة السلطات المدنية في ظروف تهديد وهجوم. هذا التنظيم مطلوب أيضاً على المستوى الوطني، بشأن توزيع المهات بين قيادة المنطقة الداخلية وبين سلطة الطوارىء الوطنية (التي تقرر تشكيلها، على ما يبدو، من قبل لجنة مدنية في أيار/مايو 2018، وتبناها وزير الدفاع، لكنها لم تُنفّذ بصورة كاملة) وأيضاً بشأن صلاحية كل منهما حيال جهات حكومة ومدنية. إذا كانت الأجهزة في "غلاف غزة" لديها خبرة بشأن السلوك المطلوب في وقت الطوارىء، فإن حيرة واضطراب السلطات المحلية التي لم تختبر منذ وقت طويل مثل هذا النوع من الحوادث، يمكن أن يكونا خطِرين. تتطلب أوقات الطوارىء تعاوناً وثيقاً ومتناسقاً ومدرباً بين الجهات المتعددة المسؤولة عن إدارة الطوارىء. لقد طُرحت في الآونة الأخيرة تساؤلات مثل من المسؤول عن إغلاق مؤسسات التعليم أو فتح الملاجىء العامة، وهي موضوعات ما تزال في قيد الجدل بين قيادة الجبهة الداخلية وبين رؤساء السلطات المحلية. تميل هذه الأخيرة إلى أن تكون متشددة بصورة عامة في مقاربتها هذه الموضوعات من دون معرفة الصورة الاقتصادية بالكامل والمخاطر المترتبة عليها، في الأساس بالنسبة إلى استمرارية العمل المدني. لقد جرى إقرار صلاحيات قيادة الجبهة الداخلية في هذا المجال من جانب الحكومة في سنة 2012، لكن الموضوع ما يزال مفتوحاً. الدرس هو أنه يجب تحديد كيفية العمل في الجبهة المدنية قانونياً قبل وفي أثناء وما بعد حوادث حربية، لضمان الأداء الأفضل لجميع العناصر التي لها علاقة بإدارة أوقات الطوارىء.
ه- تحدي المناعة الاجتماعية: الرد المباشر للمواطنين والجهات المسؤولة عن الرد الأوّلي على الأحداث الأخيرة كان عالياً. في حادثة القصف على مشميرت اتخذ المجلس المدني قراراً باستمرار الدراسة في المدارس المحلية بعد أقل من ساعة على وقوع الحادثة، وكان معدل التلامذة الذين حضروا إلى المدارس مرتفعاً جداً. يدل هذا السلوك على عودة سريعة إلى الحياة الطبيعية التي تُعتبر من مؤشرات الحصانة الاجتماعية في مواجهة اضطراب أمني مفاجىء ومقلق. الدرس من ذلك هو أنه من المهم أن تستعد السلطات المحلية في عمق إسرائيل لمواجهة سيناريوهات مشابهة وأقسى منها، في إطار مواجهات واسعة تتضمن أيضاً إطلاق نار كثيف ومتكرر لزمن طويل للصواريخ والقذائف على مراكز سكانية مدنية. هذا بالإضافة إلى أن وقوع خسائر كبيرة في الأرواح يمكن أن تشكل تحدياً كبيراً للحصانة الاجتماعية في مواجهة مستمرة (عملية "الجرف الصامد" استمرت أكثر من 7 أسابيع). في مواجهة هذه السيناريوهات المطلوب إعداد دقيق ومتواصل سواء بالنسبة إلى إعداد السلطات المسؤولة عن الطوارىء في الجبهة المدنية أم المواطنين أنفسهم الذين يمتنعون، في الغالب، من المشاركة في تمارين على حالات الطوارىء. جزء مهم من الإعداد المطلوب يتعلق بتزويد المواطنين بمستجدات مكونات التهديد وأهميتها بالنسبة إليهم، الأمر الذي لا يجري الآن بصورة كافية.
- في الخلاصة، من المنتظر أن تتعرض الجبهة المدنية لتحديات كبيرة في أي مواجهة مستقبلية مع "حماس" أو - مع حزب الله. تشير الحوادث الأخيرة في عمق أراضي إسرائيل إلى الخطر الكبير الذي ينطوي عليه تعطُّل عمل المنظومات جرّاء هجمات صواريخ منحنية المسار على مجال مدني في أثناء مواجهة شاملة ومستمرة، مع خطر وقوع أحداث خطرة بموازاتها، وهذا يفرض عبئاً يشكل تحدياً لمنظومات الرد. لقد نجحت إسرائيل في بناء عقيدة نظرية صحيحة لردّ وطني على مثل هذا التحدي المعقد، يمزج أساليب عسكرية حربية هجومية ودفاعية معاً، مع آليات رد مدنية. مع ذلك المشكلة التي برزت في جولات القتال الماضية أن هذه العقيدة تنفَّذ جزئياً فقط. وما يزال ينقص حتى الآن المجال المدني، في الأساس، توظيف موارد، وبناء منظومات، وتعزيز استعداد السلطات المحلية.
- تذكير في هذا الشأن جاء من التقرير الأخير لمراقب الدولة الذي تطرق إلى فجوات ونواقص في مجال الإغاثة والإنقاذ. على المستوى المبدئي المقصود ليس فقط إنقاذ الأرواح بل بناء قدرة رد، والتعافي السريع من الحوادث الأمنية التي تقع على الجبهة المدنية، مما يسمح للحكومة باتخاذ قرارات حكيمة في ظروف من الضغوط - الخارجية والداخلية - القاسية.