عوائق تعترض الدفع قدماً بالأهداف الاستراتيجية لدولة إسرائيل: رؤى أساسية من المؤتمر الدولي السنوي الـ12 لمعهد دراسات الأمن القومي
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

[الجزء الثاني والأخير] 

التحديات الاستراتيجية الأساسية:

إيران، الساحة الشمالية، والساحة الفلسطينية

  • في النقطة الزمنية الحالية، أكثر من أي وقت في السنوات الماضية، وفي أعقاب التطورات الإقليمية والعالمية التي حدثت في السنوات الأخيرة، يبدو أن إسرائيل تقف وحدها أمام التحديين الاستراتيجيين الأساسيين اللذين تواجههما: النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتمركُز إيران في الساحة الشمالية.
  • ليس لدى إسرائيل اليوم رؤية واضحة، خفية أو علنية، فيما يتعلق بمسألة جوهرية من منظور مستقبلي: انفصال - سياسي، جغرافي وديموغرافي عن الفلسطينيين، على أساس تسوية تقسيم البلد، أو ضم يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وتحمُّل مسؤولية نحو 2.5 مليون فلسطيني. لا يبدو أن "صفقة القرن" للرئيس ترامب تحمل بشرى، بمعنى أنها ستكون جذابة لإسرائيل، وللفلسطينيين أو للطرفين، وإذا لم تحدث مفاجأة، فإنها لا تقدم حلاً. بناء على ذلك، من الأصح أن نتبنى استراتيجيا تسمح بمرونة وملاءمات بحسب التطورات والظروف القاهرة والقيود التي تنطوي عليها مجموعة متنوعة من سيناريوهات محتملة.
  • لقد ركز المخطط الاستراتيجي للساحة الإسرائيلية - الفلسطينية، كما عرضه معهد دراسات الأمن القومي، على السبيل الواجب انتهاجه لفتح الطريق نحو الانفصال عن الفلسطينيين، ومنع الانزلاق (عن قصد، أو من تقصّي الدلالات) نحو واقع الدولة الواحدة، والمحافظة على القدرة على الدفع مستقبلاً بتسويات سياسية، وبهذه الطريقة المساعدة على تحصين إسرائيل كدولة يهودية، ديمقراطية، آمنة وأخلاقية.
  • وحتى في الساحة الشمالية، للعمل السياسي دور حيوي. إيران ليست في وارد التخلي عن هدفين استراتيجيين مركزيين - قدرة نووية ونفوذ إقليمي - لكن من المتوقع أن تعمل على تكييف خططها وطريقة تحقيقها وفق الواقع الإقليمي والدولي المتغير، وربما يدفعها هذا التكيف إلى تأجيل تحقيقهما. من هنا لن تُخرج إيران طوعاً قواتها والتنظيمات الدائرة في فلكها من سورية. لقد وظفت في سورية موارد كثيرة وهي لن تتخلى عن إنجازاتها في أراضي تلك الدولة التي تحتل مكاناً مركزياً في مقاربتها لنفوذها الإقليمي، وخصوصاً في تحصين الذراع الشيعية الغربية. لهذا الغرض تنشر إيران شبكة أدوات تتضمن: قوات - محلية وأجنبية - تساعد حالياً بشار الأسد على ترسيخ حكمه في سورية من جديد ويمكن استخدامها (أيضاً) ضد إسرائيل، عندما تخدم خطوة في هذا الاتجاه المصلحة الإيرانية؛ وتعمل إيران على تشييع مناطق في سورية، لديها فيها مصالح استراتيجية، مثل الحدود السورية- اللبنانية، وتقوم بتشغيل أجهزة تعليم وتثقيف من أجل نشر أفكارها وسط جماهير متعددة في سورية. ومن خلال هذه الخطوات تحصن إيران نفوذها لوقت طويل، وهي تعمل ببطء وإصرار، وفي الوقت عينه تحرص على إرضاء نظام الأسد وعدم تحدّيه أكثر من اللزوم.
  • لا يمكن لجم التمركز الإيراني في سورية من خلال عمليات عسكرية فقط، بل المطلوب عمليات سياسية. روسيا هي العنوان المركزي لذلك، وهي بدورها ترى نفسها كعنصر توازن بين القوات بما يتلاءم مع مصالحها. بالاستناد إلى هذا التقدير، يجب على إسرائيل تشجيع عمليات مكملة تركز في الأساس على روسيا، وأيضاً على نظام الأسد، لإقناعهما بأن مواصلة بناء المواقع الإيرانية في سورية ستضر بنظام الأسد وبقدرته على جعل الوضع مستقراً في سورية والبدء بعملية إعادة بنائها. تستطيع إسرائيل أيضاً بلورة تحالف مع دول عربية سنية براغماتية، تكون مستعدة لتوظيف موارد في إعادة بناء سورية شرط إبعاد إيران وتأثيرها من هناك. يجب التشديد على أن المعركة بين الحروب التي تخوضها إسرائيل ضد التمركز الإيراني في سورية يمكن أن تخلق أوضاعاً – مثل المس بقوات روسية أو المس بشدة بنظام الأسد - من شأنها أن تؤدي إلى تغيير موقف روسيا من إسرائيل، ومن عملياتها في سورية، وإلى خطوات حازمة من جانبها في اتجاه إغلاق الباب أمام النشاط الجوي الإسرائيلي في أجواء سورية.
  • إن السبيل إلى تحسين وضع إسرائيل الاستراتيجي هو من خلال الدفع قدماُ بمكانتها الإقليمية، في ضوء تطابق المصالح مع دول عربية سنية مركزية، في الأساس من أجل لجم النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة.
  • مفتاح ذلك هو حدوث انعطافة في العملية السياسية مع الفلسطينيين. وحدوث تطورات إيجابية في هذا الاتجاه ستكون في الواقع مهمة، ليس فقط بالنسبة إلى الساحة نفسها، بل في المقابل أيضاً ستساعد إسرائيل على مواجهة التحديات الاستراتيجية المركزية التي تواجهها. توجُّه الولايات المتحدة العام نحو الابتعاد عن الشرق الأوسط يؤسس التقدير بأن إسرائيل قادرة على تحصين وضعها الإقليمي إذا أخذت على عاتقها، بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، أدواراً إقليمية تشجع على الاستقرار، مثل تلك التي كانت تقوم بها الولايات المتحدة.