عوائق تعترض الدفع قدماً بالأهداف الاستراتيجية لدولة إسرائيل: رؤى أساسية من المؤتمر الدولي السنوي الـ12 لمعهد دراسات الأمن القومي
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

[الجزء الأول] 

يشير تقدير وضع الأمن القومي لإسرائيل في مطلع سنة 2019 إلى قوة عسكرية واستخباراتية وتكنولوجية واقتصادية رائعة. لكن في الوقت عينه، تبرز مخاطر اندلاع اشتباكات عسكرية في عدد من الجبهات، وتبرز أيضاً محدودية السياسة الحالية التي تركز على العمل العسكري، لكن تفتقر إلى الإصرار على خلق فرص سياسية. في أغلب مجالات الأمن القومي، باستثناء منع التمركز الإيراني في سورية وتهريب السلاح إلى حزب الله، فضلت إسرائيل المحافظة على الوضع القائم (الستاتيكو) مقابل اختيار مقاربة فعالة تساعد على الدفع قدماً بالأهداف الاستراتيجية القومية. الرؤى التي نعرضها، والتي تتطرق إلى الواقع المحلي والإقليمي والدولي في إطار الأمن القومي، هي الرئيسية التي طُرحت  في الحوار الذي جرى في أثناء المؤتمر الدولي السنوي الذي عقده معهد دراسات الأمن القومي في 28-29 كانون الثاني/يناير 2019، وشارك فيه عشرات المتحدثين من إسرائيل والعالم.

حقبة الاستقطاب

  • في مجموعة واسعة من الساحات ومن الأبعاد، هناك واقع تتعايش فيه جنباً إلى جنب مكونات متعارضة تخلق ازدواجيات وتعقيدات بنيوية. ازدواجية الحوار هذه يساهم في خلقها إلى حد بعيد الحوار الدائر أساساً في وسائل التواصل الاجتماعي الذي يمتاز برسائل قصيرة تُظهر مواقف قطبية. وكلما ازدادت حدة الفجوات بين المواقف المتعارضة، كلما كان من الصعب على إسرائيل تحديد أهدافها الاستراتيجية وتحقيقها. فيما يلي العوائق الاستراتيجية:
  • المعركة بين الحروب: ثمة شك في أن النجاح العسكري الذي حققته إسرائيل في خوض "المعركة بين الحروب" في الساحة الشمالية قد حقق الهدف الاستراتيجي وهو إبعاد إيران عن سورية ووقف تهريب السلاح المتطور إلى حزب الله. ويعود هذا إلى امتناع المستوى السياسي من تحريك عملية سياسية مكملة على أساس هذه المعركة.
  • المحافظة على الردع: إسرائيل وأعداؤها - إيران، حزب الله، وحتى "حماس"- لا يرغبون في الحرب. جرت المحافظة على الردع المتبادل - على الرغم من التصريحات التهديدية للناطقين بلسان إيران وحزب الله و"حماس"، بالإضافة إلى تخلّي إسرائيل عن سياسة الغموض فيما يتعلق بالهجمات في الساحة الشمالية، جميع الأطراف يريدون البقاء تحت عتبة الحرب. مع ذلك، سباق التسلح والتمركز العسكري لإيران والتنظيمات الدائرة في فلكها وحزب الله في الساحة الشمالية يزداد ويتسبب بوقوع حوادث تهدد بتعريض الوضع لازدياد خطر التصعيد والمواجهات. وهكذا هو تأثير الوضع الإنساني الصعب في قطاع غزة ومحاولات "حماس" تحويل الضغط الذي يُمارس عليها نحو إسرائيل.
  • توجّه الولايات المتحدة نحو الخروج من سورية: التناقض البارز، وخصوصاً في سياسة الرئيس ترامب، فمن جهة يحارب ترامب من أجل مكانة الولايات المتحدة كقوة عالمية رائدة، ومن جهة أُخرى، يدمر مبادىء النظام العالمي، ويُلحق الضرر بتحالفات كانت أحد أسس قوة الولايات المتحدة (ويتخلى عن الشرق الأوسط للهيمنة الروسية). من أجل تحقيق هدف إسرائيل المركزي - لجم التمركز الإيراني في سورية، وإخراج إيران من هناك - ثمة حاجة إلى تدخّل أميركي، مثل قطع الجسر البري الإيراني بين العراق وسورية، وفي الوقت عينه قيادة التحركات الدولية التي من شأنها أن تؤدي إلى إخراج القوات الأجنبية من سورية، وعلى رأسها إيران والتنظيمات الدائرة في فلكها. لكن الخروج الأحادي الأميركي من المنطقة وترك الساحة في يدي إيران وروسيا سيجعل من الصعب جداً تحقيق هذا الهدف.
  • إسرائيل والولايات المتحدة: العلاقات الحارة بين إسرائيل والولايات المتحدة في عهد إدارة ترامب تعكس توثّق الحلف بين الدولتين، لكن يجب أن نأخذ في الحسبان أن الرئيس ترامب يمكن أن يغيّر موقفه أيضاً حيال إسرائيل إذا اتخذت هذه الأخيرة خطوات يمكن أن تورط الولايات المتحدة في حرب إضافية في الشرق الأوسط تؤدي إلى المسّ بقوات أميركية. تعمل إدارة ترامب على خطة سلام لحل النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، على ما يبدو لمصلحة إسرائيل، ولكنها عملياً تتخذ خطوات تُبعد الولايات المتحدة عن دورها كوسيط مقبول من الطرفين، كما أنها لا تأخذ في حسابها انعكاسات فشل آخر في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. في هذا الإطار أيضاً العلاقات بين إسرائيل وإدارة ترامب يمكن أن تتزعزع إذا رفضت حكومة إسرائيل خطة ترامب لدى طرحها على جدول الأعمال. عامل آخر يمكن أن يؤثر سلباً في العلاقات هو تطور العلاقات بين إسرائيل والصين التي يرفضها الأميركيون. كما أن للعلاقات الوثيقة مع إدارة ترامب تأثيراً سلبياً في العلاقة بين دولة إسرائيل وأقسام واسعة من الجالية اليهودية الأميركية التي تعارض سياسة الرئيس ترامب. يضاف إلى ذلك الخلاف بشأن اختلاف النظرة إزاء القيم الديمقراطية والليبرالية والتعددية في أوساط اليهود.
  • الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني: أهمية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني في المجال الإقليمي والدولي تراجعت وضعفت مقارنة بمشكلات أُخرى. مع ذلك لا تجري مأسسة علاقات لإسرائيل بدول الخليج وبالعالم العربي والإسلامي بصورة عامة، على الرغم من العلاقات غير الرسمية والمزدهرة والتعاون غير المسبوق القائم على تداخل في المصالح، في الأساس ضد سعي إيران لهيمنة إقليمية.
  • الحكومة الإسرائيلية خسرت المبادرة في مواجهة الفلسطينيين، ظاهرياً تؤيد الحكومة عملية سياسية، لكنها، عملياً، تركز على التمسك بالوضع القائم. في الوقت عينه، تدّعي إسرائيل عدم وجود شريك لها في المحادثات من أجل التوصل إلى تسوية، على الرغم من أن السلطة الفلسطينية تؤيد مبدئياً اتفاقات سياسية، بسبب التشكيك في قدرة السلطة الفلسطينية على تطبيق الاتفاقات - إذا تبلورت. في الوقت عينه، وبخلاف التصريحات الرسمية، تراكم حكومة إسرائيل صفقات مع "حماس"، وهي حركة تستخدم الإرهاب وترفض الاعتراف بوجود إسرائيل. يمكن التقدير أن التفاهمات مع "حماس" لن تصمد طويلاً، إلاّ في حال قيام جهد دولي وعربي لإعادة بناء القطاع، بما يتلاءم مع مبدأ "إعادة بناء في مقابل عدم تعاظم القوة العسكرية". على المدى البعيد يتعين على إسرائيل السعي لبناء الظروف التي تسمح للسلطة الفلسطينية باسترجاع سيطرتها على قطاع غزة، بما في ذلك تجريد الذراع العسكرية لـ"حماس" من قدرتها التي تهدد إسرائيل. ذلك من أجل تحقيق مبدأ تجريد الكيان الفلسطيني من السلاح أيضاً في قطاع غزة كما في الضفة الغربية.
  • يدل مؤشر الأمن القومي في إسرائيل الذي يحلله ويحدثه معهد الأمن القومي على حدوث تراجع دراماتيكي في العقود الثلاثة الأخيرة في أهمية السلام في نظر الجمهور اليهودي في إسرائيل وفي الثقة التي يشعر بها حيال قدرة تحقيق حل الدولتين، وذلك على الرغم من أن حل دولتين لشعبين ما يزال الخيار المفضل لأغلبية الجمهور (58%)، في الوقت الذي تزداد تدريجياً رغبة أغلبية الجمهور (نحو 70%) في الانفصال عن الفلسطينيين على أساس الخطة السياسية الأساسية لتقسيم البلد.
  • الديمقراطية الإسرائيلية: الجمهور العربي في إسرائيل موجود في واقع استقطاب بصورة خاصة. من جهة يندمج تدريجياً في المجال المدني الإسرائيلي ويستفيد من ثمار سياسة الحكومة التي تدفع قدماً بالخطة الخمسية للتوظيف في البلدات العربية. ومن جهة ثانية، الهوية الفلسطينية التي يتمسك بها جزء كبير من الجمهور العربي تشجع في أوساط الجمهور اليهودي في إسرائيل الذي يرى فيهم طابوراً خامساً حديثاً تحريضياً وعنيفاً ضده، وتزعزع مكانته كجمهور مساو للآخرين. "قانون القومية" فاقم الفجوة بين الجمهور اليهودي وغير اليهودي. على الرغم من التصريحات القومية والأجواء العامة التعكيرية، القانون نفسه لا يغيّر واقع المواطنة في إسرائيل، لكنه يمس بكرامة الجمهور العربي وبالشعور بالانتماء. هناك أجزاء من الجمهور ترى في خطوات معينة اتخذتها حكومة إسرائيل تهديداً قوياً للديمقراطية الإسرائيلية: "قانون القومية" "قانون التسوية" [شرعنة البؤر الاستيطانية غير القانونية]، قانون "الولاء في الثقافة"، واقتراح قانون بشأن "بند التغلب"[إعطاء الكنيست صلاحية سن تشريعات تتعارض مع قانون أساس]، الهجمات على محكمة العدل العليا. الفجوات ناجمة إلى حد بعيد عن الاختلاف في تحديد مصطلح "ديمقراطية".
  • ارتفاع حرارة الخطاب: حالياً يتحرك الخطاب في العالم بين أقطاب. عندما تكون التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وإمكانات تمرير رسائل محصورة بعدد قليل، تتكثف المواقف المتطرفة وتقوى. الحوار في وسائل التواصل الاجتماعي لا يتعمق في فهم تعقيد التحديات، ولا يهتم بإيجاد حلول لتوترات ومعضلات يمكن أن تقوم بتطويق هذه القطبية، وتجسر بين تناقضات أساسية أو تتيح وجودها  جنباً إلى جنب. 

 

 

المزيد ضمن العدد 3026