بينت وشاكيد الوحيدان اللذان يخططان بصورة استراتيجية ستؤثر إيديولوجياً في الواقع
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في اليسار هناك من يستخف أو يعبّر عن اشمئزازه إزاء خطوة إيلييت شاكيد ونفتالي بينت بإقامة حزب اليمين الجديد. لكن ردة الفعل الصحيحة يجب أن تكون الغيرة.
- بينت وشاكيدـ مع كل عيوبهما المعروفة في مجال الظهور أمام الكاميرا، هما بين العناصر الوحيدة في النظام السياسي الحالي اللذان يخططان بصورة استراتيجية ستؤثر إيديولوجياً في الواقع، وبدلاً من التركيز فقط على الانتهازية الشخصية، يتطلعان إلى وضع أهداف للتحقيق، كجزء من مشروع عقائدي طويل الأمد لمعسكرهما، يسعيان لها بصبر وإبداع وعناد، من خلال التمييز بين الأساسي والتافه؛ وينجحان بذكاء في أن يختارا يومياً معاركهما السياسية السهلة عليهما والصعبة على الخصم، بصورة تخدم أهدافهما العليا هذه. من هذه الناحية بينت وشاكيد هما سياسيان ممتازان.
- ما يهم الاثنين هو أمر واحد: إدامة السيطرة على المناطق إلى الأبد. في ضوء هذا الهدف يجب أن نفهم كل أعمالهما. لقد ناضلت شاكيد في الجهاز القضائي ليس لأنه في رأس اهتماماتها فلسفة الحد من التطرف وتعزيز السلطة التشريعية، بل هي تفعل ذلك لأنها تريد القضاء على أي عائق محتمل يمكن أن يظهر على طريق اليمين لتثبيت الاحتلال. ونظراً إلى أن الضم لا يتمتع بشعبية لدى الرأي العام، فقد اختارت وضع الموضوع ضمن إطار نقاش بين النخبة اليسارية المنقطعة عن الواقع وبين الشعب وممثليه الحقيقيين. وبدلاً من أن يكون النقاش بشأن مسألة: مع الضم أو ضده، هو يدور حول مسألة: قضاة يساريون يقولون لنا ما يجب أن نفعله - نعم أو لا. هذه هي الساحة المناسبة لها التي تثير مشاعر الشعبويين الملائمين. هناك يوجد فرصة أكبر للفوز.
- طوال سنوات عملت شاكيد ورفاقها، خطوة خطوة، وتصريح بعد تصريح وعملية بعد عملية، على إضعاف نفوذ الحوار القانوني الليبرالي الذي وضعه أهرون براك و"عصابة سلطة القانون"، واستبدال معادلة نقد قانوني = توسيع المساواة، والحرية والأخلاق في المجتمع الإسرائيلي، بمعادلة كبح الانتقادات القانونية = تحصين الديمقراطية. حالياً تستطيع شاكيد أن تسجل لنفسها برضى أنها أضعفت من قدرة محكمة العدل العليا على وضع العصي في دواليب الضم، والأهم من ذلك، أنها عززت في الوعي العام فكرة أن مراقبة الاحتلال هو مشروع يساري نخبوي. وهذه ثورة.
- في المقابل، بينت في منصبه كوزير للتعليم، لم يعمل على فرض التدين بخلاف ما يزعمون. لم يكن يهمه عودة العلمانيين إلى الدين، فهو لم يأت إلى السياسة ليقوم بمهمة المبشر، بل ليجعل الاحتلال أمراً لا عودة عنه، أيضاً محاولاته تشجيع العودة إلى الدين لا تستقيم من الناحية السياسية، لأنها تُغضب العلمانيين، ولا تؤدي إلى ثمار حقيقية، وتضع من يقوم بها في وضع غير ناجح في الحوار، لأنها تجعله مثل الذين يريدون فرض عقيدتهم على أشخاص يرفضونها. الفرض في هذه الأيام هو أمر غير شعبي.
- لذلك، وظّف بينت كل جهوده في مشروع تعليم الثقافة اليهودية-الإسرائيلية الذي يمكن حقاً أن يقول ويدّعي أنه ليس لفرض التدين، بل هو فعلياً يتطلع إلى أن يزرع وسط العلمانيين الإحساس بأن شيئاً عميقاً ناقصاً في يهوديتهم، وأن هويتهم هشة، وأن يخلق بالتالي لديهم شعوراً بالدونية إزاء الصهيونية الدينية والمستوطنين (تجدر الإشارة إلى أن وراء الخطة هناك أيضاً أشخاص نواياهم حسنة). هكذا يُجرّد العلمانيون، والقاعدة القطاعية لليسار، من حججهم، وتضعف قدرتهم على معارضة الرؤية الاستيطانية. أيضاً هذه ثورة.
- عندما تتوجه شاكيد وبينت نحو خطوة إقامة حزب جديد، فإن هذا إعلان نوايا مثير للإعجاب: هما يريدان من اليمين الاستراتيجي البعيد الرؤيا والرصين أن يتقدم إلى الموقع الذي يقود فيه المعسكر كله. هما واثقان بأنه جدير بذلك، وبالتأكيد في مواجهة البديل [اليميني الموجودٍ] في الليكود، وفي رأيهما أنهما على حق. إذا كان هناك شيء ينبغي لليسار أن يقوم به فهو أن يبدأ بالتعلم منهما.