ساحة المواجهة المقبلة: شرق البحر المتوسط
تاريخ المقال
المصدر
- يتركز الانتباه الإسرائيلي الآن على مبعوثي إيران ووكلائها عند حدود إسرائيل الشمالية والجنوبية، غير أن القمة الخامسة التي جمعت بين إسرائيل واليونان وقبرص، وعُقدت في مدينة بئر السبع أمس (الخميس)، هي حدث استراتيجي مهم بالتأكيد في شرق البحر المتوسط الذي يغدو ساحة مواجهة جديدة.
- تتطلع إيران إلى إنشاء هلال شيعي يمتد من الخليج الفارسي [العربي] حتى البحر الأبيض المتوسط، ولذا فهي ترغب في إقامة قواعد جوية وبحرية على شواطئ هذا البحر. هكذا سيكون بمقدورها إظهار القوة أمام دول البلقان على امتداد شواطئ البحر المتوسط، وكذلك نحو الغرب، أمام المجتمعات الإسلامية في أوروبا. أمّا في الدول الإسلامية في البلقان ـ ألبانيا والبوسنة وكوسوفو ـ فثمة حضور إيراني وتركي من قبل.
- في الجهة الأُخرى، اعتمدت تركيا سياسة خارجية نيوـ عثمانية، تجنح إلى التمدد والتوسع إلى ما وراء حدودها، فقد غزا الجيش التركي أجزاء من سورية والعراق مثلاً. في البحر المتوسط لتركيا نزاع إقليمي قديم مع اليونان في بحر إيجه وهي تسيطر، منذ سنة 1974، على شمال قبرص. وتتحرك تركيا أردوغان أيضاً بدوافع إسلاموية. فهي تدعم حركة "حماس" وتحافظ على علاقات جيدة بعناصر جهادية في سورية وليبيا اللتين تقعان على شواطئ البحر الأبيض المتوسط. وتدأب تركيا على تعزيز سلاحها البحري، بل كانت قد هددت بإرسال سفن حربية لمرافقة السفن التي تحاول كسر الحصار البحري الإسرائيلي على قطاع غزة.
- لم يعد البحر المتوسط، للأسف الشديد، تحت سيطرة الغرب. فخلال حكم إدارة باراك أوباما انسحبت الولايات المتحدة من المنطقة بصورة كبيرة. وينعكس إضعاف قوة الولايات المتحدة العسكرية في حقيقة أن الأسطول السادس لم يعد يمتلك حاملات طائرات توجد في البحر المتوسط بشكل ثابت ودائم. كذلك قلصت أساطيل الدول الغربية قواتها وحضورها في شرق البحر المتوسط. وعلى الرغم من تعهده بتعزيز قوة الولايات المتحدة العسكرية، فإن الرئيس دونالد ترامب يبدي نزعات انعزالية.
- بدلاً من هذا وفي مكانه، يزداد الحضور الروسي في البحر المتوسط ويتعزز. فقد ضمنت روسيا لنفسها القاعدة البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية في حميميم في سورية، من خلال تدخلها الناجح في الحرب الأهلية هناك. كما تسمح كل من مصر وقبرص لروسيا باستخدام موانئهما.
- من الناحية الاقتصادية، ازدادت أهمية شرق البحر المتوسط على الصعيد الدولي، في إثر اكتشاف حقول الغاز الطبيعي في أعماقه وفي ضوء احتمال اكتشاف حقول إضافية أُخرى. هذه الثروات مشتهاة جداً في أعين حلفاء إيران (وخصوصاً سورية وحزب الله بصورة أساسية) كما في أعين تركيا وروسيا أيضاً.
- بالنسبة إلى إسرائيل، يضطلع شرق البحر المتوسط بأهمية كبرى منذ القدم وعلى الدوام، نظراً إلى أن أكثر من 90% من تجارتها الخارجية يُدار عن طريقه. وزادت حقول الغاز التي تم اكتشافها في مياه إسرائيل الإقليمية من أهمية المنطقة بالنسبة إليها. فمن المتوقع أن يساهم الغاز، مساهمة كبيرة جداً، في رفاهية إسرائيل، بتوفير الطاقة النظيفة والرخيصة وبتحويل إسرائيل إلى دولة مُصدِّرة للغاز.
- لكنّ ثروات الغاز الإسرائيلية عرضة للتهديد والخطر. فقد أطلقت حركة "حماس" صواريخ نحو منصة إسرائيلية للتنقيب عن الغاز، بينما يهدد حزب الله بأن يفعل هذا مستقبَلاً. ومن المحتمل أن يكون في المنطقة، في المدى القريب، حضور بحري إيراني ينسجم مع مطامع الهيمنة الإيرانية.
- على هذا المنوال، تكون قد أضيفت جبهة أُخرى أمام إسرائيل. وهذا في وقت لم يحظ المُركّب البحري في الجيش الإسرائيلي بما يكفي من الاهتمام والتفضيل، على الرغم من أن إسرائيل بحاجة إلى سلاح بحر أقوى. وتزداد الحاجة إلى قوة بحرية إسرائيلية وتصبح أكثر إلحاحاً بالنظر إلى تهديد الصواريخ الهائل المسلط على إسرائيل، والذي يجعل مطاراتها ومنشآتها تحت الأرضية والاستراتيجية عُرضة للإصابة، أكثر من أي وقت مضى.
- إن النقص العسكري الإسرائيلي في شرق البحر المتوسط يغدو أكثر بروزاً حيال النجاحات الدبلوماسية التي تحققها. فقد أصبحت شريكة في منظومة شرق متوسطية تضم اليونان وقبرص أيضاً، بالإضافة إلى مصر العضو غير المباشر في هذه المنظومة. وهذه الدول الأربع تتقاسم المخاوف حيال السياسة الخارجية التركية، كما تتقاسم مصالح مشتركة في مجال الطاقة، فضلاً عن الأهمية الخاصة التي ينطوي عليها تعاون هذه الدول في واشنطن ومعها في مسائل تتعلق بشرق المتوسط، علماً بأن الولايات المتحدة تنظر الآن في إمكان تنظيم مناورات عسكرية مشتركة مع إسرائيل واليونان.
في ضوء كل ما تقدّم من المهم أن تحسّن إسرائيل توطيد تحالفات مشتركة لمواجهة التهديدات الآخذة في التشكّل في منطقة شرق المتوسط.