من يهتم لموت فلسطيني؟
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • محمد حبالي قتله جنود الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار على رأسه من الخلف. شيرا إيش - ران أُصيبت بجراح بليغة بعد إصابتها بطلق ناري في بطنها من سيارة كانت تمر. حبالي كان شاباً من ذوي الحاجات الخاصة أطلق عليه الجنود النار من مسافة 80 متراً في الشارع الرئيسي في بلدته من دون أي سبب واضح للعيان. إيش - ران كانت في مرحلة حمل متقدمة عندما أطلقت النيران عليها على مدخل مستوطنة عوفرا.
  • شخص من ذوي الحاجات الخاصة وامرأة حامل، الاثنان لا حيلة لهما. وإطلاق النار على الاثنين هو جريمة بنفس المقدار، لا يوجد تقريباً فارق أخلاقي بين الجرعتين. الفارق الوحيد: الذين أطلقوا النار في عوفرا كان لديهم دافع واضح - نضالهم العنيف ضد الاحتلال والمستوطنات. دافع الجنود لقتل حبالي غير واضح، وثمة شك في أنه كان لديهم وضوح. الشاب الذي كان يحمل عصا مكنسة في يده لم يشكل أي خطر عليهم، ولقد ابتعد عنهم عندما توقف رشقهم بالحجارة.
  • حبالي مات، إيش - ران تتعافى، بالأمس - مأساة حقيقية - توفي مولودها. لكن هنا برزت فجوة بين الحادثتين. من أين نبدأ؟ مجرد المقارنة بينهما تعتبر في إسرائيل مؤامرة وكفراً وخيانة. المقارنة ليست فقط بين الجريمتين والمجرمين، بل حتى بين الضحايا: كيف يمكن مقارنة هجوم على مستوطنة بمقتل شاب فلسطيني، هو أيضاً مريض عقلياً، وابن لعائلة لاجئين فقيرة بائسة، أحد أولادها مريض عقلياً مثله والأب معاق. شفقة؟ إنسانية؟ لا يوجد ما نتحدث عنه. وبينما تابعت إسرائيل، بقيادة وسائل إعلام تزايد على المشاعر، كل مرحلة من مراحل تعافي إيش - ران، تجاهلت بصورة كاملة تقريباً مقتل لاجىء من طولكرم. هو لم يكن موجوداً، ولم يولد، ولم يقتل. الصدمة من الهجوم على إيش- ران، ردة فعل إنسانية ومفهومة. ومفهوم أيضاً الاهتمام، والقلق، والتماهي مع ابنة شعبك. لكن التجاهل المطلق للفعل الثاني الذي ارتكبه أبناء شعبك، هو وصمة عار.
  • ليس وسائل الإعلام فقط، بل السياسيون كلهم أيضاً صُدموا من إطلاق النار على المستوطنة، وكلهم تجاهلوا إطلاق النار على فلسطيني جرى تنفيذه بالنيابة عنهم. ليس فقط السياسيون المحليون، في الخارج أيضاً كانت صدمتهم منحازة ولا تقل نفاقاً. سفير الولايات المتحدة والمستوطنات، ديفيد فريدمان، كتب أن ما جرى" عمل إرهابي فلسطيني مقرف"، مستشار الرئيس [الأميركي] غرينبلات كتب "مثير للاشمئزاز". وماذا عن قتل حبالي؟ متى دان السفير فريدمان عملية قتل قام بها أحد جنود الجيش الإسرائيلي؟ ومستشار مفاوضات السلام- فقط إطلاق النارعلى المستوطنين يثير اشمئزازه؟ ألا يثير إطلاق النار على مريض عقلياً اشمئزاز رجل السلام من أميركا؟ صحيح، مدار الحديث ليس دماً يهودياً، هو أشد احمراراً من أي دم آخر.
  • تجري عملية مطاردة لمطلقي النار على إيش - ران، وهي ستنتهي بالتأكيد بإلقاء القبض عليهم. وهم سيُحالون إلى القضاء العسكري وسيُحكم عليهم بالسجن عشرات السنوات. وستُهدم منازل عائلاتهم. هم مخربون. لا حاجة لمطاردة الجنود الذين أطلقوا النار على حبالي. هويتهم معروفة، وجوههم مكشوفة في الفيديو الذي صورهم وهم يسيرون بهدوء في الشارع ويطلقون النار كي يقتلوا. ليس هناك من يفكر في توقيفهم – لماذا، من الذي مات؟ - تحقيقات الشرطة العسكرية ستستمر وقتاً طويلاً، وفي نهايتها ربما سيُحالون إلى المحاكمة لارتكابهم جناية صغيرة عقوبتها تخفيض رتبتهم العسكرية قليلاً. ثمة شك كبير في أن هذا سيجري: تدل التجربة على أنه بعد بضع سنوات، الملف سيغلق.
  • ملف حبالي أُغلق في الليلة التي قُتل فيها الشاب المسكين الذي لقبه المحبب "زعتر". إسرائيل مصدومة من إطلاق النار على مستوطنين على مدخل مستوطنة غير قانونية وتتجاهل إطلاق النار على أبرياء فلسطينيين. وفي الواقع هي تؤيد هذه الأعمال الإجرامية. فهؤلاء هم جنود الجيش الإسرائيلي، أحباء الشعب، والذين هم فوق كل شك.

لقد أُغلق ملف حبالي لأن حياته لم تكن تهم أحداً في إسرائيل وكذلك موته. ولأن قتل فلسطيني يُعتبر في إسرائيل أقل خطورة من قتل كلب شارد. ولأن ليس في إسرائيل ما هو أرخص من حياة الفلسطينيين. أيضاً الجنود الذين أطلقوا النار على حبالي عرفوا ذلك. لذا أطلقوا عليه النار، كي يقتلوه.