معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- تتجلى التوترات المتزايدة في علاقة النظام الإيراني بإدارة ترامب في الأشهر الأخيرة مرة أُخرى في المجال السيبراني. فخلال النصف سنة الأخيرة كشفت شركات حماية المعلومات وشركات تكنولوجية نشاطاً واسع النطاق للتأثير في الوعي تقوم به إيران في المجال السيبراني، موجّهاً في الأساس إلى التأثير في الجمهور الأميركي. وحذرت شركة الحماية "فاير آي" (Fire –Eye) من وجود عدد كبير من المواقع الإخبارية والحسابات الملفقة في "الفايسبوك" و"تويتر"، وهي في تقديرها موجهة لخدمة جهود النظام الإيراني للتأثير في الوعي. وكشفت شركة "تويتر" مساعي إيرانية للتأثير في الوعي نشرت مؤخراً ملايين التغريدات من حسابات ملفقة، وأعلنت شركة "فايسبوك" أنها محت عشرات الحسابات الملفقة.
المحتويات وأساليب العمل
- الهدف من المسعى الإيراني للتأثير في الوعي هو على ما يبدو مفاقمة الانقسامات الداخلية في الولايات المتحدة، بين المجموعات الاجتماعية المتعددة (الليبراليون - المحافظون، السود - البيض، مؤيدو ترامب ومعارضوه). من النماذج البارزة لذلك محتويات تتعلق بموضوعات حساسة ومشحونة بالنسبة إلى الجمهور في الولايات المتحدة، بينها العنصرية، خطوط سياسية موضع خلاف مع الرئيس ترامب، وعنف الشرطة. وقد صيغت محتويات هذه الموضوعات بهدف التحريض، وجعل المواقف أكثر تطرفاً، وتأجيج حوار قاس. ثمة هدف آخر هو تحسين صورة إيران في نظر الجمهور الأميركي. وهكذا، المحتويات التي تناولت قضايا تتعلق بالشرق الأوسط وجهت انتقاداً حاداً إلى سياسة الولايات المتحدة، وإسرائيل والسعودية، في مقابل تغطية مؤيدة لوجهة نظر إيران فيما يتعلق بالتطورات في اليمن، ولبنان، وسورية، والعراق. ويبدو أن الإيرانيين يستندون في هذا السياق إلى خبرتهم خلال فترة إدارة أوباما، حين عرض جزء من وسائل الإعلام الأميركية إيران أحياناً كشريك محتمل في المساعي الأميركية في الشرق الأوسط بعكس الإسلام السني المتشدد، مع التركيز على الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
- من أجل منع الكشف عن "البصمة" الإيرانية وزيادة انتشار مضامين التحريض التي تقوم بها، طورت إيران شبكة غنية ومتزامنة مكوّنة من مواقع إخبارية جديدة ملفقة ووسائط إعلام اجتماعية مزوّرة ذات تأثير ومعروفة بمصداقيتها، وخلقت حولها حواراً في الشبكة ودفعت في مقابل النشر. بالإضافة إلى ذلك، جرى صوغ محتويات تتلاءم مع المزاج السائد لدى الجمهور الذي تتوجه إليه. مع ذلك، عانت النشاطات الإيرانية جرّاء عدد من العيوب - استخدام تفاصيل اتصالات إيرانية (مثل رقم الهاتف وعناوين إلكترونية)، نسخ محتويات وكتابة مشوشّة - وهذا ما سمح بالكشف عنهم علناً. وحتى اكتشاف أمرها، نجحت إيران في الوصول إلى عدد كبير من الأشخاص في الولايات المتحدة، وجزء من هذه المحتويات شاهده ملايين الأشخاص، بينما حظي عدد آخر منه بردود من مئات الآلاف من مستخدمي الشبكة.
دلالات
- يكشف النشاط الإيراني في المجال السيبراني للتأثير في الوعي الأهمية الكبيرة التي يوليها النظام في طهران للصراع الفكري في الداخل وضد خصومه، وبصورة خاصة الولايات المتحدة. وفي نظر النظام الإيراني، تخوض الولايات المتحدة صراعاً إيديولوجياً، بالإضافة إلى الصراع السياسي والاقتصادي، ضد قيم الثورة الإسلامية وهو موجّه قبل كل شيء إلى الجمهور الإيراني. بناء على ذلك، يشكل الجهد الإيراني رداً مضاداً على الخطوات الأميركية (الحقيقية والوهمية)، وهو يشكل أيضاً مدماكاً ضمن نظرة بعيدة الأمد للنظام الإيراني لإضعاف الولايات المتحدة من خلال محاولات ضرب مناعتها الداخلية.
- لقد أثبتت إيران، مثل دول أُخرى (بينها الولايات المتحدة وروسيا والصين) أنها قادرة على الوصول إلى جماهير بعيدة والمحافظة على الطابع السري لجهودها لوقت طويل، و"تلويث" حوار عام بواسطة محتوى تحريضي. لكن قد يتضح مع مرور الوقت أن هذه الجهود ساهمت في تآكل ثقة الجمهور بوسائل الإعلام، أو أنها أدت إلى تغيير في مواقف سياسية أو اجتماعية. حتى الآن من المعقول الافتراض أن إيران استفادت من فضح أنشطتها. إذ على الرغم من الإحراج الناجم عن ذلك، لم تتضرر إيران منه، وربما نجحت في تعظيم صورة قوتها التكنولوجية والاستخباراتية.
- علاوة على ذلك، ومقارنة بجهود دعائية إيرانية كُشفت في الماضي، يدل النشاط الأخير على حدوث تطوير في البنى التحتية التكنولوجية وفي المؤهلات العملانية، يتجلى في حجم المشاهدة ونوعيتها.
- على ما يبدو، الكشف المغطى إعلامياً تسنى بواسطة التعاون بين شركات تكنولوجية، وشركات حماية للمعلومات وأجهزة استخباراتية غربية. ومن المتوقع أن يصبح مثل هذا التعاون ضرورياً في السنوات المقبلة لمواجهة جهود دعائية معادية من هذا النوع. بالنسبة إلى متخذي القرارات والجمهور في إسرائيل، يسمح هذا الكشف بالتعرف - بطريقة لم تكن حتى الآن ممكنة - على أداة أُخرى في "صندوق الأدوات" العملاني لإيران.
- صحيح أنه حتى الآن لا يزال خطر الدعاية الإيرانية على إسرائيل محدوداً. في الماضي، اقتصرت الجهود الإيرانية للتأثير في الوعي في مجال السايبر ضد إسرائيل على حذف مواقع أو زرع معلومات كاذبة في مواقع إخبارية، بطريقة لم تحدث أصداء عامة مهمة. حتى الموقع الإخباري الإيراني الذي كشفت عنه شركة "كلير سكاي" مؤخراً، وكان موجهاً إلى الجمهور الإسرائيلي، لم ينجح، على ما يبدو، في التأثير في الحديث الإسرائيلي. علاوة على ذلك، تفحُّص جهود الدعاية الإيرانية في السايبر ضد إسرائيل مقارنة بجهود أُخرى تبذلها إيران في الفترة الحالية يدل على أن إسرائيل ليست موجودة في مركز هذه الجهود. من المحتمل أن إيران قادرة على التركيز على جبهات دعائية أُخرى لأن حزب الله يقوم بذلك في مواجهة إسرائيل، سواء من خلال خطابات نصر الله التهديدية، أو بواسطة وسائل إعلامية كثيرة موضوعة في خدمة الحزب.
- مع ذلك، وفي نظرة إلى الأمام، يمكن أن نرسم عدداً من السيناريوهات أكثر خطورة للاستخدام الإيراني وسائل سيبرانية ضد إسرائيل. يمكن أن تزرع إيران بنجاح تقارير إخبارية كاذبة بشأن نوايا شن هجوم ضد إسرائيل، بصورة تثير هلع الناس أو تعرقل موقتاًعملية اتخاذ القرارات في إسرائيل. كما يمكن أن تنجح في زرع محتويات تقنع دولة معادية أو تنظيماً إرهابياً بأن إسرائيل تنوي شن هجوم عليهما، وهو ما يؤدي إلى رد ضد إسرائيل. يجب التذكير أنه في الماضي (كانون الأول/ديسمبر 2016) نجحت إيران في التسبب برد كلامي من باكستان بعد معلومات كاذبة بأن إسرائيل هددت باكستان بهجوم نووي إذا أرسلت قواتها إلى سورية.
في ضوء المزايا الحالية للمجهود الإيراني للتأثير في الوعي، الذي يجري في المجال السيبراني، ننصح بالإضافة إلى التركيز على مواجهة القدرات الأكثر تهديداً لإيران في مجال الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، بإيلاء تطور القدرات الإيرانية في مجال الهجوم السيبراني الاهتمام (مثلاً مهاجمة بنية تحتية حساسة أو منظومات سلاح). في مواجهة المعركة التي تخوضها إيران في مجال السايبر، يجب على إسرائيل أن تركز في الأساس على النشاط الدفاعي، بالإضافة إلى كشف الجهود الإيرانية وتعطيلها. لاحقاً، يتعين على إسرائيل أن تستغل سياسياً الكشف عن النشاط الدعائي الإيراني في مجال السايبر وتعطيله، وذلك من خلال عرضه كتعبير إضافي عن سلوك إيران الإقليمي السلبي وعن انتهاك إيران القيم الدولية.