"حماس" ونتنياهو التقيا على مفترق طرق مصالح مشتركة: استمرار سيطرة الحركة على غزة فقط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لقد أعلنت "حماس" انتصاراً ساحقاً بعد كل الهجمات الإسرائيلية الكبيرة التي وقعت منذ سنة 2008، والتي أسفرت عن كثير من القتلى ودمار هائل في القطاع، فكيف لا تعلن اليوم انتصارها في الوقت الذي لم يؤد 400 صاروخ من صواريخها إلى  نشوب حرب رابعة؟
  • عرض الانتصار يدل على الازدواجية بين نظرة "حماس" إلى ذاتها، وبين ما تريد إظهاره إزاء الخارج: مقاومة، وتنظيم مقاوم للاحتلال الاستعماري من جهة، ومن جهة أُخرى حاكم ذو سيادة في قطاع غزة يمثل إرادة الله والشعب، ويشق طريقه نحو قيادة الشعب الفلسطيني كله. كمقاومة تتباهى "حماس" بانتصارات حقيقية أو مزيفة، لكن كحاكم ذي سيادة لديه موظفون يجب عليه أن يدفع رواتبهم، وطرقات يجب عليه أن يشقها، رأينا "حماس" تسعى لوقف إطلاق النار.
  • هنا، كما في حقائب المال القطري، التقت "حماس" في مفترق واحد للمصالح المشتركة مع بنيامين نتنياهو: ضمان استمرار سيطرة الحركة على قطاع غزة - شرط أن يقتصر ذلك على غزة فقط. أي شرط استمرار الانشقاق الفلسطيني الداخلي، الذي يعني استمرار الضعف الفلسطيني السياسي بصورة عامة.
  • الكشف عن الوحدة الإسرائيلية التي تسللت إلى القطاع للقيام بعملية معينة (روتينية عادة لا يجري اكتشافها) هو فعلاً إنجاز عسكري لمقاتلي عز الدين القسام، ودليل آخر(مثل الصواريخ) على الاحترافية العسكرية لـ"حماس". وهذه ليست احترافية مجموعة ميليشياوية، بل احترافية تنظيم يعتبر نفسه رئيساً لدولة ومن واجبه الدفاع عن سيادتها والرد على أي غزو. لقد أحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية ضجة كبيرة حول الشاب الغزاوي الذي نجح في التسلل إلى دفيئة في مستوطنة ناتيف هعسره، وصورت الموضوع على أنه إخفاق عسكري خطِير. لماذا يتوقع الإسرائيليون من "حماس" أن تتعامل مع تسلل عسكري مُعادٍ اكتشفته كأنه أمر سخيف، فقط لأنه روتيني؟ "حماس" التي يتعامل معها نتنياهو كرئيس لشبه دولة، لا تستطيع أن تعتبر التسلل الدائم حقاً مكتسباً لإسرائيل، حتى لو كان الجيش الإسرائيلي يقوم بذلك يومياً علناً في الجيوب الفلسطينية في الضفة الغربية من دون رد.
  • إن جزءاً حيوياً من شق طريق لـ"حماس" في المستقبل إلى زعامة فلسطينية جامعة وربما معترف بها (سواء في منظمة التحرير الفلسطينية غير الموجودة، أو تحت مظلة جديدة) هو إعلان انتصارات عسكرية كبيرة لها في الوقت الحاضر.
  • هذا الأسبوع، جرى عرض خوف الإسرائيليين في غلاف غزة من الصواريخ كانتصار، ومن الباص العسكري الذي احترق، والتقارير عن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي: كل هذا يشكل جوائز وميداليات لـ"حماس". والتنافس هو ليس فقط مع إسرائيل، بل في الأساس مع حركة "فتح". استقالة ليبرمان كانت الذروة، الفوز بكأس ذهبي. والهدية الأكبر منها فعلاً، الإعجاب والحماسة بـ"حماس" اللتان يظهرهما الفلسطينيون في الشتات وفي الضفة، المتعطشون إلى إنجازات، وإلى أن يثبتوا أن إسرائيل ليست كلية القدرة.
  • لا تستطيع "حماس" أن تعود إلى أن تكون مجرد ميليشيا. بعد أن بنت قوة تتخطى قدرات الميليشيا، وبعد أن رسخت نفسها كحكومة مدنية. وأيضاً لو سمحت إسرائيل، وهي لن تسمح، فإن السلطة الفلسطينية لا تستطيع العودة إلى الحكم في القطاع ما دامت "حماس" تحتفظ بقوة عسكرية مستقلة. لكن "حماس" ترفض أن تتحول إلى مظلة لجمعيات خيرية. لذلك ما بقي لهذا التنظيم الإسلامي هو الاستمرار فيما كانت عليه الحال سابقاً، وبدعم من حكومة إسرائيل والمال القطري: الاحتفاظ بالسيطرة المدنية والعسكرية ضمن حدود القطاع فقط. الوحدة الفلسطينية والمصالحة مكانهما في التصريحات فقط. في أي حال مشروع الدولة الفلسطينية (ضمن حدود 1967 أو 1948، لا فرق) لن يتحقق.
  • نتنياهو، في دعمه للقطاع ككيان سياسي منفصل، لم يجدّد شيئاً: هو يواصل سياسات حكومات إسرائيلية سابقة، حتى قبل الانفصال الأحادي الجانب الذي نفذه أريئيل شارون في سنة 2005. فقد عمل يتسحاق رابين، وشمعون بيرس، وإيهود باراك على التمييز بين سكان القطاع وبين سائر السكان الفلسطينيين، وواصل إيهود أولمرت هذا الخط أيضاً من بعدهم. وبغض النظر عن تصريحاتهم، فإنهم أحبطوا التسوية السياسية القديمة التي كانت ماثلةً أمام أنظار أغلبية دول العالم التي أيدت مالياً وسياسياً اتفاق أوسلو: أي إقامة دولة فلسطينية في القطاع والضفة (بما فيها القدس الشرقية) التي احتُلت في سنة 1967. بدلاً من ذلك، خلقت الحكومات الإسرائيلية واقع الجيوب الفلسطينية المعزولة، وساهم الفلسطينيون في خلق ازدواجية في السلطة. لقد أثبتت "حماس" ونتنياهو أيضاً أن في الإمكان المحافظة على هذا الواقع، من دون سفك دماء رهيب.