ماذا بعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • بعد إسقاط الطائرة، وعلى ما يبدو قبل انتهاء التحقيق في الحادثة، كذّبت روسيا التقرير الأميركي الذي قال إن السوريين هم مَن اعترض الطائرة، ووُجهّت التهمة إلى سفينة تابعة للأسطول الفرنسي كانت موجودة في المنطقة في أثناء الهجوم الإسرائيلي. بعد مرور بضع ساعات بلورت وزارة الدفاع الروسية الصيغة الرسمية الموجهة إلى وسائل الإعلام وفيها اتهمت إسرائيل بعمل "استفزازي"و"عديم المسؤولية"، وأن طائرات الـF-16 الإسرائيلية اختبأت وراء الإليوشن 20 الروسية. وهدّد وزير الدفاع الروسي قائلاً بأنه يحتفظ لنفسه بحق الرد على الحادثة.
  • وفعلاً، يبدو أن الرد الروسي يكشف غضباً حقيقياً على إسرائيل التي نشطت على مسافة قريبة من الانتشار العسكري الروسي في سورية (قاعدة حميميم)، وفي الوقت الذي كانت طائرة روسية في الجو في طريقها إلى هناك، وهذا ما خلق وضعاً كان فيه خطأ الدفاع الجوي السوري معقولاً أكثر. ومن المحتمل أيضاً أن هناك رغبة لدى المؤسسة الأمنية الروسية في إبعاد التهمة عن القوة الروسية في سورية، التي تعمل بالتنسيق الكامل مع سلاح الجو والدفاع الجوي السورييْن، وكان يُتوقع منها منع وقوع مثل هذه الأخطاء. لكن من مجمل الردود الروسية، بما فيها الهجوم المعادي لإسرائيل في وسائل الإعلام، يمكن الإشارة إلى نية روسية باستغلال الحادثة وتعظيم الأزمة من أجل توجيهها لاحقاً إلى الدفع قدماً بأهداف روسية في المنطقة.
  • في هذه الأثناء أعلنت روسيا إغلاق جزء من المجال الجوي والبحري الواقع غرب الساحل السوري أمام الطيران والملاحة خلال الأسبوع المقبل، ومن المعقول أن المنطقة ستُفتح بعدها أمام حركة المرور المدنية. وثمة خطر بأن يتضمن الرد الروسي أيضاً خطوات لتعزيز الدفاع الجوي السوري، بينها نقل منظومات دفاع جوي متقدمة تُجري سورية المفاوضات على شرائها [كُتب المقال قبل إعلان الروس تزويد سورية ببطاريات صواريخ متقدمة من طراز S-300].
  • كما يجب أن نأخذ في الحسبان أن أطرافاً في الإدارة الروسية، ليست مع حرية العمل التي منحتها روسيا لإسرائيل للعمل ضد الوجود الإيراني، ستستغل هذه الحادثة من أجل المسّ بالعلاقات الروسية الإسرائيلية، وبحريّة عمل إسرائيل في سورية. ومن المحتمل أن هذا جرى التعبير عنه بشدة في الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل في وسائل الإعلام الروسية.
  • مع ذلك، يبدو في الصورة الكبيرة أن عمق المصالح الإسرائيلية الروسية سيسمح للطرفين بالتغلب على الحادثة. ليس معقولاً أن يكون من مصلحة روسيا حالياً المسّ بصورة جوهرية بالعلاقات التي تُعتبر حيوية أيضاً بالنسبة إلى إسرائيل. لذا من المتوقع أن تُحل الأزمة في الأيام القريبة من خلال التوصل إلى تفاهمات بين زعيمي الدولتين اللذين تسود بينهما علاقات ثقة.
  • مع ذلك، هناك احتمال فرض قيود معينة على حرية العمل في سورية. ويبدو أن الروس سيطلبون من إسرائيل الامتناع من القيام بعمليات في مناطق انتشار قواتهم، وعلى الأقل إعطاء القوة الروسية إنذاراً قبل مدة أطول. وستحاول روسيا كعادتها استغلال الحادثة من أجل الدفع قدماً بمصالح أُخرى لها.
  • حادثة من هذا النوع كانت محتملة عاجلاً أم آجلاً، بسبب العمليات المكثفة التي يقوم بها سلاح الجو الإسرائيلي ضد الوجود الإيراني في سورية، وضد انتقال السلاح المقدم إلى حزب الله. إن الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى تبني هذه الاستراتيجيا ما تزال صالحة، وستسعى إسرائيل لمواصلة سياستها. وسيضطر سلاح الجو، الذي بالتأكيد سيحقق بدقة في الحادثة، إلى استخلاص الدروس والتشدد في الشروط التي تجري فيها عمليات في مناطق انتشار القوات الروسية ونشاطها، مع الأخذ في الحسبان أكثر العمليات الجوية للقوة الروسية، حتى لو لم تكن قريبة فعلاً من مسار طائرات هذه القوة. ومن المعقول أن تتقلص عمليات سلاح الجو الإسرائيلي في سورية على الأقل في المرحلة المقبلة، وتكون خاضعة لرقابة شديدة أكبر من المستوى السياسي.
  • من المحتمل أيضاً استغلال الحادثة لنوضح للجانب الروسي أن نقل منظومات دفاع جوي أكثر تطوراً إلى السوريين سيزيد من الخطر على قوتهم أيضاً، لأن الحادثة تؤكد الأداء الضعيف للدفاع الجوي السوري. كما أن هذه فرصة أًخرى كي نوضح للروس أن وجود إيران والميليشيات الخاضعة لتأثيرها تخلق في سورية وضعاً متفجراً عرضة لمثل هذه الحوادث المؤسفة.