مشكلة إسرائيل الحقيقية: إنها قوية أكثر من اللازم
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 • في نهاية المطاف، وبعد استبعاد جميع الأمراض الأُخرى، نكتشف أن أسوأ الأمراض، إن لم يكن أم الكوارث، سببهما فائض قوة إسرائيل. لو لم تكن إسرائيل قوية أكثر من اللازم، قوية جداً، لربما كانت أكثر عدلاً، ولو لم تكن قادرة على القيام بكل ما يحلو لها، لكان سلوكها أكثر أخلاقية وأكثر مراعاة. إن جزءاً كبيراً من جرائمها وأوهامها ناجم عن نشوة القوة، فقسم كبير ممّا تفعله ناجم ببساطة عن أنها قادرة على ذلك. فهي قادرة على الاستخفاف بالعالم كله، وتجاهل القانون الدولي، والسيطرة بالقوة على شعب آخر طوال أجيال، وخرق سيادة الدول المجاورة، والتصرف كأنها فريدة من نوعها، لا مثيل لها، وذلك كله بفضل قوتها فقط.
• على غرار أي دولة فإن إسرائيل تحتاج إلى القوة. يقولون للإسرائيليين منذ ولادتهم إن ضعف إسرائيل من شأنه أن يؤدي إلى دمارها، غير أن فائض القوة لديها هو الذي أفسدها وتسبّب لها بأضرار من نوع آخر. ليس ضعفها، كما هي معتادة على وصف نفسها - دولة محاطة بأعداء يريدون فقط تدميرها، دافيد الصغير هو في مواجهة غوليات - هو الذي شكّل صورتها، وإنما القوة الفائضة تحديداً التي راكمتها هي التي بلورت صورتها أكثر من أي شيء آخر. فلو كانت إسرائيل أضعف، لكانت بذلت جهداً كبيراً كي تصبح مقبولة في المنطقة، ولو كانت أقل قوة ، لكانت اضطرت إلى وضع حد للعنة الاحتلال.
• ومع أن ولادتها رافقتها خطيئة، فإن إسرائيل هي دولة لشعب ليس سيئاً بصورة خاصة، وحتى العنجهية التي ينظر فيها الإسرائيليون إلى العالم ليست صفة تخلق بالولادة. وثمة شك في أن إسرائيل قصدت أن تكون ما هي عليه: قوة عظمى إقليمية، تفرض إلى حد بعيد على قوة عظمى، الولايات المتحدة، سلوكها؛ دولة تسعى وراءها دول عديدة وتخافها، وفي الوقت نفسه تُعتبر دولة كريهة في نظر كل صاحب ضمير. لقد تحولت إسرائيل إلى هذا الشكل بسبب فائض القوة، وراكمت ذلك بالتدريج، ووصلت الآن إلى الذروة. لم تكن بهذه القوة قط، وليس من قبيل المصادفة أن صورتها اليوم وصلت إلى أدنى نقطة في تاريخها. هذا هو ثمن القوة الفائضة.
• تتفوق إسرائيل على العالم كله ليس فقط في: الاحتلال الذي تستمر فيه من دون أي إزعاج، على الرغم من معارضة أغلبية العالم؛ الحصار المريع على غزة والهجمات الوحشية ضدها، التي تشمل جرائم حرب لم تُعاقب عليها إسرائيل قط؛ المستوطنات التي لا يعترف معظم العالم بشرعيتها؛ القصف اليومي لسورية ودول أُخرى والتحليق اليومي في أجواء لبنان، كما لو أنه ليس ثمة حدود ولا ثمن؛ الاغتيالات الدولية الوقحة والإجرامية التي لا حدود لها؛ جرّ العالم إلى الصراع ضد السلاح النووي الإيراني؛ حملة إدانة دولية لحركة المقاطعة BDS؛ الامتناع من الانضمام إلى اتفاقات دولية موقّعة من جميع الدول الديمقراطية؛ تجاهلها عدداً لا يُحصى من القرارات الصادرة عن مؤسسات دولية؛ محاولاتها التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة لها؛ تدخّلها في حروب ليست حروبها؛ محاولاتها التدخل في الاتحاد الأوروبي وزعزعة وحدته؛ محاولاتها التآمرية ضد الرئيس الأميركي (السابق) وإغلاق السفارة في الباراغواي لأنها اتخدت خطوة لا تحظى بموافقتها، كما لو أنها قوة عظمى. من الصعب أن نتصور دولة غير الولايات المتحدة وروسيا أو الصين، تتصرف بهذه الطريقة، لكن إسرائيل تستطيع.
• على ما يبدو، هذا نجاح كبير للمشروع الصهيوني. مَن كان يحلم بأننا سنصبح كذلك؟ عملياً، إن هذا أكبر خطر على كونه محقاً. فباستثناء بعض العثرات، كما حدث في سنة 1973، فإن نشوة القوة هذه لم تكبد إسرائيل دفع أي ثمن مهم، باستثناء صورتها التي تعلمت كيف تتجاهلها.
• عشية السنة الجديدة، لا تواجه إسرائيل تحديات تشكل خطراً على وضعها كدولة فائضة القوة، ويبدو أن في إمكانها أن تواصل ما تفعله في المناطق المحتلة وفي الشرق الأوسط كله.
• فقط التاريخ يصر على تذكيرنا أنه من وقت إلى آخر، هذه المظاهر من السكر بالقوة تنتهي عادة بصورة سيئة وسيئة جداً.