وقف الولايات المتحدة تمويل الأونروا: فرصة أم تهديد؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

  • في اليوم الأول من شهر آب/أغسطس أعلنت إدارة ترامب قرار الولايات المتحدة وقف تمويل الأونروا، واصفة عمل الوكالة وأداءها بغير المقبول، لأنه "يزيد من الناس الذين يحق لهم صفة اللجوء بصورة منهجية ولانهائية". حدث هذا على خلفية تقليص أميركي حدث في وقت مبكر (كانون الثاني/يناير 2018) للمساعدة المقدمة للأونروا؛ ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس؛ وتقليص 200 مليون دولار من المساعدة الأميركية للفلسطينيين، وتقارير تقدر أن الولايات المتحدة تعتزم الاعتراف فقط بنصف مليون لاجىء من أكثر من خمسة ملايين لاجىء فلسطيني تعترف بهم الأونروا.
• أُنشئت وكالة الأونروا في سنة 1949 من أجل دعم نحو 650 ألف إلى 850 ألف فلسطيني غادروا أو طُردوا، كجزء من الحرب التي نشبت في أعقاب إقامة دولة إسرائيل. وتدير الوكالة مدارس وتقدم خدمات غذائية وطبية وخدمات اجتماعية أُخرى للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، وفي الأردن، ولبنان وسورية. جميع اللاجئين الآخرين في العالم، حصيلة النزاعات الأُخرى، تهتم بهم وكالة أُخرى في الأمم المتحدة هي: مفوضية الأمم المتحدة للاجئين.
• تُظهر المقارنة بين الوكالتين ثلاثة فوارق مركزية: الأول الطريقة التي تحدد فيها الأونروا ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين من هو اللاجىء: لا تمنح المفوضية بصورة تلقائية وضع لاجىء لذرية اللاجئين، وتسمح بإلغاء وضع اللجوء بناءً على تغيرات اجتماعية-اقتصادية، والحصول على جنسية أُخرى، أو نتيجة التورط في جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب. وفي المقابل، تضيف الأونروا على قوائمها شهرياً نحو 10 آلاف لاجىء جديد من أبناء الجيل الخامس والسادس؛ وتعترف بنحو مليوني مواطن أردني من أصل فلسطيني كلاجئين فلسطينيين، وتواصل تقديم وضع لاجىء للاجئين إرهابيين مُدانين. ليس مفاجئاً والحال هذه أن يصل عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين إلى أكثر من 5 ملايين ونصف المليون لاجىء.
• الفارق الثاني بين الوكالتين هو البنية التحتية التشغيلية والمالية. الأونروا تستخدم قرابة 30 ألف موظف (الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين وكثيرون منهم لديهم وضع لاجىء) من أجل الاهتمام بنحو 5.6 مليون فلسطيني تعترف بهم الوكالة كلاجئين. بينما تستخدم المفوضية 9300 شخص (الجزء الأكبر منهم من مواطني الدول المضيفة)، وتقدم خدمات لنحو 39 مليون لاجىء ونازح. بالإضافة إلى ذلك، تفوق الميزانية المخصصة لكل لاجىء فلسطيني تحت رعاية الأونروا 40% الميزانية المخصصة للاجئين ممن هم تحت رعاية مفوضية اللاجئين.
• الفارق الثالث هو في الهدف الذي تسعى له الوكالتان. ففي الوقت الذي تسعى مفوضية اللاجئين جاهدة لعودة اللاجئين الذين تحت رعايتها وتقليص عددهم، فإن أسلوب عمل الأونروا يعزز نموذج أن وضع اللاجئين الفلسطينين (وذريّتهم) لن يتحسن إلاّ بعد عودتهم إلى ديارهم. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت "حماس" في غزة قسماً من منشآت الأونروا لتخزين السلاح وإطلاق الصواريخ على المراكز السكنية في إسرائيل.
• عندما نأتي إلى تقدير الهدف الذي يتطلع إليه الرئيس ترامب من وقف تحويل الأموال إلى الأونروا، يظهر احتمالان لا يلغي أحدهما الآخر، الأول هو أن هذه الخطوة منسجمة مع سياسة "أميركا أولاً" للرئيس، ومع رغبته في رؤية دول أُخرى تساعد في تمويل الأونروا.
• الاحتمال الثاني هو أن الإدارة الأميركية الحالية تريد من الأونروا أن تقوم بإصلاحات مهمة أو تريد تفكيكها تماماً. من المحتمل أن هذا السيناريو ناجم عن محاولة أميركية لإجبار الفلسطينيين على إلغاء قرارهم بعدم التعاون مع الطاقم الشرق الأوسطي للرئيس ترامب، والذي اتخذوه رداً على نقل السفارة الأميركية إلى القدس. ومن المحتمل أن يكون هذا جزءاً من عملية أكبر تهدف إلى إعداد الظروف في الجانب الإسرائيلي والفلسطيني لـ"صفقة القرن".
• في إسرائيل، وقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ضد الأونروا وأيّد السياسة الأميركية، لكن المؤسسة الأمنية ردت على الخطوة الأميركية بالإعراب عن قلقها. وذلك لأن الأونروا تشكل شريان الحياة الإنساني والضروري لسكان غزة، وهي قوة استقرار حيوية، وتوفر لإسرائيل صلة مهمة ومستمرة مع "حماس"، وتسمح لأجهزة الأمن الإسرائيلية بمراقبة دخول مواد البناء والمواد الأُخرى التي لها استخدام مزدوج إلى غزة.
• ليس من الحكمة تجاهُل مخاوف المؤسسة الأمنية، لكن يجب الاعتراف بأن هذه المخاوف تخدم مصالح على المدى القصير، لأن الأونروا في شكلها الحالي تنمّي الجيل المقبل من اللاجئين الفلسطينيين على فكرة عودتهم إلى منازلهم في إسرائيل. وأيضاً حتى لو كان من الواضح أن تفكيك الأونروا لن يغيّر وليس في مقدوره أن يغيّر السردية الفلسطينية، فإن المحافظة على أسلوب عملها الحالي يرسل رسالة لا تساعد في تقليص الفجوات في رؤية الطرفين.
• علاوة على ذلك، الوضع الإنساني الصعب في المناطق [المحتلة] وخصوصاً في غزة، يفرض تقديم بديل من الأونروا إذا جرى تفكيك الوكالة. وعلى الرغم من المعارضة المتوقعة للاعبين معينين في المجتمع الدولي وتعهّد بعض الدول بالتدخل لتغطية الفجوات في ميزانية الأونروا، نحن ننصح بثلاثة مبادىء أساسية كجزء من نقاش بشأن كيفية تحريك الوضع القائم وتقليص ضرره المحتمل.
• أولاً، يجب تحديث مصطلح اللاجئين الفلسطينيين. الفلسطينيون الذين يسكنون في غزة والضفة الغربية، وهي مناطق تشكل جزءاً من الدولة الفلسطينية العتيدة، وأيضاً الفلسطينيون الذين يحملون جنسية أردنية، لا يمكن اعتبارهم بعد اليوم لاجئين. بناءً على ذلك، المساعدة الإنسانية لهؤلاء الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المناطق يجب أن تقدّم وفقاً للحاجات الموضوعية لكل شخص على الأرض، وليس نتيجة وضعه كلاجىء.
• ثانياً، الأموال المخصصة للفلسطينيين في المناطق المذكورة أعلاه يجب أن تُعطى للسلطة الفلسطينية وللحكومة الأردنية. اللاجئون الفلسطينيون الذين يقيمون بسورية ولبنان، ولا يحملون جنسية هاتين الدولتين، ويُمنعون من القدرة على الانخراط في المجتمع الاقتصادي، ينتقلون إلى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. هذا الأمر سيحسن فرصهم في حياة أفضل بدلاً من الوضع الحالي الذي يؤبد وضعهم الصعب، وفي المقابل سيساعد في تلاشي السردية الفلسطينية بعودة ملايين الفلسطينين ذات يوم إلى العيش في إسرائيل.
• ثالثاً، يجب أن يتم الانتقال بالتدريج من وكالة الأونروا إلى وكالات من نوع مختلف، مثل مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في لبنان وسورية؛ وفي الأردن والضفة الغربية إلى منظمات تعمل تحت قيادة أردنية وفلسطينية رسمية وبالتنسيق معهما، وإلى منظمة إنسانية بديلة في غزة. ويجب أن تترافق هذه الخطوة مع مبادرات سياسية واقتصادية مقابلة تحيّد العداء وتزيد من معقولية توجيه هذه الخطوة المنفردة نحو عملية سياسية شاملة.
• قرار الولايات المتحدة وقف تمويل الأونروا أقل ما يقال عنه هو إنه قرار تاريخي. وعلى الرغم من أنه من الطبيعي أن يعتبر الفلسطينيون هذه الخطوة ضربة قاسية، وعلى الرغم من إمكان التأزيم الذي تنطوي عليه عملية تفكيك الأونروا، فمن المؤكد أنه إذا جرى تقديم وتنفيذ ذلك كمرحلة ضرورية على طريق الدولة الفلسطينية، فإنها ستنطوي على إمكان انعكاسات إيجابية على المدى الزمني البعيد بالنسبة إلى الطرفين. يجب على إسرائيل أن تستعد لمواجهة سيناريوهات سلبية يمكن أن تثيرها هذه الخطوة في المدى القريب، وفي هذا السياق ليس من المفيد التمسك بالنموذج الحالي الذي يبعد الزعامة الفلسطينية عن القيام بمسؤولياتها الأخلاقية والعملية لترميم وضع اللاجئين الفلسطنيين وتوطينهم في المناطق الفلسطينية. وبمساعدة حوافز إسرائيلية وأميركية دولية وبالترافق مع جهود دبلوماسية مكثفة، يمكن أن يُستخدم قرار الولايات المتحدة وقف تمويل الأونروا للنهوض بالزعامة الفلسطينية، ولضخ حياة جديدة في العملية السياسية الإسرائيلية –الفلسطينية.