رئيس الأركان المقبل؟ ليكُن مرهف الإحساس ويصمت
المصدر
دافار ريشون

 

الهجوم الذي يتعرض له اللواء يئير غولان هو بمثابة تجاوز لخط أحمر، لكن الجانب المثير للقلق حقاً هو السجال العام الضحل بشأن تعيين رئيس هيئة الأركان العامة للجيش. الجمهور لا يأبه لمواقف المرشحين في القضايا الجوهرية، بل يريد، فقط، رئيس أركان يكون بطلاًوصَموتاً.  

  • الحملة الإعلامية التي نظمتها منظمة اليمين السياسي "إيم تِرْتْسو/إذا كنتم تريدون"، وجنّدت لها 100 من العائلات الثكلى، ضد نائب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، اللواء يئير غولان، هي حملة مثيرة للغضب. فمحاولة تلطيخ صورة ضابط رفيع على هذا النحو، بعد أن أفنى نحو أربعين عاماً من عمره في خدمة الجيش والدولة، بجريرة خطاب ما، والادعاء بأنه يُحظَر تعيينه رئيساً لأركان الجيش لهذا السبب، هي بمثابة تجاوز لخط أحمر. وهناك أيضاً من عثر على تسجيل صوتي لغولان من حديث أجراه مع طلاب الكلية التحضيرية العسكرية قبل أكثر من عقد من الزمن أوضح خلاله أهمية "طهارة السلاح"، واختار تصويره وكأنه لا يأبه لحياة جنوده ويتخلى عنهم. غير أن المهاجِمين اختاروا، في المقابل، التغاضي عن "ملاحظة سلوكية" سُجلت في ملف غولان، نظراً إلى تجاهله الحظر الذي فرضته المحكمة العليا على استخدام "إجراء الجار" [إجراء يستخدمه الجيش الإسرائيلي عندما يشك جنوده في أن فلسطينياً "مطلوباً" يختبئ في منزل ما، ويتمثل في إرسال قريب "المطلوب" أو جاره إلى منزل ليدق الباب ويدعوه إلى الخروج، كي "يصطاده" الجنود عندها، وهو إجراء أدى إلى سقوط عدد من الفلسطينيين شهداء] بغية ضمان سلامة جنوده. لا بل، ذهب رئيس منظمة "إم ترتسو"، متان بيلغ إلى أبعد من ذلك حين شبّه غولان بالمارشال فيليب بيتان، رئيس حكومة ڤيشي الفرنسية التي تعاونت مع النازيين. لكن النقاش الإعلامي الذي جرى، والذي تصدت خلاله مجموعة من منتخَبي الجمهور الكبار للدفاع عن غولان، ومن ضمنهم وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، جسّد مدى سطحية وضحالة السجال العام في إسرائيل بشأن هذه المسألة المركزية المهمة المتعلقة بتعيين رئيس أركان الجيش.
  • وزير الدفاع هو الذي يختار رئيس أركان الجيش عادة، ويصدّق رئيس الحكومة، أولاً، ثم الحكومة كلها تالياً، على هذا الاختيار. وعلى الرغم من ذلك، يحرص الوزير المكلف عادة على الإصغاء إلى رغبات الجمهور، ونادراً جداً ما يختار مرشحاً لا يحظى بالإجماع. بين هذه الحالات النادرة، الاستثنائية، كان اختيار الوزير شاؤول موفاز قائد سلاح الجو السابق، دان حالوتس، وتفضيله على غابي أشكنازي (الذي حلّ محل حالوتس في سنة 2007، في تحول مفاجئ). وقبله، كان كذلك اختيار شاؤول موفاز نفسه من قِبل وزير الأمن يتسحاق مردخاي، الذي اختار تصفية حساب قديم بينه وبين نائب رئيس الأركان والمرشح البارز آنذاك، متان فيلنائي، منذ خدمتهما معاً في سلاح المظليين.
  • رئيس أركان الجيش في إسرائيل، خلافاً للدول الغربية الأُخرى، ربما هو الرجل الأكثر أهمية في الدولة بعد رئيس الحكومة. في التقديم الذي وضعه لكتاب "رئيس الأركان" الذي صدر مؤخراً (منشورات مودان، 2018)، لمؤلفه العميد (احتياط) د. مئير فينكل، قائد "مركز دادو للفكر العسكري المتعدد المجالات" التابع للجيش الإسرائيلي، يكتب رئيس الأركان الحالي، غادي أيزنكوت، إن لرئيس الأركان "ثلاث وظائف مميزة في الجيش الإسرائيلي: رؤية ساحة القتال بصورة شاملة، بالمعنى الاستراتيجي؛ رؤية استراتيجية واسعة تتناول الاستراتيجيا الشاملة والرؤية الفوقية للأذرع العسكرية، العملانية" (ص 9). وبصفته حلقة الوصل بين الجيش والقيادة السياسية، أي الحكومة وضمنها المجلس الوزاري المصغر، يقوم رئيس الأركان أيضاً بمهمة المستشار بشأن بناء القوات وتفعيلها، فضلاً عن كونه قائد الجيش في المعركة كلها أيضاً ومقاول التنفيذ لقرارات الحكومة ولمهمة بناء الجيش. رئيس الأركان السابق، دان حالوتس، قال إن من ضمن ما يتضمنه المنصب/الوظيفة "قيادة وإدارة، بناء القوة وتفعيلها، معرفة بالميزانيات... معرفة سياسية... شخصية إعلامية واجتماعية... لا تنحصر واجباته تجاه المسؤولين عنه فقط، بل تجاه الجمهور بصورة عامة..." (ص 18). صحيح أن رئيس الأركان خاضع للحكومة، لكن من الصعب تخيّل وضع توصي فيه الحكومة بعمل ما مناقض لرأيه. وثمة أمثلة بارزة على هذا يمكن العثور عليها في هيمنة رئيس الأركان حالوتس على مداولات الحكومة في إبان حرب لبنان الثانية (صيف 2016)، كما في تقرير لجنة الشؤون الأمنية والخارجية البرلمانية التي بحثت خطة "جدعون" المتعددة السنوات، التي وضعها أيزنكوت نفسه. فطبقاً للتقرير، صدّقت الحكومة على الخطة من دون أي فحص معمق لها تقريباً، بكل بساطة لأن رئيس الأركان أيزنكوت أوصى بها.
  • يقترح فينكل في كتابه (لا قرابة عائلية بيني وبينه!)، تعريفاً خاصاً به للوظيفة. يقول فينكل، الذي شغل في السابق منصب قائد لواء مدرعات، إن على رئيس الأركان "تفسير التفاهمات والقرارات التي يتوصل إليها المستوى السياسي والتوسط بينها وبين بنية الجيش (بكل ما فيها من معنى - الحجم، التنظيم، القدرات وما شابه)، وطريقة تفعيل الجيش في المواجهات المختلفة، إلى جانب تطوير آفاق العمل ووضع توصيات لقرارات يتخذها المستوى السياسي" (ص 20). ويري فينكل إن رئيس الأركان مسؤول، أيضاً، عن وضع سلم الأولويات للتنظيم بأسره (الجيش) وقيادة التغييرات المترتبة عليه، كما عن تصميم وتوجيه الثقافة التنظيمية، أي قيم الجيش وقواعده السلوكية، التي يعمل القادة العسكريون والجنود بهَدْيها.

إلى أين سيقودون الجيش؟

  • على الرغم من الضجة الإعلامية، يبقى اللواءان أفيف كوخافي ويئير غولان المرشحين الأبرز لوظيفة رئيس أركان الجيش الجديد المقبل. كلاهما قضى جلّ خدمته العسكرية في سلاح المظليين، وفي لبنان "بلغا سنّ الرشد"، بحسب تعبير أحدهما، كما توليا قيادة لواءين من سلاح المظلات ومن "الناحَل" في إبان الانتفاضة الثانية، ثم فرقتين خلال القتال في قطاع غزة و"يهودا والسامرة" (الضفة الغربية). وفي رصيد كل منهما تشكيلة من الوظائف والمناصب القيادية المهمة، بينها في لواء العمليات العسكرية، فضلاً عن منصب نائب رئيس الأركان، بما يمثله من محطة مهمة وضرورية في التحضير لمنصب القائد العام الجيش. أمّا المرشحان الآخران، فهما ضابطان مثيران للإعجاب والتقدير، يبلغان المنافسة بحقيبة خدمة ناقصة. أولهما، نيتسان ألون، أدى خدمته العسكرية في القوات الخاصة، ومنها "سييرت متكال سريّة الأركان" [إحدى وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي]. وعلى الرغم من أنه يُعتبر حاد البصيرة، إلاّ إنه لم يتولّ قيادة كتيبة أو لواء نظامي أو فرقة مقاتلة. وفي الجيش الذي يجري فيه الإعداد والتأهيل من خلال الوظائف التي يشغلها القائد العسكري، يجعله هذا كمَن يصل إلى رتبة لواء بينما تنقصه خبرة ومعرفة كبيرتان. أما الثاني، إيال زمير، فصحيح أنه أمضى فترة طويلة كضابط مدرعات في جميع جبهات القتال، إلاّ إن في رصيده، كما ألون، منصبين اثنين فقط، شغلهما برتبة لواء، أحدهما السكرتير العسكري لرئيس الحكومة.
  • السجال الجماهيري والإعلامي بشأن المنافسة على منصب رئيس الأركان يتمحور، دائماً تقريباً، في نقاش يبدو كأنه استراحة تخيم على الموضوع. نقاش يتناول خلفيات المتنافسين، في أي معارك وحروب شاركوا فيها أو قادوها، هل في تاريخهم ظلال ما (حتى لا نقول إخفاقات)، وهذا كل شيء. لا يجري، إطلاقاً تقريباً، أي بحث في السؤال ما إذا كان مسار المتنافسين العسكري متنوعاً بما فيه الكفاية، بمعنى اكتسابهم خبرات وأدوات إضافية أُخرى؟ ومن دون الاستخفاف بحيوية أن يكون المرشحون لقيادة الجيش قد شاركوا في وحدات قتالية وتميزوا في ساحات القتال أيضاً، إلاّ إن رئيس الأركان، بحكم وظيفته، يحتاج إلى تجربة وسلة قدرات متنوعة لا تشمل "الشجاعة والإقدام" فقط. السؤال الأكثر أهمية، الذي من المؤكد أنه قد تم بحثه خلال اللقاءات التي يعقدها وزير الأمن مع المرشحين المتنافسين، والذي لا يملك الجمهور أدنى فكرة عن الأجوبة عليه، هو: إلى أين يخطط كل من المرشحين لأخذ الجيش، في حال تعيينه رئيساً للأركان؟ حاوِلوا أن تسألوا أنفسكم: ما هو موقف كل واحد من المتنافسين في قضايا مثل خدمة النساء في الجيش بصورة عامة، وفي الوحدات القتالية والمختلطة خاصة، طهارة السلاح، وأخلاقيات القتال (قضية الجندي إليئور أزاريا، مثلاً)، بنية الجيش، مدة الخدمة العسكرية ونمطها (جيش مهني، نعم أم لا؟) وغيرها؟ وطبعاً، كيف يمكن من دونها؟ ما هي رؤيته لطريقة تفعيل الجيش في حال حصول مواجهة عسكرية؟
  • على سبيل المثال، يشدد رئيس الأركان الحالي كثيراً على أهمية القوات البرية والقتال البري في أي مواجهة عسكرية مستقبلية، في الشمال أو في الجنوب، وقد وظف موارد هائلة في جعل القوات البرية أكثر تدريباً ونجاعة. طاقم القتال اللوائي، المتعدد الأذرع، الجديد، إنشاء لواء الكوماندوس والإصلاح الواسع والعميق في تشكيلات الاحتياط - هي أمثلة بارزة للإجراءات التي بادر إليها وقادها. الرسالة التي وجهها مفوض شكاوى الجنود، اللواء (احتياط) يتسحاق بريك، مؤخراً، تضمنت نقداً حاداً لوضع القوى البشرية في الجيش، ولانعدام الدافعية لدى القادة العسكريين النوعيين للبقاء في الجيش والاستمرار في تأدية الخدمة النظامية الدائمة، ووضع القوات البرية المتدني مقارنةً بالوحدات الاستخباراتية والجوية (للتدليل على هذا، أشار إلى أن أيّاً بين القادة برتبة لواء الذين عُرض عليهم تولي قيادة القوات البرية لم يقبل ذلك). من الأفضل التعامل مع النقد بجدية، لأن الجيش عزيز جداً على قلب بريك، الذي اكتوى بدروس حرب سنة 1973، التي شارك فيها مقاتلاً. لكن، على الرغم من الرسالة الحادة، لا يمكن التغاضي عن أن أيزنكوت قد نفذ سلسلة من الإجراءات الجدية والمهمة بغية تعزيز القوات البرية.
  • هذه أسئلة جوهرية لكن الجمهور لا يتداولها ولا يتطرق إليها مطلقاً. أحد المرشحين كان قائد اللواء الذي خدمتُ فيه في سلاح المظلات، وهو قائد فريد في كفاءته، لكن ما الذي نعرفه عن مواقفه حيال هذه القضايا؟ لا نعرف ولا نسأل، أيضاً. في شهر حزيران الأخير، نظمت كلية التاريخ على اسم بروفيسور تسفي ياعبتس في جامعة تل أبيب مؤتمراً تحت عنوان "الإعلام والتاريخ المتشكِّل". خلال المؤتمر، أجرى بروفيسور أفيعاد كلاينبرغ ود. ياعيل شطرنهل حواراً مع عضو الكنيست عوفر شيلح (من حزب "يوجد مستقبل"، برئاسة يئير لبيد) الذي وجّه نقداً لاذعاً للسجال العام الضحل في القضايا الأمنية. وروى شيلح أنه يعالج قضايا الأجهزة الأمنية والعسكرية "كمهنة"، منذ سنوات طويلة جداً، من خلال عمله الصحفي التحقيقي سابقاً ثم من خلال عضويته في لجنة الشؤون الأمنية والخارجية التابعة للكنيست اليوم. وقال إن "لا زبائن" لنتاج عمله هذا وأضاف أن النقاش في المواضيع التي تخص الجيش والأجهزة الأمنية "سطحي" وأن الجمهور "لا يبدي أي اهتمام بالممارسة العملية لما تخصصون لبحثه أفضل سنوات حياتكم وحياة أبنائكم". وكان وزير الأمن السابق، شاؤول موفاز (الذي كان قائد كتيبة المظليين التي خدم فيها شيلح آنذاك)، قد أحسن التعبير في وصف هذه الحالة حين أوضح لشيلح - حين أصبح محللاً عسكرياً - أنه، وعلى الرغم من موافقته على العديد من مقترحاته بشأن بناء قوة الجيش، "إلاّ إن جلّ ما يريده شعب إسرائيل هو منع العمليات التفجيرية. على هذا، فقط، يحدّد موقفه منّي وتقويمه لي". هذا صحيح بالنسبة إلى رئيس الأركان أيضاً، لكنه لا يجب أن يكون كذلك.
  • الهجوم الأهوج والمنفلت الذي تعرض له اللواء يئير غولان ليس بمثابة شأن شخصي، إنما ظاهرة أوسع بكثير. يقف قائد رفيع في الجيش ويعرض، عبر سلسلة طويلة من المقابلات والمحاضرات التي عقدها منذ لحظة حصوله على رتبة لواء، منظوره القيمي والمهني، بدءاً برسائل إلى الجمهور مفادها أنه سيكون عليه إبداء درجة عالية من الصمود والمناعة في حال تعرضه لوابل من الصواريخ، في إبان توليه منصب قائد الجبهة الداخلية، وانتهاء بتشخيص سيرورات مثيرة للقلق في المجتمع الإسرائيلي، في خطاب ألقاه عشية "ذكرى الهولوكوست" قبل عامين. لم يفعل هذا أي واحد من اللواءات المتنافسين على منصب رئيس الأركان، سواه. أحدهم، مثلاً، لم يقبل إجراء مقابلات صحفية معه منذ كان برتبة عميد. وليس الأمر صدفة، إطلاقاً. يمكن التكهن بأنه قد فهم أن من الأفضل له عدم التورط في زلات لسان قد تدفع جمهوراً ما، لا يستسيغ الخروج عمّا يمليه حزب السلطة، إلى ملاحقته.

في السجال العام الجاري اليوم، وطالما أنه في الإمكان نشر رسوم للواء عامي أيالون، الذي حظي كضابط شاب في الكوماندوس البحري بأوسمة البطولة تقديراً له على الجرأة والشجاعة اللتين أبداهما خلال الغارة على الجزيرة الخضراء ["عملية بولموس 6"، التي نفذها بعض وحدات النخبة الخاصة في الجيش الإسرائيلي ضد محطة رادارات وإنذار مبكر وتشويش إلكتروني مصرية في خليج السويس، في تموز 1969، المترجم]، تصوّره أنه خائن، لأنه شارك في تظاهرة ضد "قانون القومية"، فمن الأفضل التزام الصمت. وحقيقة أن أحداً من المرشحين المتنافسين اليوم على منصب رئيس الأركان لم يعبّر عن أي رأي في أي من القضايا التي ذُكرت أعلاه تدل على أنهم فهموا الرسالة وتعلموا الدرس. اصمتوا وكونوا شجعاناً، فقط، من دون أي خطابات عن الأخلاق، على غرار "خطاب المقص" الذي استجلب حملة من التنديد ضد رئيس الأركان الحالي، من دون تفسيرات تفصيلية بشأن الحاجة والأهمية لخدمة متساوية للنساء في كل الوحدات الممكنة (لن ترغبوا في التورط مع الحاخامات، بالتأكيد). وباختصار، من دون التعبير عن أي موقف. في الولايات المتحدة، يجري أعضاء اللجنة الخاصة للقوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي جلسات استماع، تكون علنية في أغلبيتها ويجري بثها مباشرة عبر الإنترنت، لأي مرشح لمنصب قيادي ولمنصب رئيس هيئة الأركان المشتركة ويحققون معه بشأن مواقفه في جميع القضايا والمواضيع، إلى أن يتوصلوا إلى نتيجة وقرار. أمّا عندنا؟ فلا. لكن الجانب المثير للقلق حقاً، هو أن هذا لا يعنينا أيضاً.    

_________________

-  ترجمه عن العبرية: سليم سلامة.

-  راجع الترجمة: أحمد خليفة.