علينا العودة إلى الحوار الداخلي القديم بين اليسار واليمين
تاريخ المقال
المصدر
- في السنة الأخيرة كنت أعمل على بناء نموذج جديد للعلاقات بين دولة إسرائيل ومواطنيها العرب، انطلاقاً من روحية قيم توراة إسرائيل والصهيونية، بمشاركة مؤسسة بيت الحاخام كوك [مؤسسة دينية في القدس مركزها المنزل الذي سكن فيه الحاخام أبراهام يتسحاق كوك]. أحد الأشخاص الذي التقيتهم خلال عملي ادّعى أن لا حاجة إلى فتوى يهودية بشأن العلاقة المطلوبة بالأقلية العربية، لأن هذه العلاقة ستتبلور من خلال العلاقات الداخلية في داخل المجتمع اليهودي. بعبارة أُخرى، نمط الرد العربي على دولة إسرائيل متعلّق بشبكة العلاقات داخل الشعب اليهودي.
- في أعقاب هذا الادعاء عدت إلى مراجعة بحث كنت قد اطلعت عليه قبل سنوات سعى لدراسة العوامل التي كانت وراء توقيت انفجار الانتفاضة الأولى. في كانون الأول/ديسمبر 1987، لم يقدّر المسؤولون في الدولة قوة الاضطرابات وحجمها المستقبلي، ولا العوامل التي زرعت في الفلسطينيين الثقة من أجل تحطيم كل القواعد. مرت أسابيع قبل أن يفهموا في الجيش الإسرائيلي أن الاضطرابات وُلدت كي تبقى، وأن نموذج الاحتجاج الجديد يفرض استعداداً عسكرياً جديداً. لكن المسألة المتعلقة بتوقيت نشوب الاضطرابات ظلت تقلق كثيرين. لم يكن السبب حادثة اصطدام بين شاحنة يقودها سائق يهودي وبين الباص الذي كان ينقل فلسطينيين عائدين إلى غزة بعد يوم عمل في إسرائيل، كما اعتقدوا في البداية. كما أن الادعاءات أن السبب هو القمع والكبت المستمرين لم تنجح في تفسير التوقيت، وأيضاَ التفسيرات التي أشارت إلى عوامل اقتصادية وديموغرافية أو إلى تطور وعي وطني. هل كان التوقيت عشوائياً، وجاء ثمرة انفجار مشاعر جماعية غير مخطَّط لها؟ تتضح أهمية السؤال بعد مرور 30 عاماً، في ضوء مواجهة المجتمع اليهودي في دولة إسرائيل لردة فعل اليسار على قانون القومية.
- كانت النتائج التي توصل إليها البحث قاطعة: في الأعوام التي سبقت الانتفاضة درس الفلسطينيون المجتمع اليهودي، وعرفوا الطريقة الأفضل للمواجهة مع المؤسستين السياسية والقضائية عندنا ومع الرأي العام. وقبل كل شيء أمعنوا النظر في العمليات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي، وخصوصاً النزاع بين كتل اليسار واليمين.
- في الأعوام التي سبقت الانتفاضة اهتمت أخبار كثيرة في الصحف الفلسطينية بالنزاع الداخلي الإسرائيلي في تلك الفترة: الخلاف على الذهاب إلى سبسطية، رسالة الضباط، الصراع على إخلاء يميت، والاحتجاج على الحرب في لبنان، مقتل إميل غرينزفايغ [ناشط من حركة السلام الآن قُتل جرّاء إلقاء قنبلة على تظاهرة للحركة سنة 1983]، قضية العصابة السرية اليهودية، [المسؤولة عن اغتيال شخصيات فلسطينية]، وقضية خط الباص 300 [تصفية الإسرائيليين المجموعة الفلسطينية التي خطفت الباص رقم 300].المتابعة الإعلامية الفلسطينية التقطت التراجع في مستوى التضامن داخل مجتمع الأكثرية اليهودية. ورأى الفلسطينيون في تعمق الخلافات الأيديولوجية والضعف في التضامن اليهودي فرصة سياسية من أجل الدفع قدماً بنضالهم.
- العلاقة بين الأزمات الداخلية الإسرائيلية وبين التوجهات الخارجية للمواجهة اليهودية - العربية مهمة اليوم أكثر من أي وقت آخر، على خلفية الجدل الدائر حول قانون القومية. إن قانون القومية يحقق العدالة التاريخية والدستورية والقانونية ويشكل رداً على التفسير المشوه والمستمر الذي تستخدمه أطراف في داخل إسرائيل وخارجها للهوية اليهودية للدولة. لقد ربح الشعب اليهودي عن حق قانون القومية، والمعارضون له كانوا السبب، لأنهم ساهموا طوال عشرات السنوات في التدمير المستمر للتضامن الداخلي اليهودي، ليس فقط في مجال النزاع اليهودي - العربي، بل ايضاً في مسائل الدين والدولة والمجتمع الجوهرية من أجل تحديد الهوية اليهودية للدولة.
- الاستئناف الذي قدمته حركة ميرتس إلى محكمة العدل العليا ساهم كثيراً في خلق فرصة سياسية أُخرى للعرب للدفع قدماً بسعيهم المكشوف من أجل اقتلاع الهوية اليهودية من دولة إسرائيل. بعد مرور 30 عاماً على الانتفاضة السياسية. هناك من يقرأ المجتمع اليهودي ككتاب مفتوح ويستغل الجدل الداخلي للدفع قدماً بانتفاضة فكرية ضد الدولة اليهودية.
- في المقابلة التي أجراها غازي بركاي مع عضو الكنيست أيمن عودة، زعم رئيس اللائحة المشتركة العربية عودة أن قانون القومية يحدد قانونياً التفوق اليهودي في الدولة. وطالب بمساواة جميع المواطنين في دولة إسرائيل، ورفض قبول الدولة اليهودية. هذه المطالبة غير الواقعية موجودة في كل فقرة في وثائق الرؤية العربية، ولو لم تكتشف الأقلية العربية أن هناك فرصة لأن تحظى بتأييد اليسار من أجل تحقيق حلمها، لما استطاعت صوغ وثائق رؤيتها.
- تطرح هذه الأمور خلاصتين: الأولى، صديقي كان على حق، علاقة الجمهور العربي بالدولة تقررها العلاقات الداخلية بيننا. بناء على ذلك، على المجتمع اليهودي، وخصوصاً معسكر اليسار، العمل على إغلاق نافذة الفرصة التي قدمناها للأقلية العربية التي تعارض الطابع اليهودي للدولة، وإعادة ثقافة الجدل إلى الحوار الداخلي القديم بين اليمين واليسار. ثانياً، حان الوقت للاعتراف بأنه لن يكون هناك قط مساواة وطنية في دولة إسرائيل. ومحاولة الالتفاف على هذه الحقيقة والمراوغة والمناورة حولها طوال 70 عاماً هي المصدر الأساسي للأزمات الوطنية في دولة إسرائيل، وهي التي تغذي أزمة الثقة بين الطرفين. إن الحدود اليهودية الواضحة لدولة إسرائيل هي أفضل شهادة تأمين مدنية للأقلية العربية والإسلامية في الشرق الأوسط، التي تتبنى قيم الديمقراطية بطريقة انتقائية. بناء على ذلك هذا هو الوقت الملائم أيضاً لأن يفحص خبراء القانون العبري إمكان تشريع قانون أساس إضافي يكون ملحقاً بقانون القومية ومستمداً تحديداً من القانون العبري، ويعبّرعن التزام الدولة اليهودية – الديمقراطية حيال الأقلية التي تعيش فيها.