•يدل وصول وفد روسي رفيع المستوى للاجتماع برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، ورئيس الأركان غادي أيزنكوت، على أن الاتفاقات التي توصل إليها نتنياهو مع بوتين، وأيضاً التي توصل إليها ترامب مع بوتين، هي مبدئية فقط وبعيدة عن حل معظم التفاصيل المتعلقة بمستقبل سورية وهضبة الجولان، والتي ما تزال موضع خلاف. والموضوع الذي ما يزال مفتوحاً على الصعيد الاستراتيجي هو مطالبة إسرائيل بمنع الوجود والتمركز الإيرانييَيْن في سورية على المدى البعيد وثمة موضوع آخر هو الترتيبات الأمنية المطلوبة بصورة ملحة لأن جيش الأسد بدأ اليوم المرحلة الأخيرة من سيطرته على هضبة الجولان في سورية، وأيضاً على المنطقة المحاذية للقنيطرة الموجودة على حدود المنطقة المنزوعة السلاح مع إسرائيل.
•حقيقة عدم وجود اتفاقات تفصيلية بشأن الجولان هو أكثر ما يقلق إسرائيل، ولذا زاد الجيش الإسرائيلي عملياته سواء في منطقة الهضبة أو في عمق سورية. والهدف: أن يوضح للروس وللأسد أنه ما دام لم يتم التوصل إلى اتفاق تفصيلي بشأن الجولان، وموافقة مبدئية من قبل روسيا وسورية على إبعاد الإيرانيين في المستقبل البعيد، ستواصل إسرائيل عرقلة سيطرة الأسد على الهضبة وستردّ بقوة على أي انتهاك لاتفاق فصل القوات العائد إلى سنة 1974.
•الأكثر خطورة بالنسبة إلى إسرائيل هو أن الوحدات التابعة للجيش السوري التي تتقدم حالياً نحو القنيطرة ومناطق أُخرى في شمال الجولان السوري تضم داخل صفوفها ميليشيات شيعية مؤيدة لإيران وخاضعة لوصايتها، بينها حزب الله وعدد قليل من الحرس الثوري الإيراني. وذلك بخلاف واضح للتعهدات التي قدمها بوتين لنتنياهو وللرئيس الأميركي ترامب خلال لقائهما في هلسنكي.
•الفرقة الرابعة السورية تضم عناصر من الميليشيات من العراق وأفغانستان وأيضاً من حزب الله، يرتدون بزات جيش الأسد، ومندمجين في صفوفه. لا يُخفى هذا الواقع على الاستخبارات الإسرائيلية، وعلى ما يبدو، هو كان سبب الاتصال الهاتفي الذي أجراه نتنياهو ببوتين قبل بضعة أيام، وربما أيضاً سبب إطلاق صاروخ مقلاع داود نحو صواريخ سورية أُطلقت من الغرب نحو الشرق.
•الصواريخ السورية من طراز SS-21، الدقيقة نسبياً والقادرة على حمل رأس متفجر يزن نصف طن، كانت موجهة، على ما يبدو، إلى جيب داعش الواقع في المثلث الحدودي بين إسرائيل والأردن وسورية، لكن بحسب الاتجاه وزاوية الإطلاق بدا وكأنها كانت معدّة للسقوط داخل أراضي إسرائيل. وقد قرر قائد كتيبة مقلاع داود اعتراضها ولم يشأ تفجير صاروخ ثقيل إلى هذا الحد في أراضي إسرائيل، لكن من الممكن الافتراض قطعاً أنه حصل على موافقة على الاعتراض من دون أي مشكلة، أيضاً لأن التقدير في إسرائيل كان أن السوريين سيحاولون الانتقام من الهجوم على منطقة حماه يوم أمس الذي نسبه السوريون ووسائل الإعلام إلى إسرائيل.
•ثمة سبب آخر يمكن أن يكون هو أنه كان من المهم لإسرائيل أن توضح مرة أُخرى أنها لن تسمح للسوريين بالخروج عن اتفاقات فصل القوات العائدة إلى سنة 1974، وأيضاً عن التعهدات الروسية التي بحسبها لن تدخل قوات إيرانية أو ميليشيات تدور في فلك طهران إلى هضبة الجولان. الهدف من التعهد الروسي هو ضمان ألاّ تزعج إسرائيل الأسد في بسط سيطرته على هضبة الجولان وعلى الحدود مع الأردن، لكنْ، كما ثبت لإسرائيل، السوريون يمارسون الخداع، وإسرائيل لا تنوي السكوت عن ذلك.
•تطالب إسرائيل أيضاً بالسماح للمتمردين السوريين التابعين لتنظيم فرسان الجولان بالبقاء في المنطقة المنزوعة السلاح بين الحدود الإسرائيلية والحدود السورية في مرتفعات الجولان. لكن فقط كتنظيم مدني. ولقد اتضح في القدس ولدى قيادة الأركان في الجيش في تل أبيب أن الإيرانيين، على ما يبدو، لا يعبأون بالتعهدات الروسية، وأن الأسد يسمح لهم بالاندماج في داخل جيشه. بناء على ذلك يمكن التقدير أن إسرائيل بلّغت أنها لن تسمح للأسد بمواصلة السيطرة على هضبة الجولان، وهذا ما دفع بوزير الخارجية الروسي لافروف وبرئيس الأركان الروسي غراسيموف إلى المجيء إلى تل أبيب اليوم.
•تطالب إسرائيل فعلياً ليس فقط بإعادة تطبيق اتفاق فصل القوات العائد إلى سنة 1974، بل أيضاً بعودة قوات الأمم المتحدة التي غادرت المنطقة في بداية الثورة ضد الأسد في هضبة الجولان، والأهم من ذلك أنها تصرّ على الحصول على ضمانات وبراهين ملموسة يجري تحديدها في اتفاق مفصل يمنع اقتراب الميليشيات الشيعية الخاضعة لوصاية إيران والحرس الثوري الإيراني من الحدود الإسرائيلية ويتيح بقاءها على مسافة تتراوح ما بين 80 أو 100 كيلومتر(هذا ليس نهائياً).
•بالإضافة إلى ذلك، تطالب إسرائيل مبدئياً وعملياً بعدم وجود صواريخ إيرانية في سورية، وأيضاً منظومات مضادة للطائرات- خصوصاً صواريخ مضادة للطائرات- تعرّض للخطر حرية التحرك الإسرائيلي الجوي فوق سورية ولبنان، وطبعاً في أجواء إسرائيل. لذا تطالب إسرائيل بإخراج كل القوات الإيرانية من جميع الأراضي السورية وليس فقط من مسافة عدة عشرات الكيلومترات من الحدود مع إسرائيل.
•لكن هذا ليس كل شيء. يوجد حالياً في يد إسرائيل ورقة وهي: استعدادها للموافقة على بسط الأسد سيطرته من جديد على جميع أنحاء سورية، وعلى هضبة الجولان، وذلك بشرط عدم بقاء الإيرانيين في سورية وعدم تمركزهم فيها عسكرياً لوقت طويل.
•ثمة مطلب إسرائيلي آخر هو عدم السماح للإيرانيين بالسيطرة على معابر الحدود بين سورية والعراق بواسطة الميليشيات العراقية الموالية لهم، الأمر الذي سيسمح للإيرانيين بالاحتفاظ بممر بري من طهران يمر بالعراق ويصل إلى سورية ومن هناك إلى لبنان. ومن المهم بصورة خاصة لإسرائيل ألاّ يسيطر الإيرانيون والتنظيمات الدائرة في فلكهم على مدينة البوكمال الاستراتيجية الواقعة على نهر الفرات، والتي تسيطر عملياً على معبر الحدود الرئيسي بين العراق وسورية، وعلى الطريق الرئيسي المؤدي إلى دمشق.
•لم يكن بوتين مستعداً لأن يتعهد لنتنياهو بذلك خلال اجتماعهما الأخير في موسكو كما لم يكن مستعداً للتعهد بذلك لترامب أيضاً. وعلى ما يبدو لم يفهم الرئيس الأميركي الخدعة الروسية عندما قيل له إن روسيا تريد إبعاد إيران من سورية، لكن حالياً هذا أمر غير عملي.
•تريد إسرائيل الحصول الآن وقبل أن تخسر الورقة التي لديها في مقابل الأسد في هضبة الجولان على تعهد مبدئي من سورية ومن الروس بأنهما لن يسمحا للإيرانيين بالتمركز في سورية، وأنهما سيخليان موقعهما في البوكمال ولن يقيما ممراً برياً يتيح لهما، ليس تسليح حزب الله فقط، بل إقامة جبهة مستقلة ضد إسرائيل مع الميليشيات الموالية لها، ومع حزب الله في الأراضي السورية.
•الوصول السريع لوزير الخارجية الروسي لافروف ورئيس الأركان غراسيموف يدل على أن التهديد الإسرائيلي استوعب جيداً في موسكو. لأنه من المهم جداً بالنسبة إلى بوتين السماح للأسد ببسط سيطرته على سورية كلها كي يصبح في الإمكان التوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب الأهلية، ولأن الأسد والنظام السوري نفسه معنيان بالسيطرة على الجولان وعلى جنوب غرب سورية حتى الحدود مع الأردن والحدود مع إسرائيل كخطوة رمزية تدل على انتصارهما في الحرب الأهلية.
•ستحاول إسرائيل، أي نتنياهو ورئيس الأركان أيزنكوت، استغلال هذه الورقة إلى أقصى حد من أجل التوصل إلى اتفاقات تفصيلية مكتوبة تلزم جميع الأطراف وتمنع نشوء وضع مشابه للوضع في الجنوب اللبناني بعد حرب لبنان الثانية، عندما انتهك حزب الله الاتفاقات التي وقّعتها الحكومة اللبنانية وتمركز بسلاحه في القرى المتاخمة للحدود. هذا ما تريد دولة إسرائيل منعه، وعلى هذا تجري المفاوضات مع الروس.