عقبات جديدة أمام تصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

 في الأسابيع الأخيرة سُجل تطوران  يهددان بحدوث تقليص كبير في إمكانات تصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل. الأول فوز أردوغان في الانتخابات في تركيا والتوسيع المنتظر لصلاحياته،وهو ما يقلل وربما يلغي فرص إنشاء أنبوب غاز تحت مياه البحر من إسرائيل إلى تركيا. والثاني هو  التقارير الأولية بشأن العثور على مخزون جديد للغاز في مقابل سواحل مصر، الأمر الذي يشكل خطراً على إمكان التصدير من إسرائيل إلى مصر أو استخدام منشآت التسييل في مصر من أجل التصدير إلى أوروبا.

•من الناحية الاقتصادية، تُعتبر تركيا هدف التصدير الأسهل والأكثر ربحاً بالنسبة إلى شركات الغاز في إسرائيل. من المتوقع أن يزداد طلب السوق التركي على استيراد الغاز الطبيعي بصورة كبيرة في السنوات المقبلة، من 55 مليار متر مكعب في سنة 2017 إلى نحو 75 مليار متر مكعب في سنة 2025. ومن المتوقع أن تقدم روسيا نصف هذه الكمية (50% حتى 60%)، بالإضافة إلى 20% من إيران ونحو 10% من أذربيجان. وستتنافس على خُمس الكمية، أي نحو 15مليار متر مكعب، دول أُخرى مصدرة للغاز، مثل العراق، وتركمانستان وربما إسرائيل. ويُقدر أن إسرائيل مستعدة لتزويد تركيا بما بين 8-16 مليار متر مكعب لمدة 15 عاماً، نظراً إلى محدودية قدرة استيعاب الأنبوب تحت المياه، والصفقات التي ستنجح شركات الغاز في الحصول عليها في تركيا. 

•بالإضافة إلى ذلك، تشكل تركيا إمكانية انتقال مريحة للغاز الإسرائيلي من خلالها إلى أوروبا. وكلفة مد انبوب إلى الساحل الجنوبي لتركيا أقل من خيار بناء أنبوب مباشر إلى أوروبا عبر اليونان، ومن إقامة منشأة تسييل خاصة في أراضي إسرائيل. وتركيا مستعدة لأن تدفع في مقابل الغاز الإسرائيلي أكثر مما تدفعه لقاء غاز روسي، لأنها معنية بتقليص اعتمادها على روسيا. كل هذا كان من المفترض أن يحوّل تركيا إلى هدف مرغوب فيه أكثر بالنسبة إلى الغاز الإسرائيلي.

•مع ذلك، توجد عقبات سياسية وجغرافية كثيرة وذات وزن ثقيل في وجه الاستثمار في مشروع مكلف كهذا. أولاً،  أقصر خط أنبوب من خزانات الغاز الإسرائيلي إلى الساحل التركي يجب أن يعبر المياه الاقتصادية الخالصة لدولتين، لبنان وسورية. وعلى الرغم من أن القانون الدولي لا يمنع تمديد أنابيب في المياه الاقتصادية "لدولة معادية"، فإن الخطر الأمني المتعلق بهذه الحالة يمكن أن يجبر سلاح البحر الإسرائيلي على الدفاع عن خطوط الأنبوب على طول امتداده تقريباً. وثمة خط محتمل آخر للأنبوب هو عبر المنطقة الاقتصادية لقبرص، وهذا نظرياً لا يحتاج إلى تسوية النزاع بين تركيا وقبرص. ولكن فعلياً، إن كل طرف يستخدم في السنوات الأخيرة مشكلات الغاز كأداة مساومة سياسية ومن المعقول أن اتفاق مد الأنبوب يحتاج إلى تسوية واسعة لجميع حقوق الحفر والتنقيب حول قبرص، الأمر الذي  يمكن أن يصعّب من الدفع قدماً بالعملية.

•الأهم من ذلك،  أن العلاقات الإقليمية لتركيا بصورة عامة، وعلاقتها بإسرائيل بصورة خاصة، لا توفر لشركات الغاز الاستقرار المطلوب من أجل إقامة أنبوب بين أكثر من دولة. صحيح أن تدهور العلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل الذي بدأ منذ أواخر سنة 2008 قد كُبح موقتاً في أعقاب "اتفاق تطبيع العلاقات" بين الدولتين العائد إلى حزيران/يونيو 2016، لكن هذا التدهور تجدد بقوة جرّاء أحداث العنف التي وقعت في السنة الأخيرة في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف] وفي جبهة غزة. 

•في الوضع الحالي، ثمة شك كبير في أن أردوغان سيصادق على اتفاق تزود بموجبه شركات إسرائيلية تركيا بالغاز الطبيعي. وهناك شك أيضاً  فيما إذا كانت شركات الغاز نفسها ستوافق على المخاطرة بالتورط مع رئيس تركي شديد العداء لإسرائيل. لكن لأردوغان أيضاً اعتبارات اقتصادية – وطنية يمكن أن تتغلب على الرغبة في إلحاق الضرر بأطراف اقتصادية إسرائيلية، لذا، إذا أقرت حكومة تركيا صفقة التزود بغاز إسرائيلي، من المعقول أن تأخذ هذه الصفقة طريقها نحو التنفيذ. 

•عملياً،  بقي لشركات الغاز الإسرائيلي خيار واحد مهم لتصدير الغاز هو مصر ومنشآت التسييل التي لديها في إيدكو وفي دمياط. كميات الغاز التي يحتاج اليها الأردن والفلسطينيون ضئيلة نسبياً، وفكرة بناء أنبوب تحت الماء مباشرة إلى اليونان يتنافى مع أي منطق اقتصادي، بالإضافة إلى المصاعب التقنية المتعلقة ببنائه. في شباط/فبراير 2018 وقّعت شركتا "في تمار" و"لفيتان" اتفاقاً مع شركة دولفينوس المصرية من أجل التزود بـ64 مليار متر مكعب خلال 10 سنوات. وفور نشر البيان طُرحت تساؤلات بشأن حاجة مصر إلى الصفقة. بعد سنوات من النقص في سوق الغاز المصرية، مصر الآن على عتبة ثورة من المتوقع أن تجعلها مستقلة بالكامل. حقل "ظُهر" الضخم، الذي اكتُشف قبل 3 سنوات يزود السوق المصرية حالياً بنحو 11 مليار متر مكعب سنوياً، ومن المتوقع أن يصل إلى إنتاج يقدّر بنحو 29 مليار متر مكعب في أواخر سنة 2019. بالإضافة إلى ذلك توجد تقارير أولية تتعلق بالعثور على حقل أكبر كثيراً في مصر يحمل اسم "نور". إذا لم تؤكد الفحوص الكاملة وجود حقل يستحق الاستثمار والإنتاج، فإن الاستيراد من إسرائيل سيساعد على ردم الفجوة في التزود بالغاز الطبيعي في مصر على المدى القصير، وهذا الأمر بالإضافة إلى صفقة التصدير إلى الأردن سيؤمّنان الاستثمار في تطوير حقل لفيتان. لكن كل كمية تجارية إضافية تُكتشف وتُنتج في مصر ستقلص كثيراً من جدوى استيراد الغاز من إسرائيل.

•خطر كبير آخر أثارته التقارير بشأن العثور على حقل جديد في مصر هو احتمال وقف استخدام منشآت التسييل المصرية الموجودة على أراضيها. الحقل الجديد سيلبي الطلب المصري على الغاز في المستقبل المنظور وسيوقظ مجدداً الرغبة المصرية  في التصدير إلى أوروبا من خلال المنشآت التي تعمل اليوم بصورة جزئية فقط. في مثل هذه الحالة لن يكون هناك مكان في هذه المنشآت لغاز إسرائيلي وستتلاشى إمكانات تصدير إسرائيل غازاً سائلاً إلى أوروبا عن طريق مصر.

•ينطوي الغاز الطبيعي المكتشف في المياه الاقتصادية الخالصة لإسرائيل على إمكان تحقيق أرباح هائلة ومداخيل لصندوق الدولة، وأيضاً  على إمكان تحسين علاقات إسرائيل بجيرانها. لكن الوقت الطويل الذي استغرقته العملية السياسية الداخلية في إسرائيل المتعلقة بتطوير الحقول بالإضافة إلى التطورات التي سُجلت مؤخراً في تركيا ومصر تصعب على إسرائيل تحقيق هذا الإمكان. بالاضافة إلى ذلك، فإن دولاً منتجة في المنطقة، حالية أو أُخرى محتملة (مصر، السلطة الفلسطينية، لبنان وقبرص) لا تحظى بكامل الإمكانات الاقتصادية والسياسية التي يتيحها الغاز الطبيعي، لأنها غير قادرة على التغلب على النزاعات فيما بينها، وأحياناً تعمل هي نفسها ضد مصلحتها الاقتصادية الصرفة.

•ثمة فوائد أخرى يمكن الحصول عليها من الغاز لا علاقة لها بالدول المحيطة بإسرائيل. وهي تتعلق بالتوفير المالي الكبير الناتج من استخدام الغاز في الصناعة والزارعة والمواصلات في إسرائيل، والتخفيف من تلوث البيئة الناجم عن ذلك. مع ذلك، يجب أن نتذكر أنه حتى في السيناريو الأكثر تفاؤلاً لا تستطيع السوق الإسرائيلية استيعاب كميات كبيرة من الغاز في السنوات المقبلة من أجل تبرير تطوير حقل "لفيتان". 

•إذا لم تنفذ صفقة تصدير الغاز إلى مصر، ستصبح شركات الغاز معتمدة على صفقة تصدير صغيرة نسبياً مع الأردن كملاذ وحيد لها، الأمر الذي يعرّض تطوير الحقول للخطر، ويجعل إسرائيل من دون غطاء في حال وقوع خلل مستمر في حقل "تمار". لذا يجب على شركات الغاز الضغط من أجل تنفيذ صفقة التصدير مع مصر، ما دام يوجد نقص مصري في الغاز، ويتعين على حكومة إسرائيل المساعدة في ذلك من وراء الكواليس إذا لزم الأمر.