شرط نجاح "صفقة القرن"- تغيير قيادة السلطة الفلسطينية
المصدر
مركز القدس للشؤون العامة والسياسة

تأسس المعهد في سنة 1976، وهو متخصص في الدراسات السياسية والدبلوماسية والاستراتيجية. يترأس المعهد، حالياً، السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة دوري غولد. ينشر المركز مقالات يومية يمكن الاطلاع عليها باللغتين العبرية والإنكليزية على موقعه الإلكتروني. كما تصدر عنه سلسلة من الكتب، ويمتاز بمواقفه التي تتماهى مع اليمين في إسرائيل.

•أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب تفاؤلاً في ختام لقائه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض يوم 25 حزيران/ يونيو الحالي، وقال للصحافيين إنه "تحقق تقدّم كبير في الشرق الأوسط"، لكنه رفض تحديد أي موعد لنشر "صفقة القرن" وأضاف أن "الوضع قد تحسن منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، إذ تسير الأمور بصورة مختلفة جداً منذ أن وضعنا حداً للاتفاق النووي، الفظيع والكارثي".  

•مع ذلك فإن المستعدين لتبني تفاؤل ترامب هذا في المناطق [المحتلة] والدول العربية هم قلائل جداً، وخصوصاً بعد أن نشر الملك عبد الله، من خلال وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، بياناً قال فيه إنه أوضح للرئيس ترامب أن "دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية هي الطريق الوحيدة لإنهاء الصراع وضمان الأمن والاستقرار".  

•ووصف نبيل أبو ردينة، مستشار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أيضاً، تصريح ترامب بأنه "خيال" وقال، في بيان نشره، إن "صفقة القرن" أصبحت "صفقة غزة" وهدفها إلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية والمشروع الوطني المتمثل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون القدس الشرقية عاصمتها. وحذر من مغبة الانجرار وراء الأفكار المختلفة الخاصة بقطاع غزة، مثل الفكرة الإسرائيلية بشأن إقامة ميناء بحري في قبرص خاص بغزة، خارج إطار حل سياسي شامل.

•وانتهت الأسبوع الفائت جولة المبعوثين الأميركيين جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات في الشرق الأوسط. وقالت الناطقة بلسان البيت الأبيض، سارة هاكبي ـ ساندرز، إن المباحثات التي أجراها المبعوثان كانت مفيدة، على الرغم من أنهما لم يلتقيا القيادة الفلسطينية التي تقاطعهما. وإذا كان قد حصل تقدم ما، فقد تحقق مع قادة قطر، ومصر، والأردن، والسعودية.  

•إن العريس المركزي الغائب عن هذه الاحتفاليات هو السلطة الفلسطينية، أو محمود عباس على وجه الدقة والتحديد، الذي لا يجري أي حوار بينه وبين الإدارة الأميركية. وحتى لو تحقق تقدم ما، فلن يكون في الإمكان تحقيق اختراق سياسي من دون الجانب الفلسطيني. 

•لوحظ أيضاً أن روسيا تسكب من جانبها ماء بارداً على التفاؤل الذي عبّر عنه الرئيس ترامب. فقد قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، لأعضاء وفد حركة "حماس" الذين قاموا بزيارة سياسية إلى موسكو، إن الولايات المتحدة وحدها لا تستطيع تحقيق تسوية لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. 

•وثمة شك كبير فيما إذا كانت مصر والأردن قد غيّرتا موقفهما الداعم للقضية الفلسطينية في إثر جولة المبعوثين الأميركيين، على الرغم من الضغوط الأميركية الشديدة والوضع الاقتصادي المتردي في كلتا الدولتين. 

•لا يرغب الملك عبد الله الثاني في فقدان مكانته وصياً على الأماكن المقدسة في القدس وهو يخشى أن يثير قبول "صفقة القرن" موجة من التظاهرات العارمة في مختلف أنحاء المملكة، قد تصبح مثل "أثر الدومينو"، كما حصل في ظاهرة "الربيع العربي". وكانت حركة "الإخوان المسلمين" في الأردن قد دعت، يوم 26 حزيران/ يونيو، إلى إفشال "صفقة القرن" بشتى السبل والوسائل.  

•مصر أيضاً، وعلى الرغم من وضعها الاقتصادي الصعب، لم تغيّر موقفها حيال حل الصراع، إذ يخشى الرئيس عبد الفتاح السيسي كذلك من اندلاع موجة كبيرة من الاحتجاجات في بلده ضد "صفقة القرن" واستغلال الأمر من جانب حركة "الإخوان المسلمين"، التي أعلنها تنظيماً إرهابياً، لزعزعة استقرار سلطته.  

•وفقاً لعدد من التقارير الإعلامية العربية، يبدو أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو القائد العربي الأساسي الذي يبدي قدرة مفاجئة على المرونة، ويبدي انفتاحاً ملحوظاً على الأفكار الأميركية الجديدة. وهو يفعل ذلك من وراء الكواليس لتحصيل بعض النقاط لدى إدارة ترامب، لكنه فشل حتى الآن في إقناع محمود عباس بالاستماع إلى تفاصيل "صفقة القرن" قبل رفضها المُطلق والنهائي. 

•تتوجس الدول العربية، وخصوصاً السعودية والدول الخليجية الأُخرى، من إيران في إثر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. ويعيش الملك عبد الله الثاني حالة من القلق الشديد جرّاء احتمال دخول ميليشيات إيرانية إلى درعا في جنوب سورية، قد تشكل تهديداً للأردن من الشمال. غير أن هذا كله ليس كافياً بعد لكي يجرّوا الفلسطينيين عنوة إلى طاولة المفاوضات بغية البحث في "صفقة القرن". وتخشى هذه الدول كلها الظهور كأنها خانت القضية الفلسطينية وتمارس لعبة مزدوجة في مقابل ترامب وفي مقابل محمود عباس، ستكون أشبه برقصة مزدوجة على حبل رفيع جداً قد تسقط عنه.    

•يمكن تفهُّم رغبة الرئيس ترامب في تحقيق اختراق سياسي في ملف الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لكن إذا كان يعتمد على زعماء الدول العربية وينتظر منهم القيام بهذه المهمة من أجله، فهو يراهن على حصان خطر جداً.  

•بناء على ذلك، ليس ثمة أي طرق مختصرة. وينبغي لترامب لقاء القيادة الفلسطينية والتحادث معها مباشرة. لكن محمود عباس، كما تبدو الأمور في هذه المرحلة، غير معني بالتوصل إلى تسوية سياسية، بل يفضل اعتزال الحياة السياسية وقد حافظ على "الخطوط الحُمر" الفلسطينية. ومن هنا، من الأفضل للرئيس ترامب إدخال "صفقة القرن" إلى الثلاجة بضعة أشهر ريثما يتم تبديل القيادة الفلسطينية الحالية، وعندئذ تجري محاولة تسويقها مرة أُخرى من جديد.