•مثل قصة حب تجري في السر تدير إسرائيل علاقاتها مع العالم العربي. يوم الاثنين هذا الأسبوع استقبل العاهل الأردني الملك عبد الله رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو. كان لقاء شارك فيه كثيرون، وتناول فيه الجانبان موضوعات عديدة، كما وقّعا اتفاقاً اقتصادياً. لكن على الرغم من ذلك لم ينشر القصر الملكي صورة عن الحدث. وعلى غير العادة لم ينشر المصور الرسمي الصور على الفايسبوك. وحتى البيان الرسمي تعاطى مع اللقاء كأمر سيء يجب إنهاؤه في أسرع وقت ممكن. وجاء في بيان القصر الملكي: "رئيس الحكومة نتنياهو غادر الأردن بعد زيارة قصيرة".
•زيارة قصيرة هي أمر نسبي، لأنه جرت في اللقاء مناقشة موضوعات وجودية بالنسبة إلى الأردن ومهمة جداً بالنسبة إلى إسرائيل. رئيس الموساد يوسي كوهين، والمستشار الاقتصادي لنتنياهو آفي سمحون، وسكرتيره العسكري العميد إليعيزر تولدانو، ومستشارون آخرون انضموا إلى الاجتماع. في الجانب الأردني حضر نظير كوهين، عدنان الجندي، ووزير الخارجية أيمن صفدي، ومجموعة كبيرة من مستشاري الملك. إذا كانت هذه هي التركيبة، من الواضح أن ما حدث ليس زيارة مجاملات قصيرة بل زيارة عمل.
•تحدث الزعيمان عن العودة المرتقبة لنظام الأسد إلى الجولان السوري، وهذا تطور يمكن أن يُغرق الأردن بموجة لاجئين إضافية، ويغرق الجولان، على الرغم من استياء إسرائيل، بميليشيات إيرانية. ونسّق الاثنان مواقفهما بشأن صفقة القرن، التي جاء مستشارا الرئيس ترامب إلى المنطقة من أجل الدفع بها قدماً. واتفقا على المحافظة على مكانة الأردن في جبل الهيكل [الحرم القدسي الشريف]. واعترف الملك لنتيناهو بالمساعدة الخاصة التي قدمتها إسرائيل في الفترة الأخيرة، والتي لا تسمح الرقابة بنشر تفاصيلها.
•ما يمكن قوله هو أن الأردن يعاني جرّاء أزمة اقتصادية عميقة، وقد جرى الاتفاق خلال اللقاء على أن تزيل إسرائيل بضعة موانع تجعل من الصعب اليوم تصدير السلع الزراعية من الأردن ومن يهودا والسامرة [الضفة الغربية]. وهذا القرار ليس المساهمة الإسرائيلية الوحيدة لتحسين الوضع الاقتصادي في الأردن. فالسعودية كانت قد أعلنت قبل أسبوعين أنها ستمنح المملكة مساعدة تقدَّر بملياري دولار، وبحسب الإشاعات كان لإسرائيل دور في تقديم هذه المساعدة.
•الأكيد، أنه في نهاية محاولة قصيرة للتقرب من المحور السوري-الإيراني، يعود عبد الله في الأسابيع الأخيرة إلى حضن الكتلة السنية. وهذه تشمل، بالإضافة إلى مصر، السعودية، دولة الإمارات وأيضاً إسرائيل، والقاسم المشترك هو المعارضة الشديدة لإيران. هذه تيارات عميقة تكمن وراء الاجتماع الأول من نوعه منذ 4 سنوات في الأردن بين رئيس الحكومة الإسرائيلية والعاهل الهاشمي. لكن كل هذه الأمور التي تجري من تحت الطاولة لا يمكن التحدث عنها إلا القليل جداً. تماماً مثلما يحافظ العشاق على سرية العلاقة بينهما.
•الفجوة الهائلة بين ما يقوله الإسرائيليون والعرب والأميركيون في الغرف المغلقة وبين ما يقدَّم إلى الخارج تشكل التحدي الكبير لمستشاريْ الرئيس ترامب، جاريد كوشنير وجايمس غرينبلات، اللذين قاما هذا الأسبوع بجولة في المنطقة ساعين للدفع قدماً بـ"صفقة القرن"، "الصفقة النهائية" أو أي تعريف آخر لاتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين. كان الموفدان في القاهرة وفي عمّان وفي الدوحة - قطر، واليوم سيبدآن اجتماعاتهما في القدس، لكنهما لن يذهبا إلى رام الله. فأبو مازن يقاطعهما.
•يرى كوشنير وغرينبلات ما يراه أي إنسان عاقل، أي نضوج ولادة تكتل إسرائيلي- عربي، ونفاذ الصبر في تحمل صبيانية الفلسطينيين. لا يهم السعودية، التي هي اليوم سيدة التكتل السني، ما سيُقال في الورقة التي سيقدمها الأميركيون، فبالنسبة إليهم ، كما قال لي هذا الأسبوع مصدر أمني، يمكن أن تكون الورقة فارغة. المهم أن تُعرَض الوثيقة على أبو مازن وأن يوقّعها. السعوديون يريدون فقط الدفع قدماً بالصراع الإقليمي برعاية الولايات المتحدة ضد إيران. وفي إمكان الفلسطينيين أن يذهبوا إلى الجحيم.
•المقاربة الأردنية حالياً لا تختلف كثيراً. لو كانت الأمور عائدة إلى الملك عبد الله ومستشاريه لكانوا خنقوا بأيديهم القومية الفلسطينية. وعندما يكون ثلثا المملكة البدوية من الفلسطينيين، فإن الموضوع الفلسطيني يهدد الأردنيين أكثر مما يهددنا.
•عندما يكون اقتصاد الملك عبد الله متعثراً، وعندما يوجد نحو مليون لاجىء سوري في الأردن ولا تلوح نهاية في الأفق، وعندما يكون الإخوان المسلمون يتربصون به، والجار العراقي ينزف والجارة السورية تتفكك، وخصوصاً عندما تخرج الجماهير للتظاهر في الشوارع، يجب على عبد الله أن يكون حذراً جداً. إنه مضطر، أو على الأقل يعتقد أنه مضطر، إلى إبعاد نفسه عن إسرائيل وأن يعبّر عن ولائه للدولة الفلسطينية 3 مرات في اليوم، على الرغم من كونه لا يرغب في هذه الدولة أكثر منا، لكن إذا لم يفعل ذلك، الويل له ولمملكته. من يتحدث إلى الأردنيين يسمع أن هذه هي صورة الوضع من دون بهرجة. يبتعدون عن إسرائيل علناً لكنهم يقتربون منها بصمت. والعكس تماماً يجري مع الفلسطينيين.
•من جهتها تعتقد إسرائيل نتنياهو أن انهيار العائلة المالكة الهاشمية هو بمثابة كابوس. لذلك توافق على التكتم على العلاقات وتقدّم للملك بصمت كل مساعدة ممكنة، وهي مستعدة للقبول بأن "نتنياهو غادر بعد وقت قصير". المصلحة، بالنسبة إلى نتنياهو على الأقل، تتغلب على الكرامة.
•هل سينجح كوشنير وغرينبلات في عمل المستحيل وفي أن يعرضا علناً التحالف الصامت من وراء الكواليس؟ التقدير السائد في القدس هو أن ترامب ربما حقق معجزة في كوريا الشمالية، لكنه لن ينجح في الشرق الأوسط. عاجلاً ام آجلاً، وستلاقي الصفقة مصير كل حيّ [أي ستموت] والسؤال الذي سيُطرح على جدول الأعمال هو ماذا نفعل في اليوم التالي. جزء من وزراء الحكومة يشغلون أنفسهم بهذه المسألة، والمخرج المفترض لدى الجميع هو أنه بقي أمام إسرائيل سنتان من الفرصة التاريخية، من احتضار الخطة إلى انتهاء الولاية الأولى لترامب.
•في هذه المرحلة ليس لدى أحد خطة منهجية. في الأحاديث المغلقة تُطرح أفكار سمعناها منذ بدأت هذه الإدارة الأميركية مهماتها، مثل السيادة على يهودا والسامرة، وتوسيع البناء وغيرهما. في نهاية الأمر الكل مرتبط بقائمة الأفكار التي سيعرضها نتنياهو على ترامب في مطلع سنة 2019. طوال سنوات تحفّظ رئيس الحكومة على أي نوع من اقتراحات الضم. فهل سيغيّر هذه المرة موقفه؟