صورة انتصار: هكذا تستطيع إسرائيل إنهاء الجولة القادمة من القتال وفقاً لشروطها
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف

•الجدل بشأن من هم المسؤولون عن إلغاء مباراة كرة القدم بين منتخب إسرائيل والمنتخب الأرجنتيني سيستمر في مرافقتنا، ولكن على الأقل، في كرة القدم نعرف متى تبدأ اللعبة ومتى تنتهي؛ إنما الأمر يختلف في حالات الحرب، وخصوصاً تلك التي تميز ساحة القتال الحديث حيث نقاتل تنظيمات شبه عسكرية ونواجه بصورة أقل دولاً وجيوشاً نظامية. 

•في مثل هذه الأوضاع من الصعب معرفة متى تبدأ الحرب وكيف. هذا ما حدث في عملية الجرف الصامد، التي لم يشأ الطرفان الانجرار إليها، لكن بسبب تعاقب أحداث تكتية ومحلية وجدا نفسيهما في جولة قتال مهمة. وهذا ما حدث في حرب لبنان الثانية [حرب تموز/يوليو 2006]، التي بدأت بهجوم خطْف على السياج الحدودي، وانتقلت إلى رد إسرائيلي ضد منظومة صواريخ حزب الله ومن هناك تدهورت إلى حرب واسعة.

•وحتى من الأصعب معرفة متى تنتهي الحرب وكيف، ومن الإخفاقات الشائعة في الخطط العملانية المتعددة للحرب الفجوة في تحديد أوضاع نهاية الحرب وآلياتها. أي كيف نريد إنهاء الحرب/العملية ومتى. وهذه المشكلة تزداد تفاقماً بسبب طبيعة القتال ضد التنظيمات الإرهابية حيث تعريف النصر في المعركة غير واضح  مثلما هو عليه في الحروب ضد جيوش نظامية. 

•في هذه الحالات لا يتـألف النصر من نواح مادية وكميّة، مثل عدد المقاتلين أو وسائل القتال التي دمرناها للعدو، بل يشتمل أيضاً على  نواح "ناعمة" أكثر مثل مسائل السردية، أي الرواية التي سيرويها كل طرف عند نهاية الحرب، وصورة الوضع في الجبهة الداخلية المدنية، ووضع إسرائيل الدولي وغيره. على سبيل المثال تقرير غولدستون الذي نُشر بعد عملية الرصاص المسبوك وألحق ضرراً بالإنجازات العسكرية المباشرة للعملية، وحرب لبنان التي بدأت تتضح إنجازاتها فقط بعد مرور عدة سنوات من الهدوء في الشمال.

•إن فحصاً سريعاً للعمليات الأخيرة المهمة التي تورطت فيها إسرائيل يؤكد خطورة المشكلة ويبرز الفجوة في آليات إنهاء القتال. فآلية إنهاء حرب لبنان الثانية التي استمرت 34 يوماً كانت عبر تدخّل المجتمع الدولي، وخصوصاً القرار 1701 الذي تبلور في الأيام الأخيرة. كذلك في عملية الرصاص المسبوك التي استمرت 22 يوماً، كان أسلوب إنهاء القتال عبر قرار أحادي اتخذته إسرائيل بوقف إطلاق النار وسحب قواتها من قطاع غزة، واستمرت عملية الجرف الصامد 50 يوماً، وانتهت فقط بتدخّل مصر كوسيط بين الطرفين لوقف إطلاق النار.

•هذا يعني أن الطريقة التي اختارتها إسرائيل لوقف القتال كانت خطوات أحادية الجانب قامت بها قواتها أو عبر الاستعانة بجهات إقليمية ودولية. المشكلة أنه بعد أحداث الربيع العربي تضاءل نفوذ الدول العربية السنية المركزية وقوتها كثيراً. فالسعودية التي كان لها نفوذ في الماضي في لبنان وسورية، أصبحت تقريباً لا أهمية لها في عمليات اتخاذ القرارات في هاتين الدولتين. كذلك تضاءل نفوذ دول أوروبية كانت تتدخل كثيراً في المنطقة في الماضي، مثل فرنسا في لبنان، إلى درجة يكاد أن يكون غير موجود.

•بالإضافة إلى ذلك، يضيف ازدياد التدخل الإيراني فيما يحدث في الدول المجاورة لنا عنصراً إشكالياً إلى المعادلة ويشكل تحدياً أكبر للقدرة على إيجاد آلية لإنهاء الحرب. كذلك فإن الوضع في غزة لم يكن أفضل كثيراً، فإن أهمية المجتمع الدولي ومصر والسعودية وقطر قد تضررت.

•من هذه الزاوية، فإن اعتماد بشار الأسد المطلق على التأييد الروسي، كما تجلى، بين أمور أُخرى، في تحرُّك الروس لتقليص الوجود الإيراني في جنوب سورية، ينطوي على بشرى جيدة. لأول مرة منذ وقت طويل هناك "حَكَمٌ" يدير اللعبة في سورية (لا يوجد حتى الآن مثله في لبنان). لاعب له نفوذ  كبير لدى متخذي القرارات في دمشق وطهران، يستطيع أن يمارس ضغطاً وأن يقود إلى إنهاء حادثة حرب إذا وقعت.

•أيضاً في قطاع غزة عاد المصريون إلى التدخل في أحداث السياج الحدودي وفي التصعيد الأخير الذي شمل إطلاق نحو 200 قذيفة وصاروخ، فتحركوا لدى "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي وضغطوا عليهما لإنهاء الجولة. يأتي هذا بعد فترة طويلة من وقوفهم موقف المتفرج وامتناعهم من التدخل فيما يحدث في القطاع.

•بالإضافة إلى التحديات التي حدثت نتيجة الأحداث في الشرق الأوسط، توجد أيضاً فرص. صحيح أن تراجع لاعبين مهمّين مثل الأوروبيين والسعوديين، وإلى حد كبير تراجع الأميركيين أيضاً عن المنصة الشرق الأوسطية، يثير القلق، لكن صعود لاعبين جدد يخلق احتمالات جديدة. يتعين على إسرائيل استغلال الوجود الروسي في سورية ورغبة مصر في العودة إلى التأثير في قطاع غزة، من أجل توثيق ارتباط هاتين الدولتين بما يحدث في المنطقة، وبالتالي إيجاد آليات إنهاء محتملة لأحداث تصعيد مقبلة، على أمل بألاّ تحدث. في المقابل يجب مواصلة فحص طرق مبتكرة لإيجاد آليات ضغط ذات قيمة يمكنها أن تؤثر في إنهاء الحرب. 

 

 

المزيد ضمن العدد 2871