•حجم الرهان على اللقاء بين الرئيس الأميركي ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي جرى فجر اليوم، من المتوقع أن يكون كبيراً جداً. تملك كوريا الشمالية ترسانة سلاح نووي تستطيع أن تثير غيرة آيات الله في طهران، كما لديها صواريخ باليستية عابرة للقارات، قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة. وليس هناك أدنى شك في قدرتها على إنتاج مزيد من كليهما.
•زعم ترامب أنه متأكد من أنه سيعرف بسرعة ما إذا كان باستطاعته التوصل إلى صفقة مع كيم. ولمّح إلى أن توقيع الاتفاق سيحمل معه فوائد اقتصادية كبيرة لكوريا الشمالية، وأن الولايات المتحدة يمكن أن تفتح سفارة في بيونغ يانغ. من جهته سجّل كيم على كل حال إنجازاً كبيراً. لقد سعى جدّه ووالده إلى الاجتماع مع رؤساء الولايات المتحدة والحصول على الشرعية الناجمة عن هذه الاجتماعات، وها هو بالذات يُستقبَل كزعيم ذي مكانة عالية تساوي مكانة الرئيس الأميركي، من دون أن يتنازل حتى الآن عن جزء من قدرته النووية.
•كيف يمكن قياس النجاح من وجهة نظر ترامب؟ في البداية بواسطة المعايير التي وضعها الرئيس نفسه. لقد طالب بنزع شامل، قابل للتحقق منه ولا عودة عنه لشبه الجزيرة الكورية من سلاحها النووي. معنى ذلك تخلّي كوريا الشمالية عن كل السلاح النووي الذي لديها، والذي يقدَّر بالعشرات، وعن قدرتها على تطوير قنابل نووية جديدة، مع الافتراض أنها قادرة على تطوير 6 قنابل سنوياً. كما ستضطر كوريا الشمالية إلى تدمير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي لديها، والصواريخ القصيرة المدى التي تستطيع حمل رؤوس متفجرة نووية. وستكون هناك حاجة إلى إرسال مراقبين للتأكد من القيام بجميع هذه الخطوات طوال الوقت.
•هل يمكن تحقيق هذا كله في اجتماع واحد بين زعيم كوريا الشمالية الذي لا يمكن توقُّع ردات أفعاله وبين ترامب الذي لا يقل عنه في ذلك؟ وهل يمكن حدوث ذلك مع دولة وعدت مرات عديدة في الماضي بالتنازل عن التكنولوجيا النووية، ونكثت بوعودها؟ ومع زعيم يعتبر السلاح النووي بوليصة تأمين تضمن بقاءه في الحكم؟
•في لحظة كتابة هذه السطور لا أعتقد أن هذه النتائج اتضح أنها ممكنة التحقيق في الاجتماع الذي حدث الليلة في سنغافورة. هذا النجاح إذا حدث، سيكون محدوداً للغاية. وهو بحاجة إلى البدء بعملية طويلة تتضمن مفاوضات بين دبلوماسيين وخبراء نوويين ومن المتوقع أن تستمر أشهراً وربما سنوات. وهي يمكن أن تكون مرتبطة بلفتة كريمة مسبقة من جانب كوريا الشمالية على صورة تفكيك جزء من مشروعها النووي، طبعاً إذا طُلب منها ذلك، ومتابعة تفصيلية من جانب مراقبين لمعرفة ما إذا كانت نواياها جدية. ما جرى هو خطوات أولى فقط من حملة طويلة، يجب تنفيذها بحذر.
•أشعر بالقلق حيال إسراع ترامب إلى إعلان نصر سياسي، إلى حد أنه من الممكن أن يتجاهل هذه التفاصيل. والواقع حتى الآن أنه تعامل مع موضوع جدي ومخيف مثل المفاوضات في الموضوع النووي كبرنامج في تلفزيون الواقع. وهو لم يظهر رغبة في دراسة التاريخ أو المادة المتعلقة بالنزاع، التي تُعتبر جزءاً من المفاوضات، وأعلن أنه لا يحتاج إلى تعلم الكثير للتحضير.
•إن علاقة ترامب التي تفتقر إلى الاحترام مع حلفاء الولايات المتحدة، كما ظهر في مؤتمر G-7 يمكن أن تتكرر على صورة شرخ عميق إزاء كوريا الجنوبية واليابان. وهو يمكن أن يدفع الصين إلى التخفيف من العقوبات التي فرضتها على كوريا الشمالية قبل أن تنضج الظروف لذلك. ولم يذكر ترامب أيضاً ان كوريا الشمالية هي دولة تنشر السلاح النووي في دول بينها إيران وسورية، ولا خرقها الخطير حقوق الإنسان إزاء مواطنيها.
•إنا أنتمي إلى معسكر الذين يشجعون العمل الدبلوماسي، لذا آمل بحدوث تقدم في هذه القمة. لكن العمل الدبلوماسي يجب أن يستند إلى وقائع وتحضيرات مناسبة، وأن ينفذ بصورة جدية، وأن يكون واقعياً بشأن ماذا يمكن تحقيقه. في النهاية النتائج هي التي ستحدد، ولم يبق لنا سوى أن ننتظر لنرى ما إذا كانت دبلوماسية ترامب النووية ستنجح في الاختبار.