هل تشكل التظاهرات في الأردن خطراً حقيقياً على النظام؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
المؤلف

•منذ عدة أيام يتظاهر آلاف الأردنيين ضد الحكومة وضد هاني الملقي، الذي يرأسها منذ 4 حزيران/يونيو. يحتج المتظاهرون على نية الحكومة فرض ضرائب أكثر صرامة من أجل رفع معدل الضرائب وأسعار السلع التي يكون الطلب عليها غير مرن تقريباً ومنها الكهرباء والوقود. يطالب المتظاهرون باستقالة الحكومة وإلغاء التغييرات التي اقترحتها.  صحيح أن رئيس الحكومة استقال/أقيل، وفي هذه المرحلة جمّد الملك تطبيق القرارات الحكومية، لكن الضائقتين الإنسانية والضريبية ظلتا على حالهما، وكذلك المعضلة التي يواجهها النظام أي  كيفية التغلب عليهما.

•نظراً إلى كونه دولة لا تملك موارد دخل مهمة مثل الثروات الطبيعية والصناعة المتطورة، يعتمد الأردن على مساعدة مالية خارجية، مصادرها بصورة أساسية الولايات المتحدة، وعدد من الدول الأوروبية، ودول عربية خليجية منتجة للنفط، واليابان، وكذلك مؤسسات دولية من نوع صندوق النقد الدولي. وفي ضوء زيادة نفقات الحكومة نظراً إلى كونها المشغل الأكبر في الاقتصاد الأردني، بالإضافة إلى العبء الذي شكله استيعاب مليون ونصف مليون لاجىء سوري، والتوقف شبه الكامل للمساعدة من دول الخليج، تفاقم عبء الدين العام في الأردن، وكاد يصل الى حد التعثر. في سنة 2016 أجرى صندوق النقد الدولي مفاوضات متواصلة مع الأردن، انتهت إلى إعلان الأخير استعداده لتبنّي مجموعة إصلاحات وخطوات ضريبية، هدفها مواجهة عبء الدين الحكومي الذي وصل إلى 40 مليار دولار، أو بحساب آخر إلى 95% من الناتج المحلي الإجمالي. إن المشكلة التي تواجهها دولة مثل الأردن لا تقتصر على عبء الدين العام فقط، بل التعثر والعجز عن الدفع. في الولايات المتحدة مثلاً تصل نسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي إلى 105%، لكن قلائل يشككون في قدرة حكومة الولايات المتحدة على الدفع. 

•في تموز/يوليو 2017 عاد صندوق النقد الدولي إلى مناقشة الوضع في الأردن، وبرز القلق إزاء هذا الوضع في صيغة البيان الصارم الذي وُزِّع على الصحف بعد النقاش. في هذا البيان أشيرَ إلى بطالة "رسمية" بمعدل 18.2% (تقارير أُخرى تشير إلى معدل بطالة يصل إلى 30% بين الشباب الذين تبلغ أعمارهم 30 عاماً وما فوق، ووسط النساء)، وتباطؤ المساعدة من دول الخليج، وعبء اللاجئين من سورية. وشددت إدارة الصندوق على الرسالة التي قدمتها لسلطات الأردن قبل عام، بشأن الحاجة إلى إلغاء الإعفاء من دفع ضرائب على الاستيراد والضريبة الشرائية (المعروفة في إسرائيل كضريبة على القيمة المضافة)، وكذلك على ضرورة تحسين جباية الضرائب وتعميقها وتقليص نفقات الحكومة.  دفعت هذه التوصيات حكومة الأردن إلى تبني جزء منها في مطلع سنة 2018. في كانون الثاني/يناير جرى رفع المستويات المنخفضة على ضريبة الشراء من 4 و8 % الى 10%، بالإضافة إلى زيادة الضريبة على الوقود والتبغ. بعد أيام قليلة جرى إلغاء الدعم عن القمح. ومثل هذه الخطوة سبق أن تسببت بتظاهرات واضطرابات في أنحاء المملكة في سنة 1996.

•في الواقع، منذ كانون الثاني/يناير 2018، بدأ الفوران السياسي في الأردن ووصل إلى نقطة الغليان عندما قدمت الحكومة اقتراح قانون يشمل إجراء تغييرات في ضريبة الدخل (تحديد سقف 7000 دينار، 11000 دولار، في بداية الضرائب ورفع ضريبة الشركات من 35% إلى 40%، بالإضافة إلى زيادة ضرائب أُخرى) كي تنال موافقة مجلسيْ النواب والأعيان. وشكل هذا إشارة لانطلاق التظاهرات، بأحجام لم يعرف الأردن مثلها منذ سنوات عديدة، أغلبها نظمته النقابات المهنية، ولقد جذبت وراءها عشرات الآلاف من المشاركين وتميزت بطابعين: تركيزها على اقتراح القانون وعلى رئيس الحكومة، وأنها لم تكن عنيفة، سواء من جانب المتظاهرين أو من جانب القوى الأمنية، التي حضرت، كالعادة في مثل هذه الظروف، بأعداد كبيرة. لم يرفع المتظاهرون يافطات ولا هتافات ضد الملك. علاوة على ذلك، جرى تصوير ولي العهد الحسين بن عبد الله في إحدى التظاهرات في إحدى الساحات في عمان ونُشرت الصورة على وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن. وهذا ما يؤدي إلى الاستنتاج بأن النظام في الأردن ليس عرضة للخطر، لكنه يواجه اختباراً جدياً  لقدرته على النجاة من وضع سبق أن واجهه  في الماضي.

•بيْد أن أحجام الأزمة الحالية هي أكبر كثيراً وتتخطى العوامل الاقتصادية. تجدر الإشارة إلى أنه في أعقاب تظاهرات "الربيع العربي" التي جرت في الأردن ما بين سنة 2011 وسنة 2012 (والتي لا علاقة بينها وبين التظاهرات الحالية) جرى تغيير البرلمان الأردني كجزء من الإصلاحات التي وافق عليها الملك، ونتيجة ذلك أصبح النظام يتمتع بقدرة أقل على المناورة والتأثير في القرارات مقارنة بالماضي.  قبل استقالة رئيس الحكومة، اقترح رئيس البرلمان على الملك عقد دورة خاصة، بعد سقوط القانون في التصويت. وذلك بعد أن أعلن 90 نائباً من مجموع 130 نائباً في البرلمان أنهم سيصوتون ضده. من الصعب أن نتذكر وضعاً وقف فيه البرلمان الأردني ضد تبني خط اقتصادي حكومي، حاز من دون شك على موافقة الملك.

•استقالة رئيس الحكومة هاني الملقي ستهدىء الوضع لوقت قصير، لكنها لن تهدىء المشكلة الأساسية التي سيضطر إلى مواجهتها الملك وأي رئيس حكومة سيعينه ألا وهي كيف سيخرج الأردن من الحلقة المفرغة لتراكم الديون وتراجع قدرته على سدادها؟ إن جزءاً من الحل على المدى القصير والمتوسط والبعيد موجود في الأردن والجزء الآخر موجود لدى المجتمع الدولي. ليس للأردن  بكل أطيافه الديموغرافية الاقتصادية بديل آخر لا يشمل مكونات الوصفة التي قدمها صندوق النقد الدولي. في الإمكان توزيع تطبيق السياسة التي يطالب بها الصندوق على مراحل متباعدة، لكن لا يوجد حل سحري آخر. حتى بالنسبة إلى نقابات الأطباء والمهندسين والمحامين في الأردن لا يوجد حل راديكالي آخر ومن المعقول الافتراض أنه عبر الحوارات التي تجريها هذه النقابات مع الملك والحكومة الجديدة من الممكن أن يجري التوصل إلى حل لا يخرج بصورة كبيرة عن خطة صندوق النقد الدولي. 

•للمجتمع الدولي دور مركزي في تعافي الوضع الاقتصادي في الأردن. وللدول العربية المنتجة للنفط مصلحة واضحة في المحافظة على استقرار الأردن. وعلى الرغم من الانخفاض الهائل في أسعار النفط من أكثر من 100 دولار للبرميل إلى السعر الحالي (أقل من 70 دولاراً)، فإن في إمكان هذه الدول استئناف تقديم المساعدة المالية المتعددة السنوات إلى الأردن (في سنة 2011  قررت منظمة دول التعاون الخليجي منح الأردن خمسة مليارات دولار على خمس سنوات). كما يحصل الأردن على مساعدات من منظمات متعددة لتسهيل استيعابه اللاجئين السوريين، بعد اتضاح الواقع المحزن بعدم عودتهم إلى وطنهم في المستقبل المنظور. لذا يتعين على المجتمع الدولي الاستعداد لتقديم حلول دائمة للاجئين في أماكن وجودهم الحالية، وضمن هذا الإطار زيادة المساعدة للدول المضيفة وبينها الأردن.

 

•لإسرائيل مصلحة كبيرة في المحافظة على استقرار الأردن ونظامه. وعلى الرغم من سلوك الأردن العلني في الساحة الدولية في موضوع النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، والأماكن المقدسة بالنسبة إلى إسرائيل، من المهم الإشارة إلى مساهمته المباشرة وغير المباشرة في أمن إسرائيل، والتي ظهرت خلال السنوات الأخيرة من خلال تشكيل الأردن منطقة فاصلة بين إسرائيل وبين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). في استطاعة إسرائيل مساعدة اقتصاد الأردن وميزانيته مثلاً من خلال استيراد المنتوجات الزارعية والصناعية منه، مثل الإسمنت بأحجام أكبر بكثير؛ وخفض سعر المياه التي تُباع إلى الأردن. وتعتبر السياحة مصدر دخل مهماً للأردن، والتعاون بين الدولتين يمكن أن يزيد أعداد السياح الذي يأتون إلى المنطقة.