•على ما يبدو أن مَنْ أطلق الصواريخ هذه الليلة من القطاع هو تنظيمات إسلامية سلفية، نسميها تنظيمات "مارقة". يريد المتطرفون الإسلاميون أعضاء هذه التنظيمات تحويل القطاع إلى فرع من "ولاية سيناء" التابعة لتنظيم داعش.
•"حماس" وحركة الجهاد الإسلامي، اللتان تنتميان إلى الإسلام السياسي عدوان شرسان لهذه التنظيمات، ويحاولان القضاء عليها والمسّ بأفرادها في أي فرصة لأنهم يشكلون خطراً على سلطة "حماس" في القطاع.
•لذا فإن الاستراتيجيا التي يستخدمها السلفيون هي محاولة دفع إسرائيل إلى القيام بالعمل نيابة عنهم. وهدفهم دخول الجيش الإسرائيلي إلى القطاع في جولة جديدة، وهم يعتقدون أنه في هذه الجولة التي ستشمل أيضاً عملية برية، سيقضي الجيش الإسرائيلي على سلطة "حماس" وربما يحل مكانها، أو يأتي بأعضاء من السلطة الفلسطينية التابعين لأبو مازن للسيطرة على القطاع.
•في الحالتين، تعتقد هذه المجموعات بأنه سيكون من الأسهل عليها أن تتحرك، كما سيكون لديها أيضاً مبرّر للعمل لأن السلطة ستكون أقل عنفاً وستحظى بتأييد أقل من جانب السكان مقارنة بـ"حماس"، وبذلك تستطيع هذه المجموعات التعاون بصورة أكبر مع عناصر تنظيم داعش في سيناء الذين يقاتلون مصر.
•يعرف عناصر التنظيمات المارقة أن الوضع متفجر حالياً، وأن إسرائيل سترد ضد أهداف تابعة لـ"حماس"، ويحاولون بذل كل ما في استطاعتهم لمنع تسوية تُبقي "حماس" في السلطة وقتاً طويلاً. وكما هو معلوم سيجتمع هذا الأسبوع في القاهرة كل الأطراف المعنية بتسوية طويلة الأمد في غزة وبتسوية الوضع الاقتصادي والوضع الأمني، وحالياً هناك حاجة ملحة لدى المارقين إلى منع نجاح هذا الاجتماع. ولذلك هم يطلقون النار.
•ثمة سبب آخر هو تأجج المشاعر بالأمس في القطاع في إثر مقتل الممرضة الفلسطينية خلال أعمال الشغب على السياج. وقد شارك الآلاف في تشييع الممرضة التي ما يزال الجيش الإسرائيلي يحقق في ظروف مقتلها على السياج. لكن من اللافت أن تثير هذه الحادثة مشاعر سكان غزة.
•على ما يبدو، هذان السببان هما اللذان يدفعان التنظيمات المارقة إلى إطلاق صاروخ إلى هنا وصاروخ إلى هناك، مع علمها الواضح أن الجيش سيرد لكي يدفع "حماس" إلى التضييق عليها في القطاع ومنعها من إطلاق النار.
•يستمع أفراد هذه التنظيمات إلى المقابلات التي تجريها وسائل الإعلام الإسرائيلية مع سكان غلاف غزة ويفهمون أنه من دون أن يبذلوا جهداً كبيراً، وعلى الرغم من أن صواريخهم لا تعرض للخطر السكان، وعلى الرغم من أن القبة الحديدية تعترض الصواريخ التي تعرّض فعلاً السكان للخطر، فإنهم قادرون فقط بواسطة صفارات الإنذار المتكررة على إقلاق ليالي سكان غلاف غزة، وإجبارهم على النوم في غرف محصنة، وإخافة الأطفال وتعطيل الحياة اليومية.
•بعد ذلك، ستُجرى مقابلات مع رؤساء المجالس المحلية في غلاف غزة، وتعرف التنظيمات المارقة أن الحكومة في القدس ستتعرض للضغط كي تدخل إلى غزة وتفرض النظام. وهذا تحديداً ما يأمل السلفيون بحدوثه. تسعى "حماس" بصورة عامة لمنع التنظيمات المارقة من إطلاق النار، لكن ليس من المستبعد هذه الليلة بعد مقتل الممرضة، أن تكون "حماس" خففت كبحها.
•لا شك في أن "حماس" ارتدعت ومرتدعة نتيجة عمليات الجيش الإسرائيلي وهذا هو سبب امتناعها هي بالذات من إطلاق الصواريخ. وهي تفرض إرادتها على حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وعلى ما يبدو أن الخوف من هجمات الجيش الإسرائيلي مع الضغط المصري يفعلان فعلهما.
•المشكلة بقيت كما كانت. إن أسلوب إطلاق الصواريخ من جانب التنظيمات المارقة، والرد الإسرائيلي عليه، يمس أيضاً بنمط الحياة الطبيعية ويتسبب بمعاناة سكان غلاف غزة، ليس فقط نتيجة تكرار انطلاق صفارات الإنذار في الليل، بل لأنه يمكن أيضاً أن يجر الجيش الإسرائيلي و"حماس" إلى مواجهة لا يرغبان فيها.
•مرة أُخرى أدرك الجيش الإسرائيلي أن لديه مشكلة في أن يحدد من الجو وعن بُعد مواقع إطلاق الصواريخ والقذائف المدفعية التي يتم إطلاقها من مناطق كثيفة الأشجار أو بواسطة منصات موجودة تحت الأرض.
•أحد الحلول [لهذه المشكلة] واحد هو دخول الجيش الإسرائيلي إلى قطاع غزة، وعملياً احتلال أجزاء منه، ويبقى بعدها الجيش والشاباك فترة طويلة حتى يجري نزع جميع الأرصدة العسكرية لـ"حماس" وحركة الجهاد الإسلامي بالقوة، بما فيها الصواريخ والأنفاق. مثل هذه العملية ستستغرق وقتاً طويلاً، وستكلف مئات الملايين، وثمة شك في أنها ستحل المشكلة لأكثر من 5-6 سنوات إذا خرح الجيش من القطاع. وأيضاً ليس هناك طرف آخر، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، يوافق حالياً على تحمُّل مسؤولية القطاع.
•لذا فإن الحل الوحيد المعقول من وجهة نظر إسرائيل هو تسوية بعيدة الأمد مع "حماس" في غزة، يجري في إطارها نزع سلاحها الثقيل جزئياً والتخلص من الأنفاق، في مقابل حصول مليوني فلسطيني في غزة على إمكان التخلص من ضائقتهم على مراحل بواسطة تسهيلات في الحركة واستثمارات دولية في اقتصاد القطاع. وحتى "حماس" تعرف أن أي مستثمر عاقل ليس مستعداً لأن يضع أمواله في مكان معرّض في أي لحظة لانفجار العنف.
•الوسيط المفضل لدى إسرائيل للتوصل إلى مثل هذه التسوية حتى الآن هي مصر. لكن يجب الاعتراف بصراحة أن الاستخبارات المصرية التي تقوم بالعمل بتوجيهات من السيسي لا تُظهر كفاءة في إدارة مفاوضات ووساطة حذرة. فهي تماطل وتتحرك ببطء، وتفكر خصوصاً كيف سيخدم هذا المصلحة المصرية وليس التوصل إلى التسوية كلها.
•لذا يتعين على إسرائيل العمل من وراء الكواليس من دون المسّ بكرامة مصر على إشراك وسطاء آخرين، أكثر قدرة على إدارة مفاوضات، ولديهم قدرة على تأمين استثمارات في القطاع إذا جرى التوصل إلى تسوية. والمقصود خصوصاً الدول الأوروبية بما فيها الدول الإسكندنافية وإيرلندا، اللتين أثبتتا قدرتهما على التفاوض على الرغم من كونهما لا يُحبّانا بصورة خاصة.