طرد الإيرانيين من سورية: فرح سابق لأوانه
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف

•من الأفضل أن نبدأ بالخلاصة: إيران لم تستثمر في سورية مئات الملايين وربما مليارات الدولارات، ولم تخسر في المعارك على أرضها آلاف المقاتلين من الحرس الثوري ومن الجيش الإيراني النظامي، ولم تنشر فيها عشرات آلاف المجندين الشيعة في ميليشيات تابعة لها تدربها وتموّلها، فقط كي تغادر فجأة  سورية لأن بوتين أو الأسد يطلبان منها ذلك بتهذيب.

•والأمر الأهم هو أنه بخلاف التقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية، لم يطلب بوتين أو الأسد بتاتاً من الإيرانيين الرحيل. لقد طالب الرئيس الروسي برحيل جميع القوات الأجنبية عن الأراضي السورية. لكنه قصد قبل أي شيء القوات الأميركية، التي ما تزال تسيطر على ربع أراضي سورية، وخصوصاً المناطق الكردية في شمال شرق سورية، بالإضافة إلى تقديمها الحماية للمتمردين في جنوب سورية أيضاً. وقد أراد الروس أيضاً أن تنسحب تركيا من المناطق التي تحتفظ بها في شمال سورية. وفي النهاية أرادوا أن تسمح إسرائيل للأسد بالسيطرة على الجولان السورية وعلى جنوب البلد والقضاء على المتمردين الذين حتى الفترة الأخيرة منحتهم القدس الرعاية والتأييد.

•إيران ليست مستهدفة من الروس، لأن موسكو لا ترى فيها منافساً أو خصماً (على الأقل حتى الآن). إيران هي ببساطة أداة يسعى الروس بواسطتها للدفع قدماً بمصالحهم في سورية.

•يتفهم الروس مخاوف إسرائيل من إيران. وهم أيضاً لا يريدون أن "تجنّ " إسرائيل وتضرب نظام الأسد الذي أوصلوه تقريباً إلى خط النهاية والانتصار. لذا هم مستعدون للمساعدة في الجهد الرامي إلى انسحاب القوات الإيرانية من حدود الجولان، وفي تقديرهم أن الإيرانيين سيوافقون على هذا الطلب، كتنازل موقت وموضعي على طريق الهدف الكبير لطهران، أي ترسيخ  قبضتها على سورية.

•للتسجيل  فقط، الروس سبق أن تعهدوا في الاتفاق الموقّع مع الأميركيين قبل نصف سنة بإجلاء الإيرانيين عن الحدود مع إسرائيل، وأيضاً منع هجمات النظام السوري على المتمردين في جنوب سورية. لكن الإيرانيين لم يغادروا جنوب سورية، والآن يستعد نظام بشار الأسد لمهاجمة المتمردين. والمقلق ليس عدم الاستعداد الروسي لرمي الاتفاق في سلة المهملات، لأن لا حاجة إليه، بل الاستعداد الأميركي  لـ"تمرير" خرق الاتفاق الذي منحوه حمايتهم.

•لا يعني هذا عدم وجود منافسة خفية بين إيران وروسيا، بل وحتى توتر تلقائي؛ فالدولتان تريدان السيطرة على سورية بعد انتهاء الحرب الأهلية. ويمكن الافتراض أيضاً أن الأسد يريد على المدى البعيد التخلص من الوجود والتدخل الإيرانييْن اللذين يتغلغلان في شؤونه الداخلية ويهددان باختراق مؤسسات السلطة، والجيش، وحتى الطائفة العلوية. ولا يريد الأسد أيضاً أن يورطه الإيرانيون في مواجهة مع إسرائيل. صحيح أنه يقول إنه عاش حياته في ظل "العداونية الإسرائيلية"، لكن ليس هناك من يعلم مثله أن إسرائيل ليست العدو أو المشكلة المركزية التي يجب عليه مواجهتها. 

•لنترك المشكلة إلى حينها. حتى الآن، وبالتأكيد في الأسابيع والأشهر المقبلة، سواء الأسد أو بوتين  هما بحاجة إلى الإيرانيين. وفي الواقع، بالإضافة إلى الطائرات الروسية في الجو فإن قوات إيران وحزب الله هما اللتان حققتا النصر، وهما اللتان تحافظان على تفوّق نظام الأسد على الأرض.

•عموماً، مشكلة روسيا، والمنافسة والخصومة أو الحرب الباردة، هي مع الولايات المتحدة ومع الغرب، وليس مع إيران. فهذه الأخيرة يستخدمها الروس أداة  في صراعهم ضد الغرب ولا مجال للتخلي عنها. هل الانفصال عن إيران سيحوّل الأسد إلى شخص محبوب من المجتمع الدولي ويفتح له أبواب واشنطن بعد أن تسبب بقتل مئات الآلاف من أبناء شعبه؟ وهل طرد إيران من سورية يمنح بوتين نقاطاً في صراعه في أوكرانيا وفي أوروبا الشرقية، وفي أجزاء أُخرى من العالم في مواجهة واشنطن وأوروبا؟ من الواضح: كلا.

 

•النتيجة هي أنه من الممكن التوصل إلى تفاهمات فضفاضة بشأن إبعاد الإيرانيين عن الجبهة مع إسرائيل، لكن ليس من الواضح أبداً ما إذا كان لدى الروس الرغبة أو القدرة على الالتزام بها. إنّما المعركة من أجل التضييق على إيران في سورية ما تزال بعيدة عن نهايتها.