تجدُّد إطلاق النار من غزة يمكن أن يخدم "حماس" وأن يشكل اختباراً لسياسة إسرائيل
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•وقف إطلاق النار غير الرسمي بين إسرائيل وقطاع غزة دخل حيز التنفيذ (بصورة غير رسمية) صباح يوم الأربعاء، لكن إطلاق النار من غزة تجدد. ومنذ ساعات مساء يوم (السبت) وحتى ساعات الصباح المتقدمة، أُطلقت الصواريخ من القطاع. وبحسب الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، جرى إطلاق 6 صواريخ من غزة، اعترضت منظومة القبة الحديدة 4 منها. رداً على ذلك، هاجم سلاح الجو أهدافاً في ثلاثة مواقع تابعة لـ"حماس" في القطاع. والطرفان لم يتحدثا عن وقوع إصابات.

•التفسير الإسرائيلي لإطلاق النار الفلسطيني الذي يشكل خرقاً للاتفاق الذي جرى التوصل إليه بوساطة مصرية، أن وراءه "تنظيمات مارقة"، أي فصائل فلسطينية جهادية غير خاضعة لـ"حماس". لكن مشكلة السيطرة المفاجئة لحركة "حماس" على القطاع يجب التعامل معها بشيء من الشك. فطوال شهرين على الأقل، ومع سقوط أكثر من 300 قتيل فلسطيني بنيران الجيش الإسرائيلي في تظاهرات على طول السياج في القطاع، لم يُطلق صاروخ واحد من غزة. بدأ إطلاق الصواريخ في يوم الثلاثاء الأخير، عندما أطلقت حركة الجهاد الإسلامي صلية صواريخ رداً على مقتل 3 من أعضائها بنيران الجيش قبل يومين من ذلك. حينئذ انضمت "حماس" إلى إطلاق النار، وردّت إسرائيل وجرى وقف إطلاق النار بعد تدخُّل مصر. كيف انتقلت "حماس" من السيطرة التامة على إطلاق النار وأيضاً على قوة الاشتباكات في التظاهرات إلى الصعوبة في الضبط؟ على الأقل هناك سؤال يُطرح: هل تجدُّد إطلاق النار لا يخدم حالياً زعامة الحركة؟

•الفائدة لـ"حماس" يمكن أن تتجلى في بُعدين: الأول كمكوّن إضافي في المواجهة بالإضافة إلى التظاهرات وإطلاق الطائرات الورقية المشتعلة التي أحرقت مناطق واسعة من حقول غلاف غزة. والثاني، وكجزء من معادلة الردع الجديدة، التي تقول إذا أطلقت إسرائيل النار على أهداف عسكرية تابعة للتنظيمات (قواعد حماس في عمق القطاع، ومواقع تابعة لها ولحركة الجهاد الإسلامي على طول السياج) فإنها سترد بإطلاق الصواريخ والقذائف على البلدات. 

•الكلام عن انتصار إسرائيلي في جولة تبادل الضربات يوم الثلاثاء كلام مضلل، تماماً مثل ادّعاء إلحاق هزيمة نكراء بـ"حماس". فعلياً، لا ترغب الحكومة ولا رئاسة الأركان العامة للجيش  في نشوب حرب في غزة. فهما يعرفان أن اجتياح غزة من أجل إسقاط حكم "حماس" لن يؤدي إلى بديل أفضل وسيكون ثمنه باهظاً. 

•بالإضافة إلى ذلك، هما يركزان جهودهما حالياً على ترتيب إبعاد إيران والميليشيات الشيعية عن جنوب سورية. ومن المعقول أيضاً أن حركتيْ "حماس" والجهاد الإسلامي، وبتشجيع من إيران تحديداً، معنيتان بالاشتباك في غزة. وفي المقابل، من الصعب أن نصدق أن التنظيمات في القطاع تريد مواجهة شاملة حالياً. موازين القوى بين الأطراف معروفة، ويبدو أن الأولوية الأولى بالنسبة إلى "حماس" هي التخفيف من وطأة الوضع الاقتصادي في القطاع، الذي تتحمل هي المسؤولية عن الواقع الكئيب هناك بصفتها الطرف الذي يسيطر على غزة.

•من الصعب جداً المناورة وسط هذا التعقيد من الاعتبارات والأهداف. الخطر الناجم عن استمرار إطلاق النار هو أنه عاجلاً أم آجلاً ستسجَّل خسائر حقيقية لدى أحد الطرفين. حينئذ ستواجه قدرة الزعامات على السيطرة على النيران تحدياً كبيراً جداً. لقد أُتيحت لحكومة نتنياهو فرصة التوصل إلى تسوية مع "حماس"، ربما تتيح وقف إطلاق نار طويل الأمد في مقابل التخفيف من الحصار الاقتصادي على القطاع بصورة كبيرة. في تقدير الجيش الإسرائيلي هذا هدف ممكن التحقيق، بحسب ما قاله ضابط رفيع المستوى في حوار مع الصحافيين يوم الخميس الماضي. في غياب التسوية، يمكن أن يؤدي استمرار إطلاق النار إلى انفجار بخلاف هدف الحكومة.

جيران جدد- قدماء

•في الشمال، لم تصل الاتصالات لبلورة تسوية تضمن إبعاد إيران والميليشيات الشيعية عن الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان إلى نتيجة جيدة، على الرغم من التقارير في وسائل الإعلام العربية (وبصورة أقل في وسائل الإعلام الإسرائيلية). لكن الخطوط الهيكلية للتسوية التي تجري بلورتها بدأت تتضح: روسيا مستعدة لإبعاد الإيرانيين والميليشيات التابعه لها عن الحدود، وربما إلى طريق دمشق - السويداء الواقع على بعد نحو 70 كيلومتراً من الجولان الإسرائيلي. ومع ذلك تريد موسكو أن توافق إسرائيل على عودة قوات نظام الأسد إلى الحدود في مقابل إخراج الإيرانيين.

•ثمة شكوك لدى إسرائيل بشأن جيرانها الجدد - القدماء، بالإضافة إلى ذلك، كرر رئيس الحكومة في الأيام الأخيرة مطالبته بإبعاد الإيرانيين والميليشيات عن أراضي سورية كلها بصورة مطلقة. وهذا طلب لم يستجب له الكرملين حتى الآن، وثمة شك في أنه سيوافق عليه، لأن ذلك يمكن أن ينطوي على مواجهة مباشرة بينه وبين طهران. في هذه الأثناء ينشر الرئيس الأسد بلبلة مقصودة مدعياً أن ليس لإيران جنود في سورية مطلقاً، بل "مستشارون" فقط.

•بعد مراجعة مجمل التقارير التي نُشرت وتفحُّصها مع عدة مصادر إسرائيلية يبدو أن هناك احتمالاً لإبعاد الإيرانيين عن جنوب سورية في وقت قريب. أمّا إبعادهم عن سورية كلها فسيكون من الصعب تحقيقه. أحد الاحتمالات هو التوصل إلى اتفاق جزئي مثل الذي جرى التوصل إليه في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بين روسيا والولايات المتحدة والأردن، وتعلن إسرائيل أنها ليست طرفاً وبالتالي لا تلتزم بما جاء فيه.

•حينئذ أيضاً، يجب أن ننتظر كي نرى إذا كانت إسرائيل ستعمل ضد أهداف إيرانية في عمق سورية، بعد أن يحظى الوجود الإيراني هناك بنوع من الموافقة من الروس. قال نتنياهو اليوم في مستهل جلسة الحكومة إن "إسرائيل ستواصل المحافظة على حرية العمل ضد التمركز الإيراني في جميع أراضي سورية".

•في هذه الأثناء تجد إسرائيل نفسها في الأيام الأخيرة مضطرة إلى توجيه مزيد من اهتمامها إلى ما يحدث في الأردن. لقد شهدت المملكة خروج تظاهرات ضخمة في الأسبوع الماضي شارك فيها عشرات الألوف من المواطنين في مدن مختلفة، احتجاجاً على غلاء المعيشة والسياسة الاقتصادية للدولة. وتوجد في الخلفية صعوبة استضافة مليون لاجىء من الحرب في سورية، بالإضافة إلى التوترات بين السلطات وبين الإخوان المسلمين.

 

•في القدس يعرفون مدى الحساسية الأردنية تجاه التطرق إلى الشؤون الداخلية لجيراننا، لذا من المعقول ألاّ نسمع وزيراً إسرائيلياً يتطرق علناً إلى ما يحدث على الحدود الشرقية. ومع ذلك، فإن استقرار المملكة هو مصلحة أمنية عليا بالنسبة إلى إسرائيل.