•دائماً كانت الدبلوماسية تُستخدم كوسيلة مركزية للتعبير عن سياسات الدول واستراتيجياتها. ومن هنا تخدم الدبلوماسية قبل أي شيء آخر مصالح وطنية في مجالات الشأن العام - الأمن والعلاقات الخارجية والثنائية والمتعددة الأطراف، والاقتصاد، والدعاية والثقافة وغيرها. وبحكم طبيعة الأمور، يجري الجزء الأساسي من النشاط الدبلوماسي بعيداً عن وسائل الإعلام، ومن خلال نقل رسائل سرية. لكن مع اكتشاف الكاميرا، وفي وقت لاحق في عصر التلفزيون والإعلام الديجيتال، خرجت الدبلوماسية أيضاً إلى المجال العام، ويستخدم الزعماء والدول ما يمكن تسميته "دبلوماسية بصرية" لتمرير رسائل حادة وسريعة لتحقيق غاية سياسية.
•تتيح الدبلوماسية البصرية المخطَّط لها والمنفذة بصورة مناسبة تمرير رسائل إيجابية أو سلبية، ودّية أو تهديدية، مبطنة أو علنية، من دون المخاطرة بالتعرض للنقد أو لردود معارضة حقيقية. حالياً، بالإضافة إلى البيانات الرسمية التي تُصاغ بصورة جيدة وتصدر عن وزارات وناطقين رسميين، يستخدم زعماء العالم صفحات الفايسبوك وتويتر، التي جزء منها سيئ وغير مسؤول.
•تجسدت الدبلوماسية البصرية في الصور التي انتشرت في العالم كله، والتي ظهر فيها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، يتحدث هاتفياً مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وهو يضع قدميه على الطاولة ونعلي حذائه موجهان إلى الكاميرا، الأمر الذي يُعتبر إهانة كبيرة في العالمين العربي والإسلامي. ويجب أن أعترف هنا أنني استوحيت من سلوك أوباما في تحضير اللقاء التوبيخي الذي عقدته مع السفير التركي في سنة 2010. كان الهدف تقديم صورة قوية تكون أفضل من آلاف الكلمات، لكن الكلمات التي لا لزوم لها، والتي سُجلت عن طريق الخطأ تسببت بمشكلة تحملت مسؤوليتها الكاملة، بما فيها رسالة توضيحية قرأها الرئيس التركي أردوغان أمام الجميع في أنقرة.
•دبلوماسية الإذلال التي بدأها الأتراك بتفتيش سفيرنا في أنقره كما لو كان مجرماً أو يشكل تهديداً أمنياً، أمام أنظار وسائل الإعلام التي جرى استدعاؤها مسبقاً، هي ذروة في السلبية والبشاعة. من المثير للاهتمام رؤية ما إذا كان الأتراك سيعتذرون عن تصرفهم، كما اعتذرت إسرائيل من أجل إنهاء أزمة أسطول مرمرة [أسطول المساعدات التركية الذي تعرّض لهجوم من جانب الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي أدى إلى مقتل عدد من المواطنين الأتراك].
•ختاماً، قال الفيلسوف العسكري فون كلاوزفيتز إن الحرب هي استمرار للدبلوماسية بوسائل أُخرى، وفي النهاية تبقى دبلوماسية الإذلال أفضل بعشرات المرات من صدام عسكري ومن عمليات عقوبات اقتصادية.