معركة "مسيرة العودة" لم تنته بعد
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

•ليس مبالغة القول إن يوم أول أمس (الثلاثاء) كان يوم النكبة الأكثر هدوءاً الذي يمكن أن تتوقعه إسرائيل. ومع ذلك لا بد من أن نشير إلى أن إسرائيل ستدفع عاجلاً أو آجلاً ثمن الأحداث التي شهدها اليوم الذي سبق يوم النكبة. وبالتأكيد لن تجد إسرائيل العبقري الإعلامي، الذي في إمكانه أن يشرح للناس العاديين في العالم مسألة سقوط 62 قتيلاً و2850 جريحاً خلال يوم واحد من التظاهرات. 

•وفي المدى الفوري، تسببت هذه الأرقام بصدمة كبيرة في قطاع غزة. صحيح أن يحيى السنوار [قائد حركة "حماس" في قطاع غزة] شجّع شبان القطاع على اختراق السياج الأمني، لكن عندما تتراكم الجثث وتنهار المستشفيات، فإن ذلك من شأنه أن يدفع القيادة نحو التوقف والتفكير. ويتبين مما يُنشر في شبكات التواصل الاجتماعي أن هناك خلافات داخلية في هذا الشأن بين تيار في قيادة "حماس" يطالب بالانتقام ومواصلة دفع الشارع في اتجاه السياج الحدودي بهدف عدم فقدان الزخم؛ وبين تيار آخر يسعى لدرس الإنجازات السياسية - الاقتصادية التي يمكن لـ"حماس" أن تحققها من ضحايا يوم الاثنين. وفي هذه الأثناء أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيظل في حالة تأهب قصوى.

•ولا ينحصر هذا الخلاف داخل حركة "حماس". فقد نشر د. سفيان أبو زايدة، وزير شؤون الأسرى السابق في السلطة الفلسطينية، والذي يقيم بغزة، مقالاً يائساً بعنوان "يا غزة، إلى أين تمضين؟". وعلى حد قوله، إذا استمر الكفاح الشعبي في منطقة السياج الحدودي ستجد إسرائيل نفسها في وضع طوارئ مستمر، وسينزلق الصراع إلى داخل القطاع وتنشأ "حرب مفتوحة" (من دون قيد زمني) يتحمل فيها الشعب البسيط النتائج المدمرة. وأوصى بتحويل الإنجاز التكتي الذي تحقق يوم الاثنين إلى إنجاز استراتيجي، عن طريق استبدال سقوط الضحايا بوقف عقوبات السلطة الفلسطينية ورفع الحصار.

•كما لوحظ أن الخطاب الداخلي الدائر بين الناشطين السياسيين المختلفين في غزة، من حركات "فتح" والجبهة الشعبية و"حماس"، يتطرق هو أيضاً إلى الصدمة وضرورة إعادة تقويم المسار، وأساساً يجري الحديث بغضب عن السلطة الفلسطينية، التي تُعتبر في نظرهم متعاونة مع إسرائيل. 

•وثمة تعاون مكشوف بين إسرائيل ومصر حيال الأزمة. فالمصريون يؤدون دور "الشرطي الطيب" وإسرائيل دور "الشرطي الشرير". وعندما تم استدعاء إسماعيل هنية [رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"] إلى القاهرة، يوم الأحد الفائت، سمع من رئيس جهاز المخابرات المصري، الجنرال عباس كامل، تهديداً صريحاً، إذ قيل له إن إسرائيل تعتزم توجيه ضربة عسكرية في عمق غزة، بما في ذلك المساس بقيادة "حماس". وطلب الجنرال المصري من قادة "حماس" عدم الاقتراب من السياج الحدودي كي لا يخدموا إسرائيل، وبدلاً من ذلك عرض عليهم رزمة اقتصادية محترمة على شكل كهرباء وفتح أكثر سخاء لمعبر رفح، مرة في الأسبوع على الأقل. كما اقترح أن يزود المصريون القطاع بالوقود والبضائع التي نُقلت حتى الآن في معبر كرم أبو سالم. وفي الغداة اقترحت مصر أيضاً مساعدة طبية للجرحى في غزة.

•لا شك في أن لدى مصر مصلحة في عودة الهدوء، بسبب خشيتها من احتمال استئناف العلاقة بين "حماس" والجهاد العالمي في شبه جزيرة سيناء. فضلاً عن ذلك، من المتوقع أن يطلب المصريون من إسرائيل الآن التعاون بجدية أكبر مع الخطة المصرية الرامية إلى إعادة الحكم في غزة إلى السلطة الفلسطينية. أمّا إسرائيل فسارعت من جهتها إلى فتح معبر كرم أبو سالم ونقلت عبره 7 شاحنات مع عتاد طبي بغية تقليص بنود لائحة الاتهام التي تُكتب الآن ضدها في العالم. 

•ويبدو أن "حماس" اختارت تجاهل أقوال رئيس جهاز المخابرات المصري وهو ما دفع بإسرائيل إلى أن تؤدي دور "الشرطي الشرير" كما كان متوقعاً، خلال أحداث يوم الاثنين. 

•منذ سنوات طويلة لم تظهر في سماء غزة طائرات إسرائيلية مقاتلة تقوم بقصف مواقع في عمق غزة في وضح النهار. وقدر المصريون بأنه إذا ما انتهت أحداث يوم الاثنين بعدد قليل من المصابين، ستستمر العربدة يوم الثلاثاء. وكان ينبغي لـ"حماس" أن تتلقى مطرقة ثقيلة كي تتوقف وتعيد التفكير. وما يجري الآن هو أن الجميع في حالة انتظار: هل ستستأنف "حماس" العنف في نهاية الأسبوع، أو تنتظر لترى كيف ستستنفد التسهيلات التي توفرها لها مصر وإسرائيل؟. وإن دل هذا على شيء فهو يدل على أن معركة "مسيرة العودة" لم تنته بعد.