•الهجوم الصاروخي الذي شنّه الحرس الثوري الإيراني على مواقع الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان قرابة منتصف الليل فشل فشلاً ذريعاً، لكن الجيش الإسرائيلي رد بهجوم مدمر على عشرات أهداف بنى تحتية إيرانية في سورية، ومنشآت ومخازن لوجستية، سيكون من الصعب على الإيرانيين إعادة ترميمها.
•يبدو أن الإيرانيين تقصدوا تنفيذ هجوم محدود لا يجر الجيش الإسرائيلي إلى رد واسع، ويسمح لهم فقط برد الاعتبار لكرامتهم من دون دفع الثمن. لكن على الرغم من عدم سقوط خسائر وسط قواتنا، وعدم وقوع أضرار في مواقع الجيش، وأن الصواريخ التي أُطلقت جرى اعتراضها أو سقطت في أراض مفتوحة في الجولان السوري، فإن الجيش رد بصورة غير متناسبة بالاستناد إلى "سياسة الخطوط الحمراء" لإسرائيل، وبحسب ما أعلنه رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان يوم أمس أن هذا ما سيفعلونه في حال وقوع هجوم إيراني.
•بعد نحو ساعتين على الهجوم الإيراني وجّه الجيش الإسرائيلي ضربة جوية جرى الإعداد لها مسبقاً لمثل هذه الحادثة، ودمر أغلبية أهداف البنى التحتية الإيرانية في سورية. قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني سيحتاج إلى كثير من الوقت والمال من أجل إعادة بناء المعسكرات والمنشآت الاستخباراتية والمواقع اللوجستية التي دُمرت. والرأي العام في طهران لن يحب ذلك.
•لقد جرى توجيه هذه الضربات الانتقامية من قبل إسرائيل، كما ذكرنا، بما يتلاءم مع سياسة "الخطوط الحمراء" المعلنة، أي الرد الفوري على أي هجوم يخرق سيادتها آت من سوية أو لبنان؛ أي مهاجمة انتقال سلاح نوعي من إيران يعرّض الجبهة الداخلية المدنية والعسكرية للخطر ويمس بحريّة تحرك الجيش الإسرائيلي؛ استخدام أو التحضير لاستخدام سلاح غير تقليدي (نووي، كيميائي، وبيولوجي) ضد إسرائيل.
•هناك خطوط حمراء مشابهة توجّه سياسة الرد الإسرائيلي أيضاً في الجنوب في مواجهة الفلسطينيين في غزة. هناك خط أحمر إضافي وضعته إسرائيل تجاه الساحة الشمالية اختُرق يوم أمس هو إطلاق نار المضادات الجوية على طائرات سلاح الجو الإسرائيلي التي هاجمت الأهداف الإيرانية. لم تُصب أي طائرة من طائراتنا بأذى، لكن إسرائيل دمرت 5 بطاريات صواريخ أرض - جو سورية. هذا بالإضافة إلى تدمير جزء كبير من منظومة المضادات الجوية السورية التي هاجمها سلاح الجو في مطلع هذه السنة بعد إسقاط طائرة حربية إسرائيلية في أجواء إسرائيل.
•لقد كان هدف الهجوم الإسرائيلي أيضاً التلميح للرئيس الأسد وللرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن استمرار مساعي التمركز الإيراني العسكري في سورية يضر بمصالحهما الحيوية، وذلك لأن تبادل الضربات بين إسرائيل والإيرانيين على أرض سورية سيحبط جهودهما في إنهاء الحرب الأهلية وفرض سيطرة بشار الأسد على أغلبية أراضي بلده وإعادة إعمار سورية.
•"الهجوم الانتقامي" للحرس الثوري الإيراني أمس، على الرغم من أنه كان محدوداً وفاشلاً، فإنه لم يشكل فقط خرقاً واضحاً لسيادة إسرائيل بل أيضاَ اعتداء سياسياً إيرانياً مباشراً على قوات الأمن التابعة لدولة إسرائيل. ومثل هذا العمل يشكل بحسب القانون الدولي "ذريعة للحرب".
•لكن بما أن الهجوم الإيراني فشل، ولم يتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر أو أضراراً ، وبما أن إسرائيل غير معنية بتصعيد حربي في الجبهة الشمالية، يمكن الافتراض أن الجيش وجّه ضربة قوية جداً إلى الإيرانيين، لكنها مدروسة وتخلق الردع المطلوب، ولن تجر بالضرورة الإيرانيين إلى تصعيد. بهذه الطريقة يستطيع سليماني وقائد سلاح الجو في الحرس الثوري الادعاء أنهما انتقما لمقتل رجالهما في سلسلة هجمات وقعت في الأسابيع الأخيرة ونُسبت إلى إسرائيل، لكنهما سيتصرفان بحذر كي لا يتسببا بتصعيد الرد الإسرائيلي أكثر.
•يمكن الافتراض أنه ضمن اعتبارات الرد على الهجوم الإيراني أخذ رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان في حسابهم الأحداث المتفجرة المتوقعة في الأسبوع المقبل على الساحة الفلسطينية، بعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وذكرى يوم النكبة، وبدء أيام الصوم في شهر رمضان. وفي مثل هذا الوضع إذا تواصلت المواجهات على الساحة الشمالية وربما تمتد إلى لبنان، سيكون مطلوباً من الجيش الدخول في مواجهة كثيفة على الساحة الشمالية، وعلى الساحة الجنوبية، وفي يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وعلى الساحة الداخلية المدنية والعسكرية في إسرائيل.
•صحيح أن الجيش مبني لمواجهة هذه الحالة ومهيأ للقتال على ثلاث جبهات + 1 (الجبهة الداخلية). لكن ليس لدى إسرائيل حالياً النية والرغبة في الدخول في مثل هذه المواجهة، أي حرب مستمرة، مع خسائر كبيرة، ودمار وضرر اقتصادي. إن وضعاً كهذا، الذي هو فعلياً حرب شاملة يمكن أن ينطوي على خسائر وضرر مادي لإسرائيل. من دون شك أن هذه الاعتبارات أُخذت في الحسبان في التخطيط لرد الجيش الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الفاشل هذه الليلة.
•من جهة أُخرى كان واضحاً في إسرائيل أن ضبط النفس هذه المرة إزاء عمليات فيلق القدس سيؤدي إلى تآكل الردع الإسرائيلي وصدقية الردع حيال الإيرانيين. من هنا المخرج الأفضل من وجهة نظر جميع الأطراف هو أن تؤدي روسيا دور العاقل المسؤول وتحاول التوصل إلى وقف إطلاق نار بين الطرفين. ومثل وقف إطلاق النار هذا يجب أن يضمن توقُّف الإيرانيين على الأقل بضعة أشهر عن محاولاتهم التمركز في سورية والهجمات ضد إسرائيل.
•وفي هذه الأثناء سيهدأ الوضع، ربما يصبح من الممكن التوصل إلى تسوية أكثر استقراراً. ويجب أن نتذكر أن للإيرانيين حالياً مصلحة قوية في عدم تصعيد الوضع في سورية، كي لا يؤججوا ادعاءات الرئيس ترامب ونتنياهو ضدهم، ولا يتسببوا بتفاقم وضعهم في أوروبا وروسيا ووضعهم الاقتصادي.
•الآن، بعد الهجمات الانتقامية للجيش الإسرائيلي في أراضي سورية حان دور إسرائيل لكي تقرر إمّا إنهاء الجولة الحالية، أو تصعيد القتال ومواصلة تحدي الإيرانيين حتى يقرر هؤلاء أنهم غير قادرين على السماح لأنفسهم بتلقي ضربات إضافية ويبادرون إلى وقف المواجهة، أو يقررون مواصلتها وصولاً إلى حرب شاملة ربما سيحاولون إشراك حزب الله فيها مع الصواريخ التي يملكها في لبنان. وهذا تطور لا يرغب فيه أحد حالياً، لكنه بالتأكيد تطور محتمل في الوضع المتفجر الحالي.
•في هذه الأثناء، ينجح الجيش الإسرائيلي وفيلق القدس في لعبة السير على حافة الهاوية في مواجهة بعضهما البعض من دون التدهور إلى حرب. والسؤال المطروح هو: هل يمكن أن يستمر ذلك وقتاً طويلاً؟