الانتخابات اللبنانية: يوجد لحزب الله سبب للابتهاج، لكن من المتوقع المحافظة على توازن الردع
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•النتائج غير النهائية لانتخابات البرلمان اللبناني يمكن أن تُفرح حزب الله كثيراً. يشير التعداد الأولي إلى أن مجموع المقاعد التي سيحصل عليها الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل مع "التيار الوطني الحر" حليفهما المسيحي، سيصل إلى 67 من أصل 128 نائباً في البرلمان. إذا كان هذا هو التعداد النهائي يستطيع حسن نصر الله أن يسجل لنفسه إنجازاً سياسياً مهماً، إذ على الرغم من الاحتجاج الشعبي على مشاركته في الحرب في سورية وتوريط لبنان في معركة ليست معركته، نجح حزب الله وحلفاؤه في الحصول ليس فقط على عدد كبير من المقاعد، بل  أصبح  أيضاً القوة السياسية التي ستفرض تركيبة الحكومة.

•لكن تكمن هنا عقبتان متفجرتان يمكن أن تمنعا حزب الله من أن يفعل ما يريده. الأولى تتعلق بالتعيين المنتظر لسعد الحريري كرئيس للحكومة. فالحريري على الرغم من الصفعة التي تلقاها نتيجة خسارة كتلته نحو 13 مقعداً مقارنة بقوته سنة 2009، فإنه لا يزال لديه الكتلة الأكبر مع 21 مقعداً، لذا فهو المرشح الأقوى لتولي رئاسة الحكومة. ومن مصلحة حزب الله الذي سيكون شريكاً في الحكومة نجاح الحريري، وبصورة خاصة لأنه سيمنح الحكومة شرعية دولية، وسيحظى بمساعدة اقتصادية من السعودية، ويضمن تحويل الأموال من الدول المانحة البالغة حوالي عشرة مليارات دولارعلى شكل قروض وهبات.

•لكن من أجل المحافظة على التوازن الهش بين أجندة نصر الله وإيران وبين الحاجة إلى منع حرق الجسور مع الحريري، سيضطر حزب الله إلى القيام بتنازلات. وليس المقصود تنازلات أيديولوجية، بل تلك التي ستحفظ لبنان وتحول دون انزلاق الحرب في سورية إلى أراضيه وتحوّله إلى ساحة حرب في مواجهة إسرائيل. حزب الله الذي خسر مقعدين في معقله التقليدي في منطقة البقاع اللبنانية، بسبب تحول البقاع إلى مركز للقتال، يدرك على ما يبدو التهديد الذي يحدق به حالياً.

•العقبة الثانية تتعلق بالقوة السياسية للرئيس اللبناني ميشال عون، وبقدرته على منح حزب الله الدعم الكامل في الحكومة.  لقد مُنيت الكتلة المؤيده لعون "التيار الوطني الحر" هي أيضاً بخسارة كبيرة بفوزها بـ21 مقعداً فقط  في مقابل 33 مقعداً حصلت عليها في سنة 2009. هذه الكتلة التي تفاخرت بتمثيلها الطائفة المسيحية المارونية لم يعد في إمكانها الادعاء بأنها الممثل الوحيد لها بعد الفوز الكاسح "للقوات اللبنانية" المسيحية، بزعامة سمير جعجع، التي ضاعفت قوتها البرلمانية.

•تعاني الكتلة السياسية لعون أيضاً من خلافات داخلية مقارنة بـ"القوات اللبنانية" خصم حزب الله. إن انضمام "القوات" إلى البرلمان لا يضمن فترة سلسة وآمنة لحزب الله،  وبصورة خاصة إذا حدثت أزمات صعبة في الدولة تتعلق بتوزيع الميزانية، أو بحسم مسألة وجود اللاجئين السوريين في لبنان، فكيف إذا نشبت مواجهة مسلحة  مع إسرائيل. 

•هنا يكمن أيضاً محكّ الحكومة اللبنانية المقبلة التي شكّل تأليفها حجر عثرة مهمة في أغلبية الحكومات. بحسب الدستور يجب أن يكون رئيس الحكومة سنياً، وهذا ما يعني أن من حق الحريري الرفض الأولي، لكن الموافقة على تولي رئاسة الحكومة هي الجزء الأسهل. سيسعى حزب الله إلى أن يحتفظ لنفسه بثلاثة أعضاء في الحكومة وحتى بعضو آخر، لأنه، بحسب الدستور  يجب أن تحظى القرارات الأساسية التي تتخذها الحكومة بأكثرية الثلثين من أعضاء الحكومة. ويكفي أن ينقص عضو واحد من الثلثين كي لا يتخذ القرار.

•استندت قوة حزب الله في السنوات الأخيرة  إلى قدرته على إفشال القرارات الحكومية بفضل صيغة الثلثين زائد واحد، وليس بواسطة المبادرة إلى طرح قرارات وتحقيق إقرارها. لذا من المتوقع أيضاً أن يبدأ صراع الحريري قبيل المفاوضات بشأن تشكيل الحكومة وصيغة خطوطها الأساسية المتفق عليها. من الصعب تقدير الوقت الذي ستستغرقه هذه العملية، التي شلت الحكومة في الماضي، أو عرقلت تشكيلها لأشهر طويلة. لكن  في المعارك السياسية  السابقة  كان لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان وزن سياسي مهم ساعد في حل مثل هذه الأزمات، إنما سيكون من الصعب على ميشال عون، وخصوصاً بعد الخسارة في الانتخابات، أن يبدو "رئيساً للجميع"، كما أن تحالفه مع حزب الله يبعده عن الإجماع.

•الأرقام الجافة لنتائج الانتخابات هي فقط مؤشر على  الصراعات السياسية المقبلة، لذا لا يمكن التسرع باستخلاص استنتاجات بعيدة المدى تتعلق بمسألة فوز إيران أو خسارة السعودية. هذه الانتخابات تُبقي في يد الدولتين أدوات كافية للدفع قدماً بمصالحهما، وفي الوقت عينه تفرض عليهما التصرف بحذر كي لا تخسرا مواقع نفوذهما في هذه الدولة.

•لإسرائيل مصلحة كبيرة في استقرار لبنان ونموه الاقتصادي حتى عندما يكون حزب الله شريكاً في الحكومة. هذه الشراكة ساهمت في السنوات الأخيرة في المحافظة على توازن الردع القائم بين إسرائيل وحزب الله وعدم الانزلاق نحو مواجهة عنيفة، وذلك بسبب التهديد الدائم بضرب البنى التحتية المدنية اللبنانية في حال وقوع هجوم من لبنان. نظرياً، على الأقل، وكلما ازدهر لبنان أكثر كلما يمكن للتهديد الإسرائيلي أن يكون أكثر ردعاً.