•إعلان الرئيس ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي لم يكن مفاجئاً. فتعيين بومبيو وبولتون، والاثنان من الصقور الشديدي العداء لإيران، الأول وزيراً للخارجية، والثاني مستشاراً للأمن القومي، وأيضاً كشف الاستخبارات الإسرائيلية الأرشيف النووي الإيراني، زادا الرئيس تصميماً. من جهته، حقق ترامب وعداً انتخابياً مركزياً ودق مسماراً إضافياً في إرث الرئيس السابق أوباما.
•مع ذلك، من المهم أن نتذكر أن الاتفاق ليس هو الهدف، بل هو وسيلة لتحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى. هذه الأهداف هي إبعاد إيران عن السلاح النووي وعن قدرة الوصول إلى تحقيقه؛ منع الحرب؛ كبح مطامع الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط ونشاطها الإرهابي؛ وختاماً تغيّر طبيعة النظام الإيراني وسلوكه، وربما تغييره.
•الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في سنة 2015 لم يكن من دون إنجازات. فقد حقق الهدف الأول، وهو إبعاد إيران عن العتبة النووية، فقد أبعد الاتفاق إيران لمدة عشر سنوات عن إنتاج مواد قنبلة نووية. وبذلك حال دون خوض حرب لوقف التحول النووي بالقوة. مع ذلك، منح الاتفاق إيران على المدى البعيد شرعية لمشروع نووي غير مقيّد، يمكن أن يسمح لها بالقفز إلى القنبلة خلال زمن قصير من اتخاذ القرار. بالإضافة إلى ذلك، باستثناء الاتفاق، ظلت تحركات إيران السلبية في الشرق الأوسط، وبقي موضوع الصواريخ الباليستية.
•في المقابل، أتاح الاتفاق لإيران الحصول على موارد اقتصادية كبيرة، وبدلاً من أن يؤدي ذلك إلى اعتدالها، بحسب ما توقعه مؤيدو الاتفاق، تعززت قوتها العسكرية وأصبحت أكثر عدوانية.
•في اللقاءات التي أجريتُها في واشنطن تكوّن لدي انطباع أن كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية يتوقعون أن يؤدي تجديد العقوبات إلى إلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني غير المستقر. وبهذه الطريقة هم يأملون بأن تضطر إيران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات وتوقيع اتفاق جديد يتلافى الخلل في الاتفاق السابق. وفي واشنطن هناك من يأمل بأن يحرك الضغط على النظام قوى داخل إيران تكون لديها ما يكفي من القوة لإسقاط النظام هناك.
•لكن من المهم أن نتذكر أن الأمل ليس بديلاً من خطة عمل. صحيح أنه من المحتمل أن يبقى الإيرانيون في الفترة الأولى في الاتفاق انطلاقاً من التقدير أن الأوروبيين، مثلهم مثل الروس والصينيين، لن يجددوا فرض العقوبات، وسيواصلون الاستثمار في إيران، لكن من واجب مقرري السياسات في القدس وفي واشنطن الاستعداد ووضع استراتيجية لمواجهة ردود إيرانية إشكالية أكثر.
•سيكون رداً إيرانياً معقولاً، ولو ليس فورياً العودة إلى سياسة التخصيب التي كانت موجودة قبل سنة 2013. وفي المنشأة النووية نتنز يمكن تشغيل 60 ألف معمل طرد مركزي، وهذا ما يسمح بتجميع عشرات الأطنان من اليورانيوم المخصب الذي يكفي لإنتاج عشرات القنابل، وحتى إلى الوصول إلى درجة تخصيب أعلى كثيراً من الـ (20%) التي تسمح بها اتفاقية منع انتشار السلاح النووي (NPT). ضمن هذا الخيار، وتحت غطاء "مشروع مدني" سيصل الإيرانيون خلال سنوات قليلة إلى ما سمح لهم الاتفاق بالوصول إليه بعد عشر سنوات. ويمكن أن يكون هناك رد إيراني أكثر حدة، وهو الانسحاب من الاتفاقية الدولية، والقفز نحو القنبلة النووية.
•في هذين الخيارين، تعود الكرة إلى المرميين الأميركي والإسرائيلي. ومن دون دعم دولي واسع لعقوبات قاسية وفعالة، فإن الخيار الوحيد لكبح إيران سيكون عملية عسكرية. الرئيس الأميركي لا يريد حرباً إضافية في الشرق الأوسط، ومن الصعب أن نراه يقود عملية عسكرية لكبح المشروع النووي الإيراني. وهو، طبعاً، لن يشعل الضوء الأحمر ضد عملية إسرائيلية كما فعل مَنْ سبقه، لكن في نهاية الأمر، على ما يبدو، ستبقى المهمة كلها ملقاة على عاتقنا.