الغاز والعلاقات الثنائية في الشرق الأوسط
المصدر
معاريف

تأسست في سنة 1948، وخلال العشرين عاماً الأولى من صدورها كانت الأكثر توزيعاً في إسرائيل. مرّت الصحيفة بأزمة مالية خانقة بدءاً من سنة 2011، واضطرت إلى إغلاق العديد من أقسامها، إلى أن تم شراؤها من جديد في سنة 2014.  تنتهج خطاً قريباً من الوسط الإسرائيلي، وتقف موقفاً نقدياً من اليمين.

المؤلف

•يشكل الاتفاق التاريخي لتصدير الغاز إلى مصر الذي أعلنته شركتا الغاز "تمار" و"لفيثان" في شباط/فبراير الماضي، والذي يقضي بتصدير الغاز الطبيعي بحجم يقدّر بـ64 مليار متر مكعب إلى مصر، مصلحة جيوسياسية واضحة بالنسبة إلى إسرائيل، وإلى المنطقة كلها. والاتفاق المبرم مع مصر بالإضافة إلى الاتفاق الموقّع في سنة 2016 بين شركة "لفيثان" وشركة الكهرباء الوطنية الأردنية  يشكلان قفزة في العلاقات والمصالح بين إسرائيل وجيرانها، ويُظهران بوضوح الدور الأساسي لصناعة الغاز الإسرائيلية ليس فقط على الساحة الاقتصادية - البيئية، بل أيضاً على الساحة الجيوسياسية الإقليمية.

•بدأت قصة تصدير الغاز الإسرائيلي في نهاية سنة 2009، وشكّل هذا مفاجأة للاقتصاد الإسرائيلي. للمرة الأولى في تاريخ الدولة برز مخزون كبير من الغاز (311 مليار متر مكعب) في المياه العميقة الإسرائيلية. النظرية التي كانت سائدة حتى ذلك الحين، أن دولة إسرائيل محكوم عليها بالاعتماد بصورة كاملة على استيراد مصادرالطاقة زالت من أساسها. ومع ذلك، فإن الاكتشافات الهائلة لم تعِد الاقتصاد الإسرائيلي بما سيحدث في السنتين والثلاث سنوات المقبلة. وفي الواقع فتح اكتشاف "تمار"، عملياً، أفقاً جديداً للتنقيب عن الغاز والنفط، وأدى إلى مجموعة نجاحات غير مسبوقة في عالم التنقيب عن الغاز والنفط، في طليعتها اكتشاف مخزون كبير في لفيثان (606 مليارات متر مكعب) وهو ما شكل أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في المياه العميقة الإسرائيلية منذ عقدين، بالإضافة إلى اكتشافات لمخزونين، مثل "قرش - تنين"، و"أفروديت" الموجودين في المياه الاقتصادية الخالصة لقبرص بالقرب من المياه الاقتصادية الخالصة لإسرائيل، بالإضافة إلى مخزونات أُخرى.

•خلال فترة قصيرة اكتُشفت في المياه الاقتصادية الإسرائيلية وحدها احتياطات من الغاز الطبيعي يبلغ حجمها أكثر من 1000 مليار متر مكعب. المقصود كميات تساوي  200 عام من استهلاك الغاز الطبيعي في الاقتصاد الإسرائيلي في تلك الفترة. وأدت الحجوم الكبيرة لاكتشافات الغاز إلى تغيير أساسي وجوهري في تخطيط الطاقة على المدى البعيد في دولة إسرائيل، وتحسّن دور الغاز الطبيعي من مصدر من مصادر الطاقة في سلة الوقود في إسرائيل إلى مصدر الطاقة الأول المهيمن في إسرائيل. وفعلاً خلال وقت قصير فقط، وفي مصطلحات عالم الطاقة أصبح الغاز الطبيعي مصدر طاقة أساسياً  لإنتاج الكهرباء في إسرائيل (في سنة 2016، 70% من الكهرباء في إسرائيل أُنتجت بواسطة الغاز الطبيعي)، وأصبح مصدر الطاقة الأول في قطاع الصناعة.

•مع ذلك، فقد فاقت حجوم الغاز الطبيعي المكتشف على سواحل إسرائيل عشرات المرات الحاجات المحلية للاقتصاد الإسرائيلي، ومع الحاجة إلى تطوير مشروع ضخم من جهة، ومن جهة أُخرى المحافظة على مبادىء الأمن في مجال الطاقة التي تستند إلى توزيع مصادر الإنتاج والمحافظة على البنى التحتية، برزت الحاجة إلى إيجاد مصادر طلب إضافية من خارج إسرائيل. وللمرة الأولى في تاريخ إسرائيل يتغير وضعها من دولة مستوردة للطاقة إلى دولة ذات قدرة تصدير مهمة للغاز الطبيعي. بالإضافة إلى ذلك كله تحولت إسرائيل إلى الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك فوائض من الغاز الطبيعي معدّة للتصدير.

•إن أحد أهداف تصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي هو السوق المصرية. لقد مر اقتصاد الطاقة المصري في العقد الأخير باضطرابات دراماتيكية نتيجة الجمود الذي ساد سنوات طويلة تطوير قطاع الغاز المصري نتيجة الظروف التجارية السيئة التي سادت فترة طويلة من الزمن، وأيضاً في ضوء عدم الاستقرار الداخلي وجرّاء الثورة في مصر. في السنوات الأخيرة قام الرئيس المصري السيسي بثورة حقيقية وحسّن الظروف التجارية في سوق الغاز المصرية. والخطوات التي قام بها السيسي بالإضافة إلى استقرار النظام في مصر، أدّيا إلى تجدد أعمال التنقيب والتطوير في حقول الغاز في مصر التي وصلت إلى ذروتها مع اكتشاف حقل "ظهر" الضخم.

•مع ذلك، وعلى الرغم من اكتشافات الغاز المصري منذ وصول السيسي إلى الحكم، فإن إنتاج الغاز من الحقول القديمة في مصر يستمر في الانخفاض، وتزداد الحاجة الكبيرة في دولة يبلغ عدد سكانها نحو 100 مليون نسمة  إلى تزود منتظم بطاقة رخيصة ونظيفة. بالإضافة إلى حاجة السوق المصرية المحلية إلى الغاز، يوجد في مصر منشأتان كبيرتان لتسييل الغاز الطبيعي  وتصديره، لكن في ضوء أزمة الغاز في الدولة توقف في السنوات الأخيرة التزود المنتظم بالغاز. والمنشأتان اللتان وظفت فيهما شركات دولية مليارات الدولارات بقيت سنوات مهجورة.

•يمكن التقدير أن اتفاق التصدير المبرم في شباط/فبراير لتزويد السوق المصرية بالغاز هو السنونوة الأولى من التعاون الإقليمي في مجال الطاقة. بالإضافة إلى كميات الغاز المعدّة للتصدير التي اكتُشفت على شواطىء إسرائيل، هناك إمكانات لاكتشاف نحو 2100 مليار متر مكعب أخرى على شواطىء إسرائيل فقط. بالإضافة إلى ذلك هناك إمكان لا بأس به لاكتشاف الغاز الطبيعي في المياه الاقتصادية لدول أخرى في الشرق الأوسط.

•صحيح أن اتفاق تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر وُقّع بين أطراف خاصة، لكن الحكم المصري برئاسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعرب عن ارتياحه لأنه بفضل الصفقة حققت مصر موطىء قدم في سوق الطاقة في الشرق الأوسط، وهو ما يضعها كمركز طاقة إقليمي، وبحسب كلماته "سجلت هدفاً هائلاً"، لأن ما جرى يدفع قدماً بصورة كبيرة نحو تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز الطبيعي.

•يُظهر توقيع اتفاق تصدير الغاز وتصريحات الحكم المصري التي أتت بعده المصالح المتبادلة الطويلة الأمد بين الدولتين، كما يمنح علاقات السلام بينهما عمقاً إضافياً مهماً.  

•مثلما تسمح صناعة الطاقة المصرية والإسرائيلية ببناء منصة ثابتة، فإنها تؤسس مصالح استراتيجية بعيدة المدى وتعاوناً إضافياً بين إسرائيل ومصر وبين دول أُخرى في المنطقة،  يمكنها تقديم مساعدة اقتصادية وفي مجال الطاقة إلى المنطقة كلها.