جئت لأزعج الاحتفال
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

•يسألونني: لماذا أنت، كمواطن في دولة إسرائيل، لا تحتفل بذكرى قيام الدولة؟ هذا سؤال أصمُّ تجاه ألمي. أنا لا أستطيع مشاركتكم فرحتكم. منذ أشهر وأنتم تحتفلون في مؤتمرات، وفي مناسبات، وفي احتفالات رسمية، نشارك فيها أنا وأبناء شعبي الفلسطيني كأشباح من ماضٍ، الحديث عنه ممنوع ومخيف.

•جئت للإزعاج، لأن احتفالاتكم بمرور 70 عاماً هي أيضاً ذكرى 70 عاماً على نكبتنا، ومهما أنكرتم النكبة فإنها تبقى حية في الذاكرة والوعي، وأحياناً بصورة يومية. تستثمرون كثيراً في عمليات الطمس والإنكار: بقايا القرى المدمرة اختفت شيئاً فشيئاً عن الأنظار، الأسماء تغيرت ولا يمكن التعرف عليها، وحتى الكنيست أصدر قانوناً يمنعنا من إحياء ذكرى نكبتنا. لكن ليس هناك قانون ولا جرافة يستطيعان أن يمحوَا وعي شعب بأكلمه. ومَن غيركم من المفترض أنه يعرف ذلك؟

•قبل شهرين ثرنا جميعاً ضد القانون البولندي الذي يهدف إلى إعادة الكتابة والكذب بشأن أفظع جريمة في التاريخ. ومن دون تردد ولا شروط مسبقة وقفت ضده، انطلاقاً من قناعة داخلية عميقة بأن قرار الحكومة البولندية مشين وخطر، ولأن انكار المحرقة يبرر اللحظات المظلمة في تاريخ الإنسانية. لم أتردد في القول إن فقط الاعتراف بظلم الماضي هو ضمانة لاحترام قدسية الحياة في المستقبل. ويمكن أن نتعلم ذلك من كلام هتلر الذي أمر بقتل رجال ونساء وأولاد، لدى غزوه بولندة، في آب/أغسطس 1939. لقد كان متاكداً من أن هذه الجرائم لن يتذكرها أحد. "من يتذكر حالياً محرقة الأرمن؟"  لكننا نحن نتذكر.

•لم أطلب مقابلاً، ولم اشترط نكبة بأُخرى، ومع ذلك انتظرت لأرى إذا كنتم ستفهمون أن الأخلاق مسألة عالمية ولا يمكن تجزئتها، وأنني أتحدث عنكم وعنا. أتحدث عن الشراكة، التي على الرغم من كل شيء أنا مؤمن بها. يمكن أن يكون هنا مستقبل جيد لليهود والعرب. لكنه لا يُبنى من دون الاعتراف بظلم الماضي.

•لا تقاس الأخلاق بمسائل نظرية أو بألم  الإنسان الشخصي.  إنها تُختبر عندما يكون ذلك غير مريح ويتطلب اعترافاً وكفّارة. وشرعية إسرائيل قيد الاختبار في مواجهة مأساة الشعب الفلسطيني. بيْد أن الاعتراف لا يشكل خياراً أخلاقياً فقط،  بل هو أيضاً خيارعملي للمصلحة الحقيقية للشعبين. إن نكبتنا هي مثل أثقال حديدية مربوطة بأقدامكم. وفقط عندما تتحررون منها  تستطيعون أن ترقصوا حقاً في عيد إقامة دولتكم.

•هل أنتم، المحتفلون، تستطيعون رؤية دمار شعب بأكمله، هو شعبي؟ هل أنتم قادرون على رؤية مئات القرى المُقتلعة المنتشرة  في كل مكان، وعلى أن تفكروا بمصير الناس الذين كانوا يسكنون فيها حتى قيام دولتكم؟ هل أنتم الراقصون في مدن حيفا، تستطيعون أن تتذكروا أننا كنا في حيفا 70.000 عربي، وأصبحنا 2000 فقط، في ليلة واحدة؟ ما معنى أنكم لا تعترفون بماضي "الآخر" وما زلتم تستخدمون حدادنا وغضبنا في هذا اليوم لزيادة التحريض ضدنا؟

•النكبة لم تنته في سنة 1948، إنها مستمرة ما دام الاحتلال مستمراً. النكبة مستمرة ما دام هناك قرى غير معترف بها في النقب، وما دامت الحكومة تدفع قدماً بقوانين هدفها المسّ بحقوق المواطنين العرب، وما دام هناك احتلال وتمييز لا يوجد سلام ومساواة. 

•قد يرى البعض أنه من الفظاظة أن أطرح هذه الأمور تحديداً في الوقت الذي تحتفلون فيه، وأنني جئت كي أفسد الحفلة. لكن من واجبي أن أُذكّر بما تحاولون نسيانه، من أجل أولادنا وأولادكم. ومن أجل مستقبلنا جميعاً في هذا المكان، لأنكم ما دمتم ترفضون الاعتراف بالماضي، وترفضون إصلاح الواقع الحاضر، لن نستطيع أن نبني معاً مستقبلاً لليهود وللعرب في هذه الأرض.