صفقة الغاز مع مصر: إسرائيل تعمق وجودها في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال

•في 19 شباط/فبراير أعلنت شركات الغاز في إسرائيل صفقة تصدير 64 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى مصر بقيمة نحو 15 مليار دولار لمدة عشر سنوات. والصفقة هي بين أصحاب حقل" تمار" و"لفيتان" ومجموعة دولفينوس المصرية، وتستند إلى وثيقة تفاهم تعود إلى تشرين الأول/أكتوبر 2014. ويمكن التقدير أن الحكومة الإسرائيلية أدت دوراً مهماً في التوصل إلى الصفقة، سواء من خلال الدفع بها قدماً مع الحكومة المصرية، أو أيضاً ربما من خلال تأمين الضمانات المطلوبة من دولفينوس من أجل إقرارها. 

•إن الضوء الأخضر الذي أعطته القاهرة لتوقيع الصفقة بعد تأجيل مصري طويل استند إلى مجموعة اعتبارات: الأول، سعي مصر لتسوية ديون تقدر بنحو 1.76 مليار دولار من  المفترض أن تدفعها شركات الغاز المصرية  إلى شركة الكهرباء [الإسرائيلية] في إطار قرار للتحكيم الدولي يعود إلى سنة 2015؛ الاعتبار الثاني، القرار بتخصيص الجزء الأكبر من غاز حقل "ظهر" للسوق المصري مهد الطريق لتدفق الغاز من إسرائيل ومن قبرص ودول أُخرى إلى منشآت التسييل في دمياط وشركة إيدكو من أجل التصدير إلى أوروبا، في خطوة تزيد في القيمة الاقتصادية والسياسية لمصر كونها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك منشآت تسييل الغاز. ثالثاً، ضمانة الحصول على مداخيل تقدر بنحو 22 مليار دولار خلال عشر سنوات وتوثيق العلاقة الاقتصادية بين مصر وأوروبا.

•ولكن على الرغم من الحسنات تثير صفقة الغاز جدلاً عاماً في مصر، وقد وقفت جهات إسلامية أغلبيتها في المنفى خارج مصر ضد "استيراد غاز عربي-إسلامي نهبته دولة الاحتلال، وإدخال المليارات إلى الخزينة الصهيونية". وأشارت مصادر في المعارضة تنشط داخل مصر إلى التخوف من نشوء تبعية مصرية لإسرائيل، ولكن انتقاداتها ارتكزت على التشكيك بالفائدة الاقتصادية التي تنطوي عليها الصفقة بالنسبة إلى الجمهور المصري الواسع، وعلى غياب الشفافية التي رافقت توقيعها.

•رداً على ذلك، أشار الناطقون بلسان النظام إلى الاعتبارات التركية - القطرية التي تقف وراء جزء من الانتقادات الموجهة إلى الصفقة.  وعمل هؤلاء على تقزيم دورالحكومة المصرية في التوسط في الصفقة، وقلّلوا من أهميتها السياسية، وشددوا على حسناتها الاقتصادية. بينما أعرب الرئيس السيسي المنهمك في معركة انتخابه لولاية ثانية في هذه الأيام عن رضاه عن أن غاز المنطقة سيصدّر عبر مصر وليس عبر دولة أُخرى ، ملمحاً إلى تركيا. وبحسب كلامه حققت مصر بفضل الصفقة موطىء قدم لها  في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، ووضعت نفسها كمركز للطاقة الإقليمية، وبحسب كلماته "سجلت هدفاً عظيماً".

•هذا "الهدف" الذي احتفل به السيسي، جعل على ما يبدو إسرائيل ومصر لاعبين يلعبان في "فريق" واحد، ويعملان من أجل الدفع قدماً بأهدافهما المشتركة. لكن على الرغم من ذلك، من المبكر اعتبار الصفقة اختراقاً في مجال التطبيع. 

•لقد جرت عدة صفقات للطاقة بين إسرائيل ومصر منذ الثمانينيات، والصفقة الحالية لا تشكل سابقة. بالإضافة إلى ذلك، من الصعب التقدير في هذه المرحلة إلى أي حد ستصل ثمار هذه الصفقة إلى الجمهور المصري الواسع، وستزيد في تقديره وتأييده للسلام.

•ثمة مسألة مركزية لم يجرِ تقديم جواب عليها في الاتفاق هي الطريقة التي سينتقل بواسطتها الغاز من إسرائيل إلى مصر. في بيان متأخر قدمته شركات الغاز إلى البورصة جرت الإشارة إلى مفاوضات تدور حالياً مع شركة  EMGلتحويل اتجاه الأنبوب الأساسي الذي وُضع في سنة 2011. هذا هو الخيار الأرخص والأسرع، لكنه ينطوي على تحديات أمنية مهمة لأنه مكشوف أمام عمليات تخريب في شبه جزيرة سيناء قد تجري لأسباب أيديولوجية أو بهدف الابتزاز من جانب العشائر في المنطقة. وإذا لم يتم تحقيق هذا الخيار، هناك بديل آخر رخيص التكلفة هو بناء أنبوب بري على طول 100 كيلومتر يمتد من جنوب قطاع غزة ويربط بين أنبوب الغاز في جنوب إسرائيل وأنبوب الغاز المصري في سينا عبر معبر كفرسالم أو نيتسانا. هذا الخيار سيؤمن وصول إسرائيل إلى أنبوب الغاز العربي في الأردن (الذي يصل إلى سورية ولبنان أيضاً)، لكنه سيكون مكشوفاً أيضاً أمام تهديدات أمنية. وهناك خيار آمن لكنه أكثر تكلفة بكثير ويتضمن مدّ أنبوب تحت البحر مباشرة من حقل "تمار" إلى مصر وطوله نحو 300 كيلومتر. إن توقيع الصفقة بين الطرفين من دون توضيح موضوع النقل، وهو بند مهم وله انعكاساته المهمة على ربحية الصفقة وعلى سعر الغاز المطلوب، يزيد في احتمالات أن تكون  اعتبارات سياسية واقتصادية إضافية أدت دوراً مهماً في إنجاح الصفقة وفي توقيتها. وبالإضافة إلى مشكلات النقل، فإن الفشل في حل مشكلات الدين لشركة الكهرباء يمكن أن يجعل من الصعب تنفيذ الاتفاق.   

•إن البديل"المصري" لنقل الغاز من إسرائيل وفي المستقبل من قبرص وربما من لبنان أيضاً، يبدو أكثر واقعية من مدّ أنبوب إلى تركيا. هذا في ضوء التشدد في السياسة الإقليمية لتركيا، وتردّي علاقاتها بأوروبا، واحتمال ازدياد قوة حزب الله بعد الانتخابات المقبلة في لبنان، الذي من المفترض أن يمر الأنبوب عبر مياهه الاقتصادية. يُضاف إلى ذلك السياسة الجديدة للطاقة التي تُطبقها تركيا في السنة الأخيرة، وأساسها تخفيض زيادة استهلاك الغاز الطبيعي في السوق لمصلحة استخدام الفحم والطاقة المتجددة (وفيما بعد الطاقة النووية). في المقابل تقترح مصر على إسرائيل سوقاً محلية نامية وإمكان استخدام منشآت تسييل الغاز لنقله إلى أوروبا. ومع الأخذ في الاعتبار المنافسة الكبيرة المنتظرة بشأن سوق الغاز السائل في أوروبا في السنوات المقبلة، فإن استخدام منشآت التسييل الموجودة هو الخيار الواقعي الوحيد بالنسبة إلى شركات الغاز في إسرائيل، إذا أرادت طرح سعر تنافسي.

•بالإضافة إلى الأنبوب إلى مصر يجري بناء أنبوب إلى الأردن كجزء من اتفاق لتزويده بـ 45 مليون مترمكعب من الغاز لمدة 10 أعوام وُقّع في سنة 2016. وسيمر الأنبوب شمال بيت شان وسينقل الغاز أيضاً إلى السلطة الفلسطينية، وسيسمح بتدفق كميات أكبر بنحو الثلث من تلك التي تتعهد بها الصفقة الأردنية، ويفتح الباب أمام احتمال" ربط شمالي" بأنبوب الغاز العربي الذي يمر في الأردن. 

•للصفقات مع الأردن ومع مصر قيمة استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى إسرائيل والمنطقة. ويمكن أن يضاف إليها اتفاق مستقبلي محتمل مع السلطة الفلسطينية يسمح بالتزود بالغاز، وربما أيضاً باستخراج الغاز في مقابل شواطىء غزة. وستعمل هذه الاتفاقات على تثبيت  علاقات إسرائيل مع جيرانها من خلال إيجاد شبكة من المصالح المتبادلة، كما ستفتح الباب أمام إمكان تعاون إقليمي يتجاوز الغاز الطبيعي، مثل تصدير واستيراد الكهرباء والمياه المحلاة.

•من ناحية أمنية، سيتحول تدفق الغاز من إسرائيل إلى مصر والأردن والسلطة الفلسطينية إلى مصلحة إقليمية وليست إسرائيلية فقط. وفي الواقع الجديد الناشىء، سيلحق أي مس بقدرة إنتاج الغاز في إسرائيل من جانب حزب الله أو "حماس" الضرر أيضاً بتزود الأردن ومصر والسلطة بالكهرباء. وسيشكل هذا التهديد مكوناً مهماً في تعاون استخباراتي وأمني من جانب الدول المجاورة من أجل كشف عمليات التخريب ومنعها، وأيضاً سيسرع الانتقال إلى تهدئة الأجواء إذا نشب القتال مع أحد التنظيمين. ومن الناحية الاقتصادية، سيشجع تحقيق شراكة بين إسرائيل وجيرانها بشأن كل ما له علاقة بموارد الطاقة دخول لاعبين إضافيين إلى منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط، وسيوحي إليهم بأنه من الممكن تنفيذ مشاريع واسعة النطاق للاستخراج والتصدير تتطلب تعاوناً إقليمياً.

 

•من المحتمل أن تكون للصفقة انعكاسات على القضية اللبنانية، إذ يشكل الخلاف غير القابل للحل مع لبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية إزعاجاً سياسياً وأمنياً لإسرائيل. صحيح أن هذا الخلاف لم يمنع مصر أو الأردن من الدخول في علاقات بعيدة المدى في مجال الطاقة مع إسرائيل. ولكن من جهة أُخرى من الواضح أن أي مواجهة بالقوة بين إسرائيل ولبنان ستكون لها نتائج كارثية على لبنان خصوصاً، وستؤدي إلى استبعاد إمكانات استغلال النفط والغاز في مياهه، إنمايمكن أيضاً أن تضر بمصالح إسرائيلية في مجال تطوير مخزون الغاز القريب من الحدود. ومن المحتمل أن الخطاب الحربي الذي نسمعه في هذه الأيام في لبنان والرفض المتكرر لاقتراحات التسوية من جانب الولايات المتحدة هي أصوات تظهر فقط على خلفية الانتخابات المقبلة في الدولة. والمطلوب من الدول التي تقيم حواراً سياسياً مع لبنان، وخصوصاً تلك التي دخلت شركاتها للطاقة في تطوير الغاز، العمل على وقف هذا الكلام المتغطرس من لبنان.